جاءت وثيقة الشرف التي أصدرتها ثماني فصائل فلسطينية السبت الماضي أداة دعم وتأييد _لحماس أمام محاولات تطويقها من قبل السلطة الفلسطينية التي تتهم اليوم بتمرير معلومات للعدو الاسرائيلي عن الفصائل الفلسطينية في معرض التعاون معه لمحاصرة الفصائل وتدمير بنيتها التحتية وعلي حين أكدت الوثيقة علي تحريم الاقتتال الداخلي فيما بينها فلقد كشفت عن وجود فجوة بين الفصائل وبين المستوي السياسي ممثلاً في القيادة الفلسطينية وذلك عندما راحت تسلط الضوء علي الثوابت التي تتمسك بها الفصائل ويتصدرها استمرار المقاومة داخل غزة - لأن الاحتلال لم ينته - وعدم السماح بالمساس بالسلاح ودفاع كل الفصائل عن أي فصيل قد يتعرض للخطر أو التطويق. المشهد القاتم تراهن إسرائيل علي تدهور الوضع الأمني داخل الأراضي الفلسطينية وعلي شيوع الفوضي وعدم الاستقرار وعلي التوتر الحادث بين السلطة الفلسطينية وحماس وما يخشاه الكثيرون من أن تؤدي حالة الاحتقان الداخلي السائدة الآن إلي حرب أهلية، فالمشهد أصبح قاتما ونذر سوء الطالع تبعث علي القلق في وقت تعبث فيه أياد خارجية بمصير الشعب الفلسطيني ولعل انسحاب إسرائيل من غزة أرادت من ورائه وضع اسفين بين القيادة والفصائل بشكل يؤدي إلي تصفية حماس تحديدا وإخراجها من المعادلة السياسية بحيث لا تشارك في الانتخابات التشريعية القادمة وبحيث يجري تجريمها ومن ثم تحجيمها والقضاء عليها كمقاومة وهو ما تدعو إسرائيل إليه صراحة وعبر عنه مؤخرا "ايهود أولمرت" - نائب شارون - عندما أعلن بأن إسرائيل تبذل جهودا دولية مكثفة من أجل منع حماس من المشاركة أو الفوز في الانتخابات التشريعية الفلسطينية. * محاولة إضعاف حماس... قد يكون من الحكمة الآن وقف نذر التوتر بالكف عن الحديث الداعي إلي نزع أسلحة الفصائل الفلسطينية وإرجاء ذلك إلي ما بعد الانتخابات التشريعية والتي يجب أن تجري في موعدها 25 يناير القادم وألا يتم ارجاؤها مرة أخري حفاظا علي مصداقية السلطة الفلسطينية ولعل ما يحدث حاليا يلقي بظلاله علي العلاقة بين حماس والسلطة الفلسطينية، فما يشاع وتؤكده المعلومات وبعض المؤشرات أن محمود عباس وقيادة فتح تخشي من نجاح حماس في الانتخابات التشريعية التي ستعقد في 25 يناير القادم وما يشاع أيضا أن هناك اتفاقا ضمنيا بين القيادة الفلسطينية وكل من حكومة شارون وإدارة بوش علي احتواء حماس ما أمكن وتسديد ضربات إجهاضية لها بهدف إضعافها قبل الانتخابات حتي لا يكون الفوز حليفها وورقتها الرابحة في الهيمنة علي الوضع في الأراضي الفلسطينية لاسيما مع ما تتمتع به من شعبية وسط الفلسطينيين كحركة متجذرة بين الناس بوصفها قوة مقاومة للاحتلال. تحذير شاروني لقد وقعت السلطة الفلسطينية في تناقض بين، ففي الوقت الذي حاول فيه محمود عباس تشجيع حماس علي الاندراج في اتفاق وقف اطلاق النار والمشاركة في الانتخابات البلدية والبرلمانية والتحول إلي حزب سياسي إلا أنه كان يخشي منها كحركة شعبية لها الكثير من مؤيديها في الأراضي الفلسطينية. وقد سبق الشارون أن حذر عباس عندما نصحه بوجوب محاربتها وإلا انتهي بها الأمر إلي محاربته خاصة إذا ما شعرت بأنه ضعيف وكأن شارون بذلك يحرض عباس علنا علي الدخول في معركة مع حماس. تحكيم العقل بات مطلوبا من عباس عدم الانصياع في هذه المرحلة إلي نصائح شارون أو إدارة بوش وإنما عليه أن يحكم العقل حتي لا يدفع بحماس إلي التراجع عما التزمت به من وقف لإطلاق النار بل والاندافع نحو التيار المتشدد فيها وعندئذ ستكون هناك امكانية لأن تأخذ الأمور بعداً آخر تنحو معه نحو حرب أهلية فلسطينية تماما كما جري في أنجولا بين الحركة الشعبية وحركة يونيتا ويتعين علي السلطة الفلسطينية أن تأخذ في الاعتبار عدم الاستهانة بحركة حماس لأن ذلك سيدفع بها لأن تصبح خارج المعترك السياسي وبالتالي تعود أدراجها إلي وضعها الطبيعي كمقاومة وتظل عقبة كأداء تحول دون أي اتفاق يتم بين القيادة الفلسطينية وإسرائيل وعندئذ سيكون بامكانها تسميم الأجواء في أية تسوية تجري وفرض لغة النار والعنف كلغة تواصل وحيدة بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي. بعيدا عن الأنواء محمود عباس في مفترق طرق، فأداء حركة فتح في الوقت الراهن لا يعكس وضعها كمؤسسة متماسكة قادرة بمفردها علي الانتقال إلي مرحلة الدولة التي تفرض فيها هيمنتها علي الأمور وتنجح في أن تسوس الموقف بحكمة وعقلانية لاسيما بعد الانسحاب الاسرائيلي من غزة والذي بدا وكأنه استراحة المحارب من أجل قضم أراضي الضفة وضم القدس كلية في مناخ توافرت فيه لإسرائيل كل الفرص المواتية بدءاً من ضعف عربي كبير ومرورا بمجتمع دولي مغيب لا يكترث بما هو حادث وانتهاء بدعم أمريكي كامل لكل ما تقوم به إسرائيل. يتعين علي عباس اليوم إدارة العملية مع حماس بحرفية حتي يمكنه في النهاية الوصول إلي وضع ثابت ومستقر بدون أنواء أو معارك جانبية مع حماس تحديدا ومع سائر الفصائل الفلسطينية عامة.. وضع تسود فيه أجندة عمل واحدة يتحلق حولها الجميع من أجل التحضير للمرحلة القادمة.. مرحلة قيام الدولة الفلسطينية المستقلة.. وقد لا يكون مستبعدا تشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك فيها حماس.