مضت إسرائيل في تصعيد المواقف ضد الفلسطينيين في غزة والضفة معا وكأنها لم تنسحب من غزة والحقيقة ان ما قامت به ليس إلا اعادة انتشار هيأت لها فرصة ذهبية لاستهداف الفلسطينيين جواً وبحراً وبراً فكثفت غاراتها الجوية واعتقلت المرشحين المفترضين علي قوائم حركة حماس في انتخابات المجلس التشريعي المزمع اجراؤها في 25 يناير القادم، وتعمدت اغتيال عدد من اعضاء تنظيم الجهاد وكتائب شهداء الأقصي وقامت بإغلاق بوابات قطاع غزة علي سكانه الفلسطينيين. ما حدث ضمنت اسرائيل بواسطته أن يظل القطاع تحت إمرتها مغلقا ومطوقا ومفصولا عن الضفة كلية أي ان الاحتلال تحول إلي سجان وتحولت معه غزة إلي سجن كبير. الفصل الثاني للمناورة.. والآن تعكف حكومة شارون علي تنفيذ الفصل الثاني من مناورة الطريق بعد اعادة الانتشار في غزة المناورة تستهدف الاطاحة بحماس خاصة والفصائل الفلسطينية عامة أي القضاء علي المقاومة حتي لا تقوم لها قائمة، ومن ثم بدأ ساسة اسرائيل يبعثون بأكثر من رسالة إلي القيادة الفلسطينية في محاولة لوضع اسفين بينها وبين حماس، فوجدنا شيمون بيريز يحذر السلطة ويدعوها إلي محاربة حماس لأنها ان لم تفعل ستبادر حماس عندئذ بمحاربتها عندما تشعر أنها ضعيفة والأكثر من ذلك ما ذهب إليه بيريز عندما قال: مؤخرا لولا حماس لخرجت اسرائيل من غزة قبل عشر سنوات!! أي انها هي المعرقل للسلام. أمريكا وحماس.. بل ان ادارة بوش تمارس ضغوطا مكثفة أيضا ضد حماس وتدعو السلطة الفلسطينية إلي فرض سيطرتها علي قطاع غزة ضمانا لوقف هجمات المقاومة وتطالب عباس بلجم الفصائل بوصف هذا ضرورة لتوفير المناخ السياسي الذي يسمح بتحقيق طموحات الفلسطينيين، ومن المنتظر ان يتصدر هذا الموضوع اللقاء المزمع عقده في واشنطن بين بوش وعباس في العشرين من الشهر الجاري، ولقد رأينا كونداليزا رايس السبت الماضي تدعو إلي تفكيك حماس ونزع سلاحها تؤكد بأنه لا يمكن الجمع بين العمل السياسي والمقاومة المسلحة وبالتالي لا يمكن أن يكون لحماس وجود في الميدان السياسي طالما تنخرط في العنف وتقف مع تدمير اسرائيل. ماذا عن دور مصر؟ تقوم مصر بدور الوساطة بين اسرائيل والفلسطينيين في محاولة منها لنزع فتيل الأزمة الحالية وبالتالي استمرت المساعي ممثلة في زيارات عمر سليمان مدير المخابرات العامة للأراضي الفلسطينية واسرائيل لاقناع اسرائيل بوقف اجراءاتها الاستفزازية التي تدفع الفلسطينيين للرد، ولاقناع الفصائل الفلسطينية بالالتزام بالتهدئة التي تم الاتفاق عليها في إعلان القاهرة منذ عدة أشهر. نزع سلاح المقاومة قد يبدو للبعض بأن مصر تلعب في الوقت الضائع وأن الجهد الذي تقوم به هو جهد مبدد لن يسفر عن نتائج ايجابية والدليل علي ان اسرائيل تمضي في سياسة التصفية والابادة والاعتقال وتتمادي فيها دون اعتبار لأحد، غير أن مصر هنا تتبني سياسة النفس الطويل علي أمل أن تؤتي جهودها ثمارها الموجوة بشكل يهييء المناخ الذي يساعد الفلسطينيين علي تحقيق أهدافهم ويدفع بهم نحو مستقبل أفضل، ويعد نزع سلاح الفصائل احدي النقاط الشائكة التي تحاول مصر ان تنأي بنفسها عن الجهر بها علنا حرصا منها علي اظهار هذه المسألة وكأنها تخضع للتوافق الفلسطيني الداخلي وللعلاقة بين السلطة الفلسطينية وهذه الفصائل، غير أن مصر في الوقت نفسه تؤيد نزع السلاح علي أساس قاعدة تقول بأنه لا يمكن ترك المجال مفتوحا أمام كل من يريد حمل السلاح ومن ثم تعمل من وراء الكواليس علي أن يتم علاج هذا الأمر بقدر من الحزم وفي اطار القانون حتي لا تؤدي فوضي السلاح إلي اندلاع نزاعات بين الفلسطينيين بعضهم وبعض. التركيز علي الضفة وفي الوقت نفسه تبذل مصر المساعي ضمانا لعدم عودة اسرائيل إلي اجتياح غزة أو انغماسها في الشأن الفلسطيني او قيامها بأية اختراقات داخل الأراضي الفلسطينية، وفي هذا الاطار تبقي مصر علي اتصالاتها بحكومة شارون بهدف تطويع مواقفها واقناعها بالتخلي عن المواقف الجامدة وفي الوقت نفسه تحرص مصر علي التحرك والاتصال بمجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة واللجنة الرباعية وجميع أطراف المعادلة الدولية لما لها من وزن في محاولة منها لاحداث التأثير المطلوب علي الموقف الاسرائيلي وحتي لا تصل الأمور إلي مرحلة يجمد فيها موضوع الضفة الغربية التي لابد وان يتم التركيز عليها حاليا تنفيذا لخريطة الطريق ولكي يستمر الدفع نحو بدء مفاوضات بين الفلسطينيين واسرائيل تحت الاشراف الدولي لانهاء جميع المسائل المعلقة في التسوية النهائية وعلي أساس ان تكون هناك دولة فلسطينية تضم غزة والضفة معاً ككيان قابل للحياة.