من : تورونتو كندا مثل الشمع في اللهب ذاب اهتمامي كله في حروف كلماته المصهورة في الأسي.. قائد كتيبة أمريكية محاربة في العراق يعترف: "في عام واحد فقط 5 برتبة ملازم.. جمعت بيدي نثار أجسادهم.. إني لا أنام من كوابيس الليل! والناس في أمريكا في حالة سلام، بعيدون تماما عن أي اهتمام.. قليلون من الأمريكيين يحاربون وحدهم في العراق"! خبراء العسكرية والسياسة في أمريكا يسلمون بأن قواتهم في العراق أصابها الضجر من مهمتها العقيمة، ومن الاحساس بأن جبهة الحرب لا تطول الداخل الأمريكي! والغضب ملء زفير القوات العائدة إلي الوطن بعد مد بقائهم في الجبهة مددا طالت أمدا.. خاصة قوات الاحتياط والحرس الوطني الذين ينتظرهم الضياع واللامستقبل!.. جون كراوفورد، واحد منهم.. ألف كتابا رائعا ينهب اللب، عنوانه: "آخر قصة حقيقية سوف أرويها".. تصفحته.. في مقدمته يقول: "كلما مررت في شوارع ميامي، ورأيت الناس في المقاهي والمطاعم قانعين مطمئنين مرتاحي البال.. هممت أن أصرخ في وجوههم وأعزف: نوبة ايقاظ"! شتوتجارت ألمانيا.. مهبط القوات الأمريكية العائدة من العراق، سواء بطولهم وعلي أقدامهم أو في نعوش ملفوفة بالعلم الأزرق ذي الخمسين نجمة لا تضم في أحشائها جثثا.. الأحياء منهم يفكرون بصوت جهوري: "تلطمنا الاحساسيس بأن الرأي العام الأمريكي المساند للحرب بدأ يضعف ويهون.. نخشي أن يكونوا قد أرسلونا لنجابه موقفا صعبا في العراق، دون التزام تام من القيادات السياسية وقادة الأركان"! ويتساءلون: "لماذا لا يصدر الرئيس بوش استدعاء قوميا للخدمة العسكرية يسد النقص في القوات المسلحة؟ لماذا لا يحركنا رباط الحرب "war- bond drives - بقوة وجسارة مثلما كان حالنا في الحرب العالمية الثانية؟!". .. ويتجاسر بعض الضباط العائدين من جبهة العراق وهم يتساءلون: "لماذا يقاطع الرئيس بوش جنازات قتلانا؟! لماذا لا يشركنا الشعب أحزان موتانا؟!". لم يسمح الرئيس بوش حتي الآن بلقاء الأم البائسة سيندي شيهان.. لكن البيت الأبيض يسرب أخبارا تلعب بعواطف الجماهير.. آخرها: أن الرئيس كثيرا ما يبكي في لقاءاته الخاصة بأمهات قتلي الحرب في العراق.. وأن يبكي بوش من ضراوة الألم والاحساس الوعر بالمسئولية عن ارسال شباب بلاده للحرب أمر إنساني وارد! وربما كانت أحاسيس الفشل وعدم الانجاز عنده مضاعفة.. خاصة أن المعركة لم تبدأ بالفعل إلا في أعقاب إعلانه أول مايو 2003 أن المهمة قد أنجزت وأن العمليات القتالية الرئيسية قد انتهت.. وهو ما يجمع خبراء العسكرية الأمريكية علي أنه كان فشلا هائلا (Colossalfailure) بكل مقاييس التخطيط والتنفيذ! أضف إلي ذلك الحسابات السياسية الخاطئة التي منعت بوش من تشييع جنازات قتلي الحرب.. رغم وجود سوابق لهذه المشاركة الوجدانية الرئاسية من سكان البيت الأبيض علي مر العصور! لعل أجمل ما قرأت في هذا السياق، ما صاغه كاتب العمود جوكلاين في مجلة "تايم": إن حركة الأم سيندي شيهان جاءت لتحرك وتراشد يد الحساسية.. إنها تمثل الدموع التي لم تذرف علي أكفان موتانا.. وتفتح حديثا متأخرا (Overdue conversation) حول حرب العراق.. وهل يمكن انهاؤها دون تبعات خطيرة؟!".. ويضيف جوكلاين برؤية صافية: "اعترف أن هذا فشل محقق للقيادة.. وربما اشارة سقوط مؤلم لرئاسة بوش بكاملها"! صاعقة ذهنية.. وذهول! رشق اعصار كاترينا المعربد سياق هذا المقال مثل صاروخ اعتراضي.. كنت احتشد لعرض لمحات من عدد من الكتب والدراسات التي تجسم خطأ حرب العراق إلي حد وصفها ب"الخطيئة" التي لا متاب منها ولا مخرج! وجاء "الهريكين" الذي اجتاح بدماره ولايات أمريكا المطلة علي خليج المكسيك وخلف وراءه 12 ألف قتيل - 6 أضعاف قتلي أمريكا في العراق! - وخسائر اقتصادية يزيد قدرها علي 100 مليار دولار! لم يكن عجيبا أن يتراخي الرئيس بوش في مواجهة آثار الاعصار حتي انقضي يومه الثالث.. وعندما تحرك ليتفقد أهواله طاردته أسئلة الصحفيين تذكره بعجز الولاياتالمتحدة عن مواصلة حرب العراق جنبا إلي جنب مع اعمار دمار الاعصار لكنه أجاب مكابرا: "إننا نملك الموارد الضخمة لمواجهة العبئين معا"! .. نحلق معا بصحبة لعنة "الهريكين" وغرائبها الآسية، قبل أن نواصل دراسة "لعنة حرب العراق" التي تطارد أمريكا مطاردة لعنة الفراعنة لكل من يقتحمون قبور موتاهم! لماذا تكاسلت إدارة بوش عن نجدة الولايات التي عصف بها الاعصار ودمرها تدميرا؟ يجمع زنوج ولايات لويزيانا وألباما والمسيسيبي علي أن لونهم الأسود كان سببا في هذا التراخي.. ولو كانت أغلبية الولايات المنكوبة بيضاء، لاختلف الأمر! وقد كان ذلك حافزا لانتشار أعمال النهب والاغتصاب في أعقاب الكارثة.. كل الجناة كانوا من السود!