من تورونتو - كندا الموقف العسكري الأمريكي في العراق بلغ حد اليأس التام.. مثل مريض يعاني سكرات مرض الموت، لا خلاص له إلا بالرحيل عن الدنيا! قائد القوات الأمريكية جنرال جورج كيسي وقف أمام لجنة الخدمات العسكرية بمجلس الشيوخ، الخميس الماضي يعترف بالحقيقة الرهيبة: "لئن فشل مشروع الدستور العراقي، وتم الاعتراض عليه في الاستفتاء العام خلال أيام، سوف يفسد الموقف السياسي كله وينهار.. ان الأيام ال 75 المقبلة أيام حرجة وحاسمة في مستقبل العراق"! وواصل الجنرال اعترافه اليائس: ".. وأنا لا أستطيع أن أخمن - أو حتي أفكر! - في انسحاب القوات الأمريكية من العراق، إلا بعد انقضاء هذه الفترة العصيبة المقبلة"!.. تناغم معه رفيق السلاح في مواجهة الأزمة الطاحنة، جنرال جون أبي زيد وهو يدلي بأقواله امام لجنة الكونجرس..: "تنظيم القاعدة هو العدو الأساسي للسلام والاستقرار في العراق والشرق الأوسط.. وهو تهديد ينبغي علينا الا نستخف به أو نبخس تقديره"! يتزامن مع هذا التدهور العسكري والسياسي، ذلك الصراع الذي نشب مؤخرا بين الرئيس العراقي جلال طالباني ورئيس الحكومة ابراهيم الجعفري حول السلطة وتنازع الاختصاص.. وهو تنازع، ان لم يتم حسمه، يهدد بحريق! .. واحساساً منه بالخطر المحلق، قال الرئيس بوش منذرا: "أتوقع أن تشن المقاومة العراقية موجة ضارية من الهجمات الدامية، بهدف ايقاع الفوضي في الانتخابات المقبلة والتقط انفاسه ليضيف مكابرا: "لكن قواتنا تقف جاهزة لكل الاحتمالات"! وفي نفس النهار - الخميس الماضي - أجرت ال CNN قياسا للرأي العراقي، بالاشتراك مع مؤسسة جالون وصحيفة USATODAY حول الموقف في العراق.. أجاب 55% ممن أدلوا بآرائهم مطالبين بضرورة الاسراع في تنفيذ خطط الانسحاب من العراق.. لكن المشكلة أنه حتي الآن، ليست هناك خطة للانسحاب.. مثلما لم تكن هناك - أصلا - خطة متكاملة للحرب.. من حيث التسليح، والحشد، والاحتمالات المتغيرة للمجهود الرئيسي لتلك الحرب.! وسرعان ما أدار بوش اسطوانته المشروخة وهو يلعب علي أوتار الخوف.. بكلماته: ان العراق هو الجبهة الاساسية للحرب ضد الارهاب، التي بدأت بهجمات 11 سبتمبر 2001 والانسحاب من العراق سوف يزيد الارهابيين جسارة.. وهو منطق كوميدي لا يقل طرافة عن قصة العنزة التي شغلت اهتمامه 7 دقائق كاملة، وصواعق سبتمبر ترعد في السماوات الأمريكية! العار عليهم.. واللعنة! يعترف خبراء البنتاجون - في السر. لا العلن! بأن رصيد مناصرة الشعب الأمريكي للحرب في العراق يتدهور علي نحو خطير، ويحدث تَآكلا لا علاج له في شعبية الرئيس بوش، وقدرة الكونجرس علي مساندة حكمه وتمرير تشريعاته رغم اغلبيته الجمهورية! والنقاد السياسيون يتساءلون بفكر مستنير: هل يمكن استنفاذ أي نجاح سياسي من وراء حرب لا يمكن كسبها - UMWINNABLE وكيف يمكن للولايات المتحدة ان تقتلع نفسها من مستنقع العراق، دون ان تضاعف الدمار الذي احدثته لمصالحها في المنطقة، فضلا عن هيبتها التي تمرغت في وحل الهزء والكراهية! مثل هذه التساؤلات الحادة كحد الموسي تشغل مراكز الدراسات الامريكية المختلفة بحثا عن حلول كريمة لا تريق ماء الوجه الأمريكي Face Keeping! ولعلي أشارك في هذا الجهد التطوعي بمقالات تتري في هذه السلسلة البحثية المضنية. لوجه الله، وشهداء شعب العراق الذين يتضاعفون كل طلعة شمس بمتوالية هندسية! كيف نشأت المقاومة العراقية؟ مصادر المخابرات العسكرية الأمريكية تكشف.. ابريل 2003 بعد أسابيع قليلة من سقوط بغداد.. سيارة ليموزين سوداء تدخل احدي حدائق المثلث الاخضر بقلب العاصمة العراقية، تحمل 5 أشخاص: صدام حسين، الرئيس المخلوع، عزة إبراهيم الدوري، الرجل الثاني في النظام.. ولواء محمد يونس الأحمد، عضو المجلس العسكري الملحق بمكتب صدام، والمنوط به حماية النظام وحزب البعث الحاكم عند حدوث أي انقلاب عسكري علي السلطة.. وشخصين آخرين من قيادة الحزب.. استمر الاجتماع 3 دقائق فقط، انهاه صدام بأمر صارم: "إبدأوا فورا في اعادة بناء الشبكة"!.. كانت هذه هي نقطة البدء في تشكيل قلب المقاومة العراقية ضد الانقلاب العسكري الأمريكي علي النظام!. والمقاومة العراقية، بكل تنظيماتها، مجهولة العدد.. جميعها من العراقيين، باستثناء حوالي 2% من جنسيات أخري وافدة.. وهي دائمة النمو عددا وعدة! ويعترف أحد كبار الضباط الأمريكيين في العراق بكلمات آسية "نحن متفوقون في محاربة الجيوش.. لكننا نقف مكتوفي القوة أمام سيارة مفخخة، أو قنبلة مدفونة تعترض الطريق"! جنرال ب 4 نجوم، وخبرة واسعة في حرب الشرق الأوسط، يكاشف جوكلاين كاتب العمود بمجلة تايم: "وكالة المخابرات العسكرية بالبنتاجون تركز كل جهودها الاستخباراتية علي ايران وكوريا الشمالية والصين.. ولا متابعة تذكر لخفايا المقاومة العراقية.. العار عليهم واللعنة"!