في الثامن والتاسع من إبريل القادم سيقدم الجنرال "ديفيد بيترايوس" للكونجرس تقييمه للوضع الأمني في العراق. ولكن إذا ما سُمح لبيترايوس بالشهادة مرة أخري دون وجود قادته الأقدم بجواره، كما حدث في شهر سبتمبر الماضي، فإن الكونجرس والشعب الأمريكي لن يحصلا علي الصورة الكاملة عن ذلك. ومن الواضح أن إدارة بوش تريد أن يمضي الأمر علي هذا النحو. ففي بيان أمام وسائل الإعلام مؤخراً قال وزير الدفاع "روبرت جيتس": "لقد طلبتُ من الجنرال بيترايوس إعداد هذا التقييم... علي أن يكون مبنياً بالكامل علي ما يحدث الآن في العراق بالفعل. وهو ليس في حاجة لأن يتلفَّت حوله في قلق، أو أن يفكر في الضغط الذي تتعرض له هذه القوات أو علي أي شيء آخر... عليه فقط أن يقدم لنا تقييماً". نعم... إن ما يقوله "جيتس" صحيح ولكن يجب أيضاً أن نعرف أن بيترايوس لا يزال في حاجة لاستشارة باقي القادة العسكريين، الذين يلِمون بالصورة العامة -والأوسع - للأمن القومي الأمريكي. من هؤلاء القادة علي سبيل المثال، رئيس أركان القوات البرية "جورج كيسي" الذي قال أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب: "إن الجيش الأمريكي يمر بحالة من عدم التوازن في الوقت الراهن". وهو تصريح مهذب يقصد به القول إن الجيش الأمريكي قد تمزق بسبب نشر قواته علي عدة جبهات وخطوط قتال طويلة. ومنهم أيضاً الأدميرال "مايكل جيه مولين" رئيس هيئة الأركان المشتركة، الذي عبر عن نفس القلق الذي يشعر به "كيسي" في شهر يونيو الماضي، عندما قال في تصريح لمجلة "مارين كورس تايمز": "هناك طاقات احتياطية في البحرية ثم جاءت الاستقالة المفاجئة للأدميرال "ويليام جيه. فالون" قائد القيادة المركزية الأمريكية لتبين كيف أن الكونجرس يجب أن يكون حريصاً علي الاستماع إلي رؤية الرجل دون أية قيود، أو علي الأقل الاستماع إلي رؤية من سيخلفه في منصبه، وخصوصاً أن "فالون" كان مسئولاً عن كافة المصالح الأمنية الأمريكية في الشرق الأوسط، وكان معروفاً عنه أنه مهموم بشكل خاص بالطريقة التي تجري بها الحرب في أفغانستان. وهناك ثلاثة تقارير أمنية منفصلة تم إعلانها الشهر الماضي انتهت بخلاصة مؤداها أن الوضع الأمني في ذلك البلد قد تدهور إلي أسوأ مستوياته خلال عامين، وهو ما يقودنا للقول إن "فالون" كان مُحقاً في غضبه بسبب تركيز الإدارة علي العراق، وعدم قيامها بتنفيذ طلبه الذي كان يقوم علي تخفيض عدد القوات الأمريكية الموجودة في العراق إلي ما دون العدد الحالي وهو 130 ألف جندي بكثير، حتي يمكنه إرسال المزيد من القوات إلي أفغانستان التي تعتبر الجبهة المركزية في الحرب علي الإرهاب. وحتي الآن لم تتم مطالبة قائد المنطقة المركزية الوسطي بالنيابة، ولا أي جنرال من الجنرالات العاملين في هيئة الأركان المشتركة بالإدلاء بشهاداتهم أمام الكونجرس، كما سيفعل بيترايوس الشهر القادم. ولم يكن هذا هو ما حدث مع القادة العسكريين السابقين في العراق مثل الليفتنانت جنرال (فريق) "ريكادرو سانشيز" الذي قدم شهادته أمام لجنة القوات المسلحة بالاشتراك، مع الجنرال (فريق أول) جون أبي زيد الذي كان يشغل منصب قائد القيادة المركزية الأمريكية في ذلك الوقت. أما الجنرال "كيسي" الذي كان قائداً للقوات الأمريكية في العراق خلال الفترة من 2004 إلي 2007 فقد شهد أمام لجنتي القوات المسلحة في مجلسي الشيوخ والنواب أربع مرات برفقة الجنرال أبي زيد أيضاً. وفي الحقيقة أن "بيترايوس" يعتبر هو أول قائد للقوات المسلحة الأمريكية في العراق، يشهد أمام لجنة من لجان الكونجرس دون أن يكون قائد القيادة المركزية إلي جانبه. فحتي "فالون" لم يشهد أبداً أمام أي من اللجنتين بمفرده حول الوضع في العراق خلال فترة العام الذي تولي فيها القيادة المركزية. والسبب الذي يجعلنا نحتاج إلي جلوس قائد القيادة المركزية ورئيس هيئة الأركان المشتركة، علي طاولة واحدة للإدلاء بشهادتيهما أمام لجان الكونجرس بدا جلياً في شهر سبتمبر الماضي وذلك عندما سأل السيناتور "جوي دبليو وارنر"(جمهوري من ولاية فرجينيا) والذي شغل من قبل منصب وزير البحرية، الجنرال بيترايوس: إذا ما واصلنا العمل كما طلبت أمام الكونجرس فهل ذلك سيجعل أمريكا أكثر أمناً؟ فأجاب بيترايوس وكان مصيباً في رده في الحقيقة: "حسناً يا سيدي، الحقيقة هي أنني لا أعرف الإجابة". ومولين، وكيسي، وفالون -أو من سيحل محله في القيادة المركزية- يمكنهم هم أيضاً أن يقولوا أمام الكونجرس إن الإجابة علي هذا السؤال هي بالنفي. أما الكونجرس فيجب أن يكون حريصاً من جانبه علي الحصول علي الصورة العسكرية كاملة، إذا ما أراد حقاً أن يضطلع بالمسئولية الدستورية المنوطة به.