تابعت المنتدي في الأردن لميس الحديدي: في نفس المكان منذ عامين بالضبط وقف روبرت زوليك المفوض التجاري الأمريكي حينها أمام جمع من ألفين من قادة السياسة والاقتصاد في العالم ينتقد أداء الاقتصاد المصري وعدم التزام الحكومة المصرية بتعهداتها وأطلق أحكاماً قاسية بخروج مصر من حلبة المنافسة الإقليمية، وفي نفس ذات المكان علي ضفاف البحر الميت الأسبوع الماضي جاء حديث زوليك مختلفاً: إيجابياً، هادئاً ومشجعاً للتطورات التي اتخذتها الحكومة المصرية مؤخراً بل وضمت كلماته وعوداً باقتراب بدء مفاوضات التجارة الحرة.. ماذا حدث؟! وما حدث ليس وليد اجتماع أو اثنين، وليس ناتجاً عن زيارة رئيس الوزراء د. نظيف وفريقه الاقتصادي للعاصمة الأمريكية فحسب.. ولكنه جاء نتيجة منظومة عمل بدأت تؤتي أؤكلها علي مناحي الاقتصاد المصري ككل.. بل وتفوق في أحيان ما كانت تطالب به المؤسسات الاقتصادية الدولية.. ذلك علي الجانب الاقتصادي فقط. ورغم أن زوليك نائب وزير الخارجية الأمريكية الآن لم يضع مصر ضمن قائمة الدول التي ستوقع معها الإدارة الأمريكية اتفاقاً للتجارة الحرة هذا العام، إلا أنه في الوقت نفسه أشاد بأداء الاقتصاد المصري مؤكداً أن ما تم انجازه حتي الآن هي خطي علي الطريق الصحيح للإصلاح الاقتصادي، سواء خفض الجمارك أو الضرائب أو الاصلاح المالي الذي تساعده الولاياتالمتحدة بمساعدات مالية إضافية، وفي هذا الإطار أشار زوليك إلي أن الحكومتين تعدان "بجدية لاتفاق تجارة حرة".. رغم أنه لم يذكر تاريخاً لبدء المفاوضات التي تتوقع المصادر أن يكون قبل نهاية العام الحالي. إلا أن تعليقات نائب وزيرة الخارجية الأمريكية لم تقف عند ذلك الحد.. حيث تحدث عن تطورات الإصلاح السياسي في المنطقة والتي اعتبرها "أساسية" لاستمرار الإصلاح الاقتصادي وهدفاً رئيسياً للإدارة الأمريكية.. زوليك طالب الحكومة المصرية ب "انتخابات نزيهة وعادلة" غير أنه تراجع عن تصريحات أخري صدرت عن مسئولين أمريكيين بالمطالبة برقابة دولية وأكد أن "المصريين يمكنهم الإجابة عن سؤال المراقبين وما إذا كانت الرقابة أمراً أساسياً لنجاح انتخاباتهم المقبلة". لغة زوليك الجديدة في التعامل مع الشأن المصري الاقتصادي والسياسي بدت مفاجئه لكثيرين إلا أنها جاءت متسقة بشكل أساسي مع الخطاب الأمريكي الأخير خلال زيارة د. نظيف إلي العاصمة الأمريكية.. إنه تغيير يجب رصده بدقة. بين موسي وليز ورغم أن المنتدي الاقتصادي العالمي سواء في دافوس بسويسرا أو في البحر الميت بالأردن يهتم أساساً بالشأن الاقتصادي، فقد أضحت القضايا السياسية ذات أولوية قصوي علي أجندته، فقد بدأ المنتدي أول أيامه باستعراض التطورات في العراق وليبيا ولبنان.. رغم أنه أغفل في ذلك فلسطين التي يملك حل قضيتها مفتاحاً للاستقرار الأوسع في الشرق الأوسط. وكان للقضية الفلسطينية جلسة خاصة في ثالث أيام المؤتمر جمعت وزراء فلسطين وإسرائيل حول مستقبل غزة في أعقاب الانسحاب الإسرائيلي المزمع منها في أغسطس القادم.. وما إذا كانت المدينة ستتحول بعد الانسحاب إلي "تورا بورا" الشرق الأوسط يختلط فيها العنف بالتطرف أم أنها قد تكون بداية حقيقية للأمن والسلام في المنطقة. الفلسطينيون قدموا مطالبهم من مطار للحركة الجوية وطريق يربط غزة بالضفة والمدن الإسرائيلية لتسهيل حركة البضائع وفتح المنافذ الدولية عن طريق منفذ رفح المصري.. وكان الرد الإسرائيلي المعتاد أن كل ذلك ممكن إذا ضمن الفلسطينيون لإسرائيل أن تلك المعابر لن تستخدم لتهريب السلاح والعنف ضد الإسرائيليين.. نفس الحلقة المفرغة بين السلام والأمن.. ورغم ذلك فلم تشهد الجلسة صداماً حاداً كالذي اعتادته جلسات المنتدي في السنوات السابقة بين الجانبين.. بل جاء الحوار بينهما هادئاً متزناً رغم الخلاف حتي أنه في بعض أحيانه تضمن عبارات مجاملة بين الطرفين. نفس المجاملات لم تكن هي سمة الحوار بين عمرو موسي أمين عام الجامعة العربية وأحد نجوم دافوس منذ سنوات وبين ليز تشيني مساعدة نائب وزيرة الخارجية الأمريكية وابنة نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني.. ففي جلسة ساخنة قال موسي إن ما تحدثت عنه لورا بوش من ربيع للديموقراطية في المنطقة العربية لا يمكن أن يتحقق دون حل جذري للقضية الفلسطينية وقال: "لا ربيع ولا خريف دون حل للقضية الفلسطينية".. وبعد تصفيق حاد من الحاضرين قالت تشيني إن ذلك كله حديث قديم لا تبغي منه سوي "الحصول علي تصفيق الحاضرين!!" ورفض جمهور الجلسة ما قالته تشيني وأصدروا أصواتاً مستاءة من تصريح عصرياتها غير اللائقة عن المسئول العربي رفيع المستوي وعلي أرض عربية.