تركز الكتابات التي تتناول قضية الاستثمار في مصر عادة علي حجم الاستثمار وزيادة أو تراجع معدلاته وسبل العمل علي جذب المزيد من الاستثمارات دون الاهتمام بمناقشة زيادة كفاءة الاستثمارات والتي تعد قضية بالغة الأهمية خاصة في ظل محدودية القدرة علي زيادة حجم الاستثمار بالمعدلات المطلوبة. وتعبر كفاءة الاستثمارات عن عملية تخصيص الاستثمارات بين القطاعات المختلفة وتوزيعها وفقا للمزايا النسبية للاقتصاد وهو ما يحقق زيادة انتاجية عوامل الانتاج وارتفاع نمو الناتج المحلي الاجمالي. وفي محاولة لتقييم كفاءة الاستثمارات في مصر، نستعرض أولا دراسة حديثة حول هذه القضية أعدها الدكتور إيهاب الدسوقي مدرس الاقتصاد ووكيل مركز البحوث بأكاديمية السادات. وقد اعتمدت الدراسة التي أعدها د.الدسوقي عن كفاءة الاستثمارات في مصر علي عدد من المؤشرات: أولها تطور المعدل الحدي لرأس المال إلي الناتج والذي يقيس نسبة التغير في رأس المال إلي التغير في الناتج، ويعبر انخفاض هذا المؤشر عن أن الناتج الحدي للقطاع يحتاج لوحدات أقل من رأس المال نتيجة لتحسن كفاءة الاستثمارات، كما يقيس هذا المؤشر التوزيع الأمثل للموارد والذي يتحقق عندما يتساوي المعدل الحدي لرأس المال في مختلف القطاعات ويوضح هذا المؤشر ان أكثر الاستثمارات كفاءة في مصر خلال الفترة 93/94 حتي 2001/2002 هي الاستثمارات في قطاع التشييد والبناء يليه قطاعا الصناعة والزراعة علي الترتيب، أما قطاع البترول فهو يتسم بالتذبذب الشديد نظرا لطبيعة الانتاج في هذا القطاع الذي يتطلب حجماً هائلا من الاستثمارات للتنقيب والاستكشاف. ومن ناحية كفاءة تخصيص الموارد فقد أوضح هذا المؤشر عدم التخصيص الأمثل للموارد بين القطاعات المختلفة طوال الفترة 93/94 حتي 2001/،2002 المؤشر الثاني الذي تناولته الدراسة هو معامل انتاجية الاستثمار والذي يعبر عن العلاقة بين الناتج وبين عناصر الانتاج المستخدمة في انتاج القطاع ويشير ارتفاع هذا المؤشر إلي زيادة كفاءة الاستثمارات في القطاع. وباستقراء مؤشر الانتاجية للقطاعات المختلفة في الاقتصاد المصري خلال الفترة من 93/94 حتي 2001/2002 لوحظ ارتفاع إنتاجية قطاع التشييد والبناء عن باقي القطاعات ويحتل القطاع الزراعي المرتبة الثانية ثم القطاع الصناعي. كما رصدت الدراسة هبوط انتاجية الاستثمار لجميع القطاعات منذ عام 1998 حتي 2002. أما المؤشر الثالث الذي اعتمدت عليه الدراسة فكان توزيع الاستثمارات بين القطاعات المختلفة ومقارنة مساهمة كل قطاع في توليد الناتج المحلي الاجمالي وقد لاحظت الدراسة استحواذ قطاع الصناعة علي النسبة الأكبر من الاستثمارات والذي يعد مؤشرا ايجابيا نظرا لارتفاع القيمة المضافة لقطاع الصناعة. إلا أن قطاع التشييد والبناء يأتي في المرتبة الأخيرة من الاستثمارات السلعية رغم أن موشرات الانتاجية تشير لارتفاع كفاءته وهو ما يعكس عدم حصول هذا القطاع علي ما يستحقه من الاستثمارات. المؤشر الرابع الذي تناولته الدراسة هو معامل التوطن والذي يقيس مدي تركز الاستثمارات الموزعة بين القطاعات المختلفة ومساهمة نصيب كل قطاع من الاستثمارات القطاعية في توليد الناتج المحلي الاجمالي وقد أوضح المؤشر أن قطاعي التشييد والزراعة قد ساهما في الناتج المحلي الاجمالي بدرجة أكبر من نصيبهما من الاستثمارات وهو دليل علي كفاءة القطاعين، في حين أن قطاعات الصناعة والبترول والكهرباء قد حصلت علي استثمارات تفوق ما حققته من ناتج. المؤشر الخامس الذي يقيس كفاءة الاستثمارات كما جاء في الدراسة هو مساهمة القطاع في التوظف حين تشير مساهمة القطاعات السلعية في التوظف إلي ارتفاع مساهمة القطاع الزراعي والذي يستوعب 5 ملايين عامل حتي عام 2001/2002 ويليه قطاع الصناعة والتشييد مما يؤكد ان التصدي لمشكلة البطالة يجب ان يقترن بزيادة الاستثمارات الزراعية واعطائها الأولوية. وتأتي مساهمة القطاعات السلعية في التصدير في نهاية المؤشرات الستة التي اعتمدت عليها الدراسة والتي أكدت ارتفاع مساهمة القطاع الصناعي في الصادرات المصرية بدرجة أكبر من غيره من القطاعات ولكن من ناحية أخري ترصد الدراسة ان مساهمة الصادرات الصناعية لا تتعدي 8.4% من قطاع الصناعة وكذلك لا تتعدي الصادرات الزراعية 9.2% من قطاع الزراعة حتي عام 2000/2001 مما يشير لضعف تنافسية وجودة المنتجات الزراعية والصناعية. وقد حددت الدراسة العوامل المؤثرة علي كفاءة الاستثمارات في مصر وحصرتها في العائد الذي يمكن الحصول عليه من الاستثمار والتكلفة والمخاطر التي يتحملها المستثمر والتوقعات المستقبلية بشأن الحالة الاقتصادية في المجتمع والتي ثؤثر علي ربحية الاستثمار.