الطريق لتحقيق أهداف الثورة تكاد تتفق الأحزاب والقوي السياسية والحركات الاحتجاجية الطامحة لانتقال مصر من دولة استبدادية شبه دينية إلي دولة مدنية ديمقراطية حديثة، علي أن هناك ثلاثة استحقاقات مترابطة في الوقت الحاضر يتوقف علي إنجازها تحقيق هذا الانتقال. أول هذه الاستحقاقات هو إجراء انتخابات رئاسة الجمهورية في موعدها (23 و24 مايو 2012.. والإعادة في يونيو)، أي بعد أسبوعين، وأن تتم هذه الانتخابات في حرية ونزاهة وتسفر عن فوز أحد المرشحين المدافعين عن مدنية الدولة كأحد أهم وأبرز الأهداف التي طرحتها ثورة 25 يناير، وطبقا لبعض المؤشرات التي تؤكد تراجع التأييد لجماعة الإخوان المسلمين وحزبها «الحرية والعدالة» وتيار الإسلام السياسي عامة والذي قادهم للحصول علي الأكثرية في انتخابات مجلسي الشعب والشوري. الاستحقاق الثاني يتمثل في التوصل لحل حقيقي لقضية تشكيل «الجمعية التأسيسية» التي ستتولي صياغة الدستور، لقد وقع المجلس الأعلي للقوات المسلحة من خلال مستشاريه وتحالفه بعد 11 فبراير 2011 مع الإخوان المسلمين في خطيئة تكليف السلطة التشريعية بتشكيل «الجمعية التأسيسية» وبالتالي الهيمنة علي صياغة الدستور، سواء في التعديلات الدستورية التي طرحت للاستفتاء في 19 مارس 2011 (المادتان 189 فقرة أخيرة مضافة والمادة 189 مكرر أ)، أو في الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس 2011 (المادة 60)، وهو الأمر الذي يتعارض مع مبادئ الفقه الدستوري ومع أحكام المحكمة الدستورية العليا المصرية التي أرست منذ عام 1994 مبدأ مهما وهو عدم جواز أن تتولي أي من السلطات الثلاث «التشريعية - التنفيذية - القضائية» صياغة الدستور، وجاء تشكيل الجمعية التأسيسية معيبا حيث سيطرت السلطة التشريعية «الشعب والشوري» علي أغلبية الجمعية، وهيمن تيار الإسلام السياسي «الأكثرية في عضوية مجلسي الشعب والشوري» ممثلا في حزب الحرية والعدالة وحزب النور وحلفائهما علي الجمعية التأسيسية، وجاء اللجوء لمحكمة القضاء الإداري ليوقف سريان هذه الخطيئة ويبطل قرار تشكيل «الجمعية التأسيسية»، ورغم توافق الأحزاب السياسية بمن فيها حزب الحرية والعدالة علي مبادئ جديدة لتشكيل الجمعية التأسيسية من خارج مجلسي الشعب والشوري - وإن شابها توزيع المقاعد المخصصة للأحزاب السياسية بمنطق الأغلبية والأقلية ونسب تمثيل الأحزاب في مجلسي الشعب والشوري وليس بمنطق التوافق والتمثيل المتساوي - فقد رفضت اللجنة التشريعية التي يتحكم فيها حزب الحرية والعدالة وحلفاؤه هذا التوافق الذي تحقق برعاية المجلس الأعلي للقوات المسلحة، وهو ما أدي إلي عدم تشكيل «الجمعية التأسيسية» حتي الآن. الاستحقاق الثالث هو إنهاء الفترة الانتقالية في موعدها أي بحد أقصي 30 يونيو 2012 وتسليم المجلس الأعلي للقوات المسلحة ما بقي من سلطاته إلي رئيس الجمهورية المنتخب، مع الاستجابة لمطلب القوي الديمقراطية بإصدار تعديل للإعلان الدستوري أو إعلان دستوري مكمل يحدد سلطات رئيس الجمهورية الواردة في الإعلان الدستوري، وهي السلطات التي سيمارسها رئيس الجمهورية المنتخب لحين إصدار الدستور الجديد، فالسلطات المنصوص عليها في الإعلان الدستوري سلطات مطلقة لا تنقص عن السلطات التي تمتع بها السادات ومبارك في ظل دستور 1971 إلا قليلا، وهي كفيلة بتحويل أي شخص يتم انتخابه إلي ديكتاتور جديد. ومن الواضح أن جماعة الإخوان المسلمين والقوي الرافضة لتحول مصر إلي دولة مدنية ديمقراطية حديثة وبعض القوي الفوضوية أو التي تفهم الثورية في الهجوم ليل نهار علي «حكم العسكر» وافتعال الصدام مع المجلس الأعلي للقوات المسلحة، تسعي لتعطيل تنفيذ هذه الاستحقاقات بوعي أو بدون وعي، وما جريمة العباسية وتفجر العنف وسقوط الشهداء إلا نموذج لما يمكن أن يتكرر خلال الأيام القادمة، ويقود البلاد إلي طريق مسدود ومستقبل مظلم، وهو ما يجب منعه بأي ثمن، وهذه هي مسئولية كل الأحزاب والقوي والحركات التي تؤمن بثورة 25 يناير وتنحاز للشعب.