دستور «الأغلبية» تنفيذا للمادة (60) من الإعلان الدستوري الذي أصدره المجلس الأعلي للقوات المسلحة في 30 مارس 2011 عقد الاجتماع المشترك للأعضاء غير المعينين «المنتخبين» لمجلسي الشعب والشوري يوم السبت الماضي لإقرار القواعد التي سيتم علي أساسها انتخاب المجلسين في اجتماع مشترك يوم السبت الماضي القادم (24 مارس) لأعضاء الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور الجديد «مائة عضو»، وصوّت الاجتماع المشترك بأغلبية 472 صوتا من 585 صوتا صحيحا (5 أصوات باطلة و113 معترضا) علي تشكيل الجمعية التأسيسية بنسبة 50% من داخل مجلسي الشعب والشوري و50% من خارج السلطة التشريعية. وتولي مجلسا الشعب والشوري انتخاب «الجمعية التأسيسية» التي ستتولي صياغة الدستور، وتخصيص 50% من عضويتها لأعضاء المجلسين، خطيئة أخري تقطع باستحالة تحقيق هدف ثورة 25 يناير بتحول مصر من الاستبداد إلي الديمقراطية ومن دولة شبه دينية إلي دولة مدنية، وتضاف إلي سلسلة الخطايا والأخطاء والقرارات المتعمدة للحفاظ علي النظام القديم القائم في مصر منذ دستور 1971، والتي بدأت بتشكيل لجنة لتعديل دستور 1971 الذي تم إسقاطه في 11 فبراير 2011 بتولي المجلس الأعلي للقوات المسلحة السلطتين التنفيذية والتشريعة وإدارة البلاد، والاستفتاء علي هذه التعديلات في 19 مارس 2011، ثم إلغاء دستور 1971 وتعديلاته التي تم إقرارها في الاستفتاء وإصدار إعلان دستور بديل للدستور في 30 مارس 2011، وإصرار المجلس الأعلي للقوات المسلحة علي إجراء انتخابات مجلسي الشعب والشوري قبل صياغة وإصدار الدستور الجديد الذي يحدد صلاحيات السلطات المختلفة «التشريعية والتنفيذية والقضائية» والعلاقة بينها، وتحديه لكل الأحزاب والقوي السياسية بإصدار قانون لانتخابات مجلس الشعب يجمع بين نظام القائمة الحزبية المشروطة ونظام الدوائر الفردية، ومطعون في دستوريته لتمييزه للمنتمين للأحزاب السياسية علي حساب غير المنتمين للأحزاب «المستقلين» - الطعن منظور أمام المحكمة الدستورية بناء علي حكم من محكمة القضاء الإداري - والمرجح أن تصدر المحكمة الدستورية العليا عند تصديها للنظر في الطعن حكمها بقبول الطعن وبالتالي بطلان انتخاب مجلسي الشعب والشوري الحاليين طبقا لحكم سابق عام 1991 تناول مثل هذا التمييز في القانون الذي تم علي أساسه انتخابات مجلس الشعب عام 1987.. إلي آخر ممارسات المجلس الأعلي للقوات المسلحة والتي حافظت علي جوهر السياسات الاقتصادية والاجتماعية الممارسة في مصر منذ عام 1974 في ظل السادات ومبارك، إضافة إلي الانفلات الأمني وبروز ظاهرة العنف وتعقد الأزمة الاقتصادية الاجتماعية.. إلخ. والاعتراض علي هذا القرار الخاطئ من مجلسي الشعب والشوري يستند إلي مجموعة من الأسباب لا يمكن دحضها. فمن غير المقبول أن يتم صياغة الدستور - أي دستور - بمنطق الأغلبية والأقلية، فالدساتير لابد أن تكون محل توافق لجميع أطياف المجتمع السياسية والحزبية والاجتماعية والطبقية والمناطقية والجبلية، باعتبار الدستور الوثيقة الحاكمة للعلاقات بين السلطات وبين الحكام والمحكومين لسنوات وعقود، تتغير خلالها الأغلبية والأقلية عدة مرات، فالأغلبية اليوم قد تصبح أقلية غدا أو بعد عام أو خمسة أعوام. لا يستقيم أن تقوم إحدي السلطات مباشرة أو عبر انفرادها باختيار «الجمعية التأسيسية» لصياغة الدستور، بكتابة مواد الدستور وتوزيع السلطات داخله والعلاقات مع السلطات الأخري، فكما قال أحد كبار فقهاء الدستور في مصر لا يمكن أن يقوم المخلوق «مجلسي الشعب والشوري» بإيجاد الخالق «الدستور» فهو قلب للأمور. من الواضح أن تشكيل «الجمعية التأسيسية» طبقا لقرار مجلسي الشعب والشوري يوم السبت الماضي، حيث ستنفرد الأغلبية «حزبا الحرية والعدالة والنور وخلفاؤهما» بتحديد اسماء أعضائها سواء الخمسون عضوا من أعضاء المجلسين أو الخمسون الآخرون من الشخصيات العامة وممثلي «المؤسسات والجهات ومؤسسات المجتمع المدني»، ستكون ممثلة لتيار الإسلام السياسي «الأغلبية الحالية في السلطة التشريعية» وسيتم بالتالي - كما يعلنون - صياغة دستور «إسلامي»، وليس دستورا توافقيا كما ينبغي أن يكون، ولا يمكن الاعتداد بتصريحات قادة حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين حول ضرورة صياغة الدستور بالتوافق، فلا يوجد في العمل السياسي اعتماد علي حسن النوايا، خاصة وممارسات «الأغلبية» الممثلة في حزب الحرية منذ فوزهم في انتخابات مجلس الشعب تؤكد أنهم يتصرفون بمنطق الغلبة وتسيرهم حالة من الاستعلاء والغرور. ولا يمكن الرهان علي الاستفتاء علي الدستور بعد صياغته في تصحيح الوضع في حالة صياغته بمنطق الأغلبية.. فالاستفتاء كآلية ديمقراطية يتطلب أن يكون المطروح سؤالا بسيطا - غير مرتب - يمكن الإجابة عليه بنعم أو لا، وهو ما لا يمكن تحقيقه بالنسبة لدستور مكون من عشرات المواد. ويتحمل المجلس الأعلي للقوات المسلحة المسئولية عن هذا المأزق الخطير الذي يعرض الوطن ومستقبله للخطر، وعليه أن يبحث عن حل للخروج من هذه الكارثة. وعلي الأحزاب والقوي السياسية المدافعة عن الدول المدنية الديمقراطية الحديثة أن توحد جهودها وتستخدم كل الأساليب الديمقراطية للضغط علي المجلس الأعلي للقوات المسلحة ومجلسي «الإسلام السياسي» للوصول إلي حل حقيقي للأزمة.