المسافة من الزقازيق (البداية) إلي القاهرة (الحلم والنهاية) ليست كبيرة، لكنها كافية ومحتملة لإعمال العقل وتطويعه لخيال خصب وأحلام عفية وممتدة، تكفي لكي يحلق المرء إلي عنان السماء يلتقط النجوم ويحاكيها، يخبرها عن طموح مدفون في قاع الذاكرة00 تري ماذا دار بمخيلته عندما قطع هذا المشوار متوجها إلي معهد التمثيل؟، هل استوعب الطريق أمنياته العالقة والمكبوتة؟ أم كان القدر يخبئ له مشاهد أكثر روعة من تلك التي نسجها خياله حينها! ربما صادفته أفيشات علي الطريق تحمل صورا وعناوين وأخبارا وحكايات، حاول النفاذ إليها ولو علي سبيل الحلم، وربما لم يستطع أن يتجاوز كل هذا الكم من الصراع الذي كان يفور داخله، والأغلب أنه استسلم لغفوة، في محاولة يائسة للهروب0 عاش حالات شخوصه باندماج وانصهار، اقتبسها ليجسدها، وسكن في تفاصيلها الكبيرة والصغيرة، كان معينه الصدق، حمل وهجاً لم ينطفيء ولازال، ملأ سينما السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات بأعمال تحمل قيمة، وعلي رغم تنوعها وثرائها، لكنه في كل عمل كان حالة مستقلة ومتفردة، لعب أدواره بكل حواسه وخلجاته، يديه، عينيه، شفتيه، ردود أفعاله السريعة والبطيئة، عصبيته، هدوئه، لحظات تأمله وكبته، فرحه، حزنه وابدع حتي بلغ القمة، لن ينتهي الكلام عن أحمد زكي، فرغم أنه كان يملك كل مقومات المحترف، ظل حتي آخر أيامه «يفن» كهاو لم تبهره الشهرة وظل يبحث عن الجديد ليقدمه، فتوالت اندهاشاتنا المستمرة، وتوالت ابداعاته. امتلك جهازا انفعاليا علي درجة عالية من الحساسية، إن أحمد زكي الظاهرة مازال في حاجة إلي دراسات كثيرة لتحل لنا تلك المعادلة المستعصي فهمها، والتي تزداد تعقيداتها عند كل دور جديد، فعبقريته الأدائية وموهبته المتشعبة وحضوره الطاغي الملهم مازال يلفها الغموض0 وفي ذكراه السابعة نشتاق إليه وعندما نري أعماله الفنية نشعر بأن مهنة التمثيل خسرت برحيله خسارة كبيرة، ونحاول نخرج من اطار المنطق ونردد سرا ماذا كان يحدث لو كان العمر امتد به سبع سنوات أخري، وما الأدوار التي كان سيدهشنا بها.