عقد المجلس الأعلي للثقافة «لجنة الفلسفة» أولي جلساتها الثقافية عن العلمانية في حضور عدد كبير من أساتذة الفلسفة والدارسين والمهتمين، أدار الندوة د. مصطفي النشار وحاضر فيها كل من د. صلاح قنصوة، د. حسن حنفي، د. أنور مغيث في حضور د. سعيد توفيق أمين عام المجلس الأعلي للثقافة والذي افتتح الندوة بكلمة عن العلمانية والتصور الخاطئ لها ومساوتها بالكفر والإلحاد رغم احتواء أحد أحاديث الرسول - صلي الله عليه وسلم - عن إحدي القضايا الأساسية للعلمانية وهي «النسبية» حينما قال «أنتم أعلم بشئون دنياكم»، ولهذا رأي د. سعيد حاجتنا لدور تنويري في طرح المفاهيم في حياتنا الراهنة. أكد بداية د. مصطفي النشار أن الخطأ في نطق الكلمة يعي بعدم الدراية بما اشتقت فهي بفتح العين ترتد إلي «العالم» بمعني كل ما هو دنيوي أو أرضي وفصل كل ما هو دنيوي وأرضي عن ما هو ديني. وفي كلمة د. حسن حنفي أستاذ التاريخ بجامعة القاهرة والذي رأي أن المصطلحات التي ليس لها موروث لغوي شعبي لا يمكننا التواصل معها ففي حين يساوي البعض بين العلمانية والإلحاد والكفر يتم استخدام مصطلحات أخري قريبة منها هي العقل، العلم، التقدم ولا يعترض عليها أحد، والعلمانية لها مصطلح يتناوله النخبة فيما تطرق حنفي إلي الكلمة نفسها وقال إنها تحويل لرمز لاتيني "sculmس أي العصر أو العالم وارتأي إمكانية استبدالها بمصطلحات غير وافرة مثل الاجتهاد، الإصلاح وأكد أن الإسلام دين علماني لأن الاجتهاد مصدر من مصادر التشريع مستشهدا بحديث الرسول محمد - صلي الله عليه وسلم - «يبعث للأمة كل ألف سنة من يجدد لها دينها» بجانب أن الشهادة إعلان بالتحرر يبدأ بالنفي «لا إله إلا الله» وبذلك يمكننا غرز العلمانية في ثقافتنا الموروثة. فالعلمانية في رأيه ضد العقائد التي تتنافي مع العقل، والإسلام ليس فيه ما يتنافي مع العقل. ودعا د. حسن حنفي لخطاب ثالث يستخدم الألفاظ الموروثة لتقريب الفكرة والمصطلح للشارع ولتجدي معانيها وتقليل المسافة الشاسعة بين خطاب النخبة والشارع. وبدأ د. صلاح قنصوة أستاذ الفلسفة كلامه بما حدث في عهد الملك فاروق وموقف النحاس باشا عند تنصيب فاروق خليفة للمسلمين وعندما زار أيضا «نهرو» زعيم الهند مصر وسأل النحاس عن طبيعة الدولة فأجابه «علمانية» ونشر الحديث في الصحف ولم يعلق أحد ويرفض، واستشهد قنصوة بالآية القرآنية القائلة «ولقد جئتمونا فرادي كما خلقناكم أول مرة» وهي ما تعني المسئولية الفردية في الإسلام، أما أصل الكلمة كما يقول د. قنصوة فهي سريانية بمعني «عالمانية» أي الشعب وهي كلمة أقرب في تفسيرها للاستخدام الشعبي «العالم» وهي التي تشير في الثقافة الشعبية إلي «الناس الكثيرة»، أيضا يوجد في المسيحية العلمانيون وتعني ليس لهم علاقة بالدين، أي الفصل بين السلطة الزمنية والسلطة المقدسة. وتحدث د. أنور مغيث أستاذ الفلسفة عن الأسس المعرفية للعلمانية في صورتها الفكرية والفلسفية، فجاء في الثقافة العربية المعاصرة أن موقف الإسلام من العلمانية يتصل بروايتين إحداهما تقول إن الإسلام دين علماني فليس فيه رجال دين ولا يتحكم فيه رجال الدين عكس المسيحية. والرواية الثانية أن المسيح قال «اعطي مال الله لله ومال قيصر لقيصر» وبذلك فهو فصل الحياة الدنيا والحياة الآخرة أما الإسلام فقد جعل كل المال لله ولم يترك مجالا لقيصر وبذلك المسيحية دين علماني والإسلام دين غير علماني. ووفقا لهذا يري د. مغيث أن الثقافة الكونية بحد ذاتها مسار تحول كوني، ولأن الحقيقة في العصور الوسطي كانت مرتبطة بالكتاب المقدس «التوراة، القرآن، الإنجيل» كانت محصورة أما الآن فعلينا البحث عنها خارج الكتب الدينية، وربط هذا الحديث أيضا عن علاقة العلمانية بالقانون «الوضعي» الذي يحتاج الإلزام ومرونة في الوقت نفسه فالقوانين يصيغها «ممثلو الشعب» وليست السماء وافتراض الديمقراطية يقتضي أن تكون القوانين «وضعية». وتطرق د. أنور مغيث إلي معني العلمانية «فصل الدين عن الدولة» فهي كلمة تختص بوظيفة الدولة فقط وتبقي حرية المواطن كما هي فهي تعني حماية المواطنين من تسلط رجال الدين وتسمح للجميع بممارسة حريته كما يراها، وأضاف مغيث أن رواد النهضة المصرية هم من أدخلوا كلمة «علمانية» للثقافة. بينما جاءت مداخلة د. كمال مغيث أستاذ التربية مؤكدة أن كل ما دخل العالم الإسلامي جديد دخل في صراع وكانت هناك الكثير من الخلافات حتي يتم هضمه وأن العالم يعيش بجناحي «الثقافة والقانون». ورأي د. محمد السكران أستاذ التربية أن وصف الإسلام بالعلماني يجعل البعض يفسره تفسيرا خاطئا مؤكدا أن مجتمعنا يعاني من الفقر والجهل في حين تظل النخبة المثقفة بمفردها لذا نحن نحتاج لثقافة جديدة ولغة مناسبة للتصالح مع الشارع. واختتم د. حسن حنفي الندوة مؤكدا أن الخلاف الأساسي هو «رجل الدين» جوهر القضية لأن الثقافة الشعبية تعتبره السلطة ويمثل علي الناس هذه السلطة فيما رأي د. أنور مغيث أن الدولة تستخدم الدين لتبرير تصرفاتها وتفقد المواطن حريته ولهذا تحارب العلمانية أحيانا.