عرفته في مقتبل العمر.. زميلا في سلاح الفرسان وكان بالفعل فارسا من طراز فريد يعشق الفن والموسيقي ويؤدي دوره العسكري علي أكمل وجه.. أدواره في الإعداد لثورة يوليو 1952 لا تنسي إطلاقا ولا تمحي من الذاكرة. أتذكر قبل تشكيل تنظيم الضباط الأحرار عندما تم ضبط كتاب عن تصنيع القنابل اليدوية مع الضابط إبراهيم عبدالهادي وجن جنونهم واستدعاه حينذاك رئيس أركان الجيش المصري عثمان المهدي وأخذ يهدده كما هدد العديد من الضباط لأنهم غافلون و«مش واخدين بالهم». وفي هذه اللحظة، كان لابد أن يفكر الضباط في تنظيم أنفسهم وبدأت الانطلاقة الأولي نحو تشكيل تنظيم الضباط الأحرار، وطلب جمال عبدالناصر من ثروت عكاشة أن يبلغني بضرورة الذهاب إليه لأمر مهم.. وكانت هذه أول مهمة يقوم بها الراحل العزيز في إطار استعدادنا لتشكيل التنظيم.. واستمر دوره الرئيسي في حركة الضباط الأحرار ولعل كثيرين لا يعرفون أن ثروت عكاشة هو الذي تولي تجنيد زميلنا الراحل حسين الشافعي ليصبح عضوا في قيادة التنظيم ثم في مجلس قيادة الثورة. وبعدما نجحت ثورة يوليو بفضل التأييد الشعبي لها، وجد ثروت عكاشة ضالته في ممارسة عشقه وحبه للآداب والفنون وكانت أول مسئولية يتولاها هي رئاسة تحرير مجلة «التحرير» لسان حال الثورة آنذاك ثم توالت أدواره المشهودة في تاريخ الثقافة المصرية عندما تولي أمر وزارة الثقافة وأنجز الكثير من الأعمال التي تمثل البنية الأساسية للثقافة المصرية ولعل أهمها هيئة قصور الثقافة التي عمل علي نشرها في كل ربوع مصر وبدأها من خلال تحويل قصور عديدة للإقطاعيين لتصبح قصورا للثقافة يرتادها المبدعون والمواطنون وعشاق الفنون بكل ألوانها. إن د. ثروت عكاشة علامة بارزة في تاريخ الوطن ولا أنسي له دوره ليلة الثورة فلقد كان رئيس أركان حرب سلاح الفرسان وتولي أيضا مسئولية أركان حرب الحركة ليلة 23 يوليو 1952. لقد كان د. ثروت عكاشة نموذجا حيا وصادقا لإمكانية الجمع بين «الثقافة والعسكرية» ليقدم دليلا ناصعا عن القدرة علي الدفاع عن تراث مصر الثقافي والفني والفكري دون التخلي عن الروح العسكرية بما تفرضه من التزام وجدية وعشق للوطن والشعب. رحم الله الفقيد العزيز وعوض الوطن عنه وخالص عزائي لجميع الزملاء ولأسرته الكريمة وأخص بالذكر منها الأستاذ الدكتور أحمد عكاشة ، داعيا المولي أن يسكن الفقيد الغالي جنات الخلد ويتغمده بواسع رحمته.