صحيفة «الوفد» 2012 تگذب صحف حزب الوفد 1946! «بطلوا ده واسمعوا ده»! آخر ما تفتق عنه ذهن لميس جابر إهالة التراب علي صفحة من أنصع صفحات التاريخ المصري يوم خرج طلاب مصر في فبراير 1946 حتي إنها تقول إن ما يقال لم يحدث وتتهم كل اساتذة التاريخ وأهل العلم والسياسة بالجهل! هل تصدق أن المستشار طارق البشري جاهل ود.عاصم الدسوقي جاهل وكل الذين كتبوا في هذه القضية جهلة لأن العلم عند لميس جابر وحدها! العالم كله يحتفل بيوم الطالب العالمي تكريما لما حدث في مصر وما حدث- آنذاك- في الهند من مظاهرات حاشدة تأييدا لطلاب مصر فسقط شهداء وجرحي في البلدين.. ولكن الخبيرة العالمية لميس جابر تري غير ذلك.. دون أي اعتبار للعقل والتاريخ والمنطق والجغرافيا أيضا.. «الأهالي» تنشر ما قالته لميس وتنشر أيضا حقائق التاريخ ردا علي ما تدعيه. تحت عنوان «أكذوبة مذبحة كوبري عباس» نشرت صحيفة الوفد يوم الجمعة الماضي (24 فبراير) مقالا ل «د. لميس جابر» تنكر فيه واقعة فتح كوبري عباس أثناء عبور طلاب جامعة القاهرة المشاركين في تظاهرة ضخمة ضد الاحتلال البريطاني وللمطالبة بالجلاء يوم 9 فبراير 1946 وسقوط عدد كبير من الضحايا، وتتهم كل الذين يكتبون عن مذبحة كوبري عباس وعن يوم الطالب العالمي (21 فبراير) المرتبط بأحداث فبراير 1946 بالجهل بالتاريخ وتسخر منهم قائلة «وللمرة - لا أعرف الكام - في شهر فبراير يصمم أصحاب الأقلام والصحف علي أن فبراير هو شهر مذبحة كوبري عباس عام 1946 وأنه يوافق يوم الطالب الشهيد ويكتب كل عام مثل هذا العام»، وتقدم لقراء صحيفة الوفد رواية لما حدث يومي 9 و10 فبراير 1946 - دون تحديد المصدر الذي استندت إليه في هذه الرواية - تقول: «أحداث فبراير 1946 بالتحديد (9-11) فبراير كانت بسبب المطالبة بالجلاء بعد وضوح سوء نية الإنجليز وعدم رغبتهم في الجلاء عن مصر.. وخرجت المظاهرات يوم 9 فبراير من جامعة القاهرة قاصدة قصر عابدين وكان الطلبة يهتفون بالجلاء.. وعندما وصلوا إلي كوبري عباس كان مفتوحا بالفعل لمرور المراكب فنزل بعض طلبة كلية الهندسة إلي أسفل الكوبري وأغلقوه حتي يعبر الطلبة إلي البر الشرقي للنيل فاصطدموا بقوات البوليس التي حاولت صدهم عن التقدم وضربوهم بالعصي الغليظة وأصيب 84 طالبا نقل أغلبهم إلي قصر العيني ولكن لم يمت أحد منهم». عودة للتاريخ وبحثا عن الحقيقة وعملا بنصيحتها بأن «العودة لكتب التاريخ ليست بالعسيرة ولن تستغرق سوي دقائق معدودة» فقد عادت «الأهالي» لأهم كتاب يؤرخ ويحلل لهذه الفترة وهو كتاب «الحركة السياسية في مصر 1945 - 1952» للقاضي الجليل طارق البشري.. يقول الكتاب في صفحة 89 (الطبعة الثانية - دار الشروق - 1983).. «استمرار المد الشعبي في طريقه وتزايدت المظاهرات والاضطرابات حتي كان يوم 9 فبراير يوم انعقاد المؤتمرات التي دعت لها اللجنة التنفيذية العليا للطلبة». انعقد المؤتمر العام في الجامعة في الجيزة اجتماعا شارك فيه الكثيرون من طلبة المعاهد والمدارس وعم الاجتماع شعور بالوحدة وأعلن المؤتمر اعتبار المفاوضة عملا من أعمال الخيانة يجب وقفه وطالب بإلغاء معاهدة 1936 واتفاقيتي 1899 الخاصتين بالسودان وضرورة جلاء القوات البريطانية فورا، بعد هذا خرجت من الجامعة أضخم مظاهرة عرفت منذ قيام الحرب العالمية الثانية تمثلت فيها الوحدة الوطنية والاتفاق الاجماعي علي المحافظة علي النظام، فعبرت شارع الجامعة ثم ميدان الجيزة إلي كوبري عباس، وما أن توسطته حتي حاصرها البوليس من الجانبين وفتح الكوبري وبدأ الاعتداء علي الطلبة فسقط البعض في النيل وجرح أكثر من مائتي فرد، وقدرت صحيفة الوفد المصري الإصابات يومها بستين بين الطلبة وثلاثين من البوليس كما اعتقل 150 متظاهرا، وقدرتها صحيفة المصري بمائة أصيبوا من المتظاهرين وثلاثين من البوليس، وفي ذات اليوم حدثت مظاهرة المنصورة أصيب فيها 7 شبان و3 جنود واعتقل 4 كما اعتقل لفيف من الشبان في أسوان، وفي 11 فبراير صادرت الحكومة الكثير من الصحف التي كانت تنشر أخبار المظاهرات وحوادث الاشتباك مع البوليس إذ عمت المظاهرات القاهرة والأقاليم في اليوم التالي لحادث الكوبري وإذ امتلأت الصحف بالاحتجاجات التي أذاعتها الهيئات المختلفة تعليقا علي الحادث ومنها اتحاد الأزهر وكلية أصول الدين واتحاد خريجي الجامعة ولجان الوفد بالأقاليم ومصر الفتاة والفجر الجديد.. إلخ. في 12 فبراير قامت جنازة صامتة علي روح الشهداء وأقام طلبة الأزهر صلاة الغائب عليهم وقامت اشتباكات بين الشباب والبوليس وأمام كلية الطب لفض مؤتمر عقده الطلبة بالكلية. الأسباب قائمة ويمضي الكتاب (صفحة 100 وما بعدها) فيقول: ومع مجيء صدقي أصدرت لجنة الطلبة التنفيذية بيانا «أن الأسباب التي من أجلها بدأنا جهادنا لا تزال قائمة وهي أن تكون المفاوضة علي أساس إصدار بيان رسمي من الجانب الإنجليزي يعترف بحقنا الطبيعي في الجلاء التام ووحدة وادي النيل.. أن جهادنا ودماءنا التي قدمناها للوطن لم تكن لإسقاط حكومة ولا لقيام أخري وإنما للغرض الأسمي الذي وطدنا عليه العزم وهو الجلاء التام ووحدة وادي النيل» وأعلن اتحاد الجامعة الأزهرية «أننا بصدد محنة شديدة والمحنة اختبار ولن يرهبنا سيف ولا نار.. أصبحت البلاد مهددة بحكم وزارة لها في التاريخ صفحة سوداء» ونادت رابطة الشباب الوفدي شباب مصر بالاستمرار في الجهاد، واستمرت المظاهرات من الشباب والأهالي تطوف أحياء القاهرة وشوارعها وتقوم في الأقاليم وتنادي بالجلاء أو الثورة، وفي 18 فبراير تجمع بميدان عابدين نحو 40 ألف متظاهر كما تجمع نحو 15 ألفا بفناء الجامعة بالجيزة ووزعت عليهم منشورات تهاجم الاستعمار البريطاني والرأسماليين المصريين، كما تجمع مئات من العمال في الموسكي وبولاق وغيرهما يهتفون أيضا بالجلاء أو الثورة، واستمر الأمر كذلك حتي كان يوم 21 فبراير. اللجنة الوطنية كانت تكونت اللجان الوطنية للطلبة، ومن ممثلي هذه اللجان وجدت لجنة الطلبة التنفيذية التي شكلت علي أساس من التجمع الوطني، وبالمثل كان العمال يكونون اللجان الوطنية في المصانع ومن هذه اللجان تكونت لجنة وطنية عامة للعمال في شبرا الخيمة، ومع أحداث فبراير التقي مندوبو العمال والطلبة وعقدوا عدة اجتماعات أسفرت عن تكوين «اللجنة الوطنية للعمال والطلبة» كتشكيل فرضته المعركة ليوجه الكفاح ضد الاستعمار وأعوانه في الداخل وضد المفاوضات والأحلاف، وأصدرت اللجنة بيانا ورد به أن نقابات العمال بالقطر المصري وطلبة الجامعات المصرية والأزهر والمعاهد العليا والمدارس الخصوصية والثانوية قررت جميعا أن يكون يوم الخميس 21 فبراير 1946 يوم الجلاء ويوم الإضراب العام لجميع هيئات الشعب وطوائفه «واستئناف للحركة المقدسة التي تشترك فيها كل عناصر الشعب المصري متكتلة حول حقها في الاستقلال التام والحرية الشاملة».. ونادت بأن تتعطل المرافق العامة ووسائل النقل والمحلات العامة والتجارية ومعاهد العلم والمصانع في جميع أنحاء القطر. وفي اليوم المحدد انتشر مندوبو اللجنة في كل مكان لتنظيم الإضراب والمظاهرات، وتوقف عمال المواصلات عن العمل وتجمعوا في المخازن والورش بالجيزة وشبرا والعباسية وتحركوا في مظاهرة كبيرة كانت الجماهير تنضم إليها تباعا، وأقبل عمال شبرا الخيمة إلي القاهرة وتظاهر عمال نقابة السكك الحديدية وورش أبوزعبل وعمال الأدوات الصحية وعمال النجارة.. إلخ وتوقفت جميع المصانع والمحال التجارية والمدارس والكليات، وقامت مظاهرة كبيرة من الأزهر اشترك فيها حزب مصر الفتاة وانضمت إلي الأخريات، وتجمعت المظاهرات في ميدان الأوبرا حيث عقد مؤتمر وطني عام قرر مقاطعة المفاوضات وأساليب المساومة والتمسك بالجلاء عن وادي النيل وإلغاء معاهدة 36 واتفاقيتي 1899 «الخاصتين بالسودان» وعرض القضية علي مجلس الأمن، بعد هذا تحركت المظاهرات إلي ميدان قصر النيل «التحرير» حيث الثكنات البريطانية واتجه قسم منها إلي ساحة عابدين حيث القصر الملكي، كانت المظاهرات تسير بانتظام حريصة علي الأمن ووقف منظموها محاولين منع أي عنصر من القيام بالتخريب، ثم ظهرت سيارات مسلحة للجيش البريطاني في ميدان قصر النيل واخترقت الجموع فجأة ودهمتهم فألقي المتظاهرون الحجارة علي الثكنات، فرد الإنجليز بإطلاق المدافع الرشاشة فأشعل المتظاهرون النار في قشلاق للإنجليز كان يقوم في مواجهة الجامعة الأمريكية بالميدان، وثارت الأعصاب واعتدي علي بعض المحال الأجنبية وعلي معسكر للجنود الأفريقيين يقوم خلف المحكمة المختلطة «دار القضاء العالي» وعلي مخزن أدوية الجيش البريطاني ونادي الطيران الإنجليزي وعلي خمس من سيارات القوات الهندية، وظلت الجماهير هائجة صاخبة إلي قرب منتصف الليل وقصدت بعض المظاهرات إلي ميدان عابدين تلوح بالمناديل المخضبة بدماء القتلي والجرحي، وانتشرت المظاهرات في الأحياء المختلفة بالجيزة وشبرا وباب الشعرية والقبة ومصر الجديدة والعباسية وحلوان وغيرها، وعمت المظاهرات في المدن الأخري إذ خرجت الجماهير في بورسعيد يقودها عمال شركة القنال والشركات الأجنبية وطلبة المدارس، وفي الإسكندرية قامت مظاهرات العمال من المصانع والتقت بالطلبة في ميدان سعد زغلول وجذبت إليها الفئات الأخري واستمرت إلي وقت متأخر كما قامت في الإسماعيلية والزقازيق والمنصورة ودكرنس والمحلة الكبري وطنطا وكفر الشيخ ومنيا القمح وزفتا والمنزلة وقويسنا والسنبلاوين.. إلخ.. وأسفرت الحوادث عن مقتل 20 وإصابة 150 علي ما قدرتهم صحيفة المصري (13 في صحيفة الوفد المصري)، ووصفت الفجر الجديد المظاهرات بأنها أضخم ما عرفته مصر منها منذ 1919. عناصر «مندسة»! في المساء أذاع رئيس الوزراء بيانا «.. إن المظاهرات التي قامت صباح اليوم قد تحولت بفعل الأيدي التي لم تعد خافية واندساس عناصر الدهماء في صفوف الطلبة الأبرياء ولسبب سوء تصرف لم يحن الوقت بعد للكشف عنه..» وركز صدقي في هذه العبارة خطته وهي التفرقة بين القوتين المتجمعتين للعمال والطلبة مع محاولة جذب الطلبة أو عزلهم عما يزمع من ضرب تحرك العمال وإثارة الشبهات أو خلقها حولهم، وأن ثمة أيد خفية تثير الشغب ليوجد مبررا معنويا لاستخدام العنف والشدة، وكانت إشارته إلي سوء التصرف الذي لم يحن الوقت للكشف عنه تلويحا يحاول أن يبديه للإنجليز عن التصرف الاستفزازي للسيارات البريطانية ليسقط مسئوليته عن الحوادث تجاههم، وألقي القبض علي بعض الكتاب والصحفيين وأصدر قرارا بمنع المظاهرات. وأثار البيان ثائرة الجماهير وخاصة المثقفين والطلبة وهاجموا صدقي في وصفه العمال بالدهماء، كتبت الوفد المصري أن ليس الوطن ملكا لصدقي «ولكنه وطننا نحن ووطن الدهماء» وهاجمت صحيفة البلاغ المليونير الرأسمالي الذي لا يري للدهماء حقا في وطنهم أو صوتا، وأصدر الوفد بيانا يندد فيه بمسلك الحكومة، وهتف الطلبة في اليوم التالي أمام وزير المعارف لما واجههم «يحيا الطلبة مع العمال» مؤكدين ولاءهم للطبقات الشعبية، وأمطرت الوزارة ببرقيات وبيانات الاحتجاج علي الحوادث وعلي بيان رئيس الحكومة، وقررت لجنة الطلبة التنفيذية استنكار بيان صدقي ومحاولته تفريق عناصر الأمة ووصفه العمال - العمود الفقري للقوي الشعبية - بالدهماء كما قررت عقد مؤتمرات دورية في المدارس والمعاهد لتتبع الموقف، وتواصل عقد المؤتمرات للطلبة والشباب وغيرهما وسارت المظاهرات في الأيام التالية بالقاهرة والاسكندرية وفي أسيوط ودمياط وبنها وغيرها في مدن الأقاليم. ثم حددت لجنة الطلبة التنفيذية يوم الاثنين 25 فبراير ليكون يوم حدادا عاما. فصدرت كثير من الصحف مؤطرة بالسواد تحمل المقالات الاثارية وأضرب المحامون عن العمل في اليوم التالي، ثم عقدت لجنة الطلبة مؤتمرا عام في 26 فبراير قررت فيه عقد مؤتمرات محلية في كل معهد دراسي في اليومين التاليين، وفي ذات اليوم أصدرت اللجنة للعمال والطلبة بيانا نبهت فيه إلي أن وجود القوات البريطانية في المدن الكبري هو ما يعرض الأمن للخطر وطلبت سحبها فورا واستنكرت محاولة الحكومة التفريق بين الطلبة والعمال وقررت اعتبار يوم 4 مارس يوم الحداد العام علي ارواح الشهداء. إضراب عام نفذ الحداد العام في ذلك اليوم وأضربت الصحف عن الصدور وأغلقت المصانع ومعاهد العلم والمتاجر والمحال العامة وساد القاهرة صمت كثيف، علقت صحيفة المصري تقول: إن لجنة العمال والطلبة نظمت الاضراب في هدوء وسكون وبروح عالية. وأضرب عمال المحلة الكبري وغيرهم. وفي الإسكندرية تألفت مظاهرة كبيرة اشترك فيها العمال والطلبة وسارت من محرم بك إلي وسط المدينة واصطدم بها البوليس ليفرقها فتجمعت من جديد ومرت علي فندق يقيم فيه بعض رجال البحرية الانجليز ويرتفع عليه العلم البريطاني فصعد من المتظاهرين من قام بنزعه وتمزيقه فاطلق البوليس الرصاص واشتبكوا بالمتظاهرين ثم انطلق الرصاص من كشك البوليس الحربي بميدان سعد زغلول بعد أن نزعوا لافتة الكشك واشعلوا فيه النار واحتدم الصدام. قتل 28 من المتظاهرين و2 من الجنود الانجليز وجرح 342 متظاهرا و4 من الجنود الانجليز وكان 4 مارس هو يوم الشهداء كذكري عام الشهداء في سنة 284م عندما اعمل الاحتلال الروماني القتل في المصريين وفي الإسكندرية خاصة. وقد أعلن مؤتمر الخريجين بالسودان الحداد العام هناك في ذات اليوم كما وقع اضراب عام في كل من سوريا ولبنان وشرق الأردن». ولا تجد «الأهالي» ما تختم به هذا الموضوع افضل من الفقرة التي استهلت بها «د. لميس جابر» مقالها في الوفد. والتي تقول: «الأسوأ من الجهل هو الاصرار علي الجهل.. والجهل بالتاريخ وتجهيل المصريين بتاريخهم والإلحاح المتواصل به، جعل الحق باطلا والباطل حقا وتشوه التاريخ تماما، وهذا ما أوصلنا إلي ما نحن فيه الآن من غياب لرؤية واضحة وتخبط وفوضي ثقافية وسياسية وذهنية..».