عريان نصيف (2) خرجت من السجن الحربي بعد أن حكم علي بالاعدام بعد اتصال الرفاق بعلي صبري مدير مكتب الرئيس، الرئيس الغي الحكم. أما أنا فكنت في حيرة كئيبة علي انعكاس لحالة التحالف مع حليف يكرهك. ادهشني بعد خروجي أن الرفيق المسئول في لحظة مقابلته لي وبدلا من أن يهنئني علي صمودي في وجه التعذيب الوحشي وعدم اعترافي علي الرفاق، أنه سألني سؤالا غير لائق. هل صرخت يا رفيق وهم يعذبونك ؟ فقلت ببساطة نعم. فصرخ وهو يبرم شاربه بكبرياء غلط يا رفيق فالمناضل لا يصرخ مهما عذبوه». عريان نصيف- من رسالة خطية كتبها بناء علي طلبي» كانت التهمة التي واجهني بها المحقق العسكري أنني كنت أنوي تفجير معسكر التدريب في سبورتنح بهدف احداث فوضي يستغلها الشيوعيون ويركبون الموجة (لم يذكروا اسم عاطف نصار ومحاولته للانقلاب لأن القضية لم تكن قد أعلن عنها بعد) نفي عريان التهمة. ضربوه. عذبوه تعذيبا وحشيا. سألوه هل أنت شيوعي؟ فأجاب افتخر بأنني شيوعي. من معك؟ لا أحد. أنت متهم بمحاولة تفجير المعسكر. لا ما دليلك؟ دليل أني شيوعي. فزاد التعذيب. نزعوا كل ملابسه وتركوه عريانا في زنزانة مملوءة بالماء. وأخيرا واجهوه بمجلس عسكري أنهي سؤاله في دقائق وأصدر الحكم «الإعدام رميا بالرصاص» في تهمة الخيانة العظمي. أشعل هذا الحكم المجنون حماس قيادة الحزب، كثفوا اتصالاتهم. احتجوا. هددوا وأخيرا ابلغهم مدير مكتب الرئيس عبد الناصر علي صبري أن الرئيس وبصفته حاكما عسكريا ألغي الحكم. وخرج عريان من هذه المحنة وهو أكثر اصرارا وأكثر حماسا. ترك الكلية وتفرغ محترفا. وانغمس حتي هامته في العمل الحزبي، وفي هذه الفترة الشديدة الارتباك يتحد الشيوعيون في حزب واحد. ثم ينقسمون وفي أول يناير 1959. ويهرب عريان. والهروب سهل للغاية، أن تختبئ في مكان ما ثم تنتظر. لكن عريان هرب وواصل نضالا ملتهبا فقبض عليه، وأرسل إلي سجن أبو زعبل حيث معسكر التعذيب الناصري الذي اقترب من معسكرات النازي. هو كان قد تدرب علي احتمال التعذيب، ودهش الجميع، رفاقه والمتوحشون الذين يمارسون التعذيب من احتمال هذا الشخص النحيل كعصا رفيعة والذي لا يزيد وزنه علي 47 كيلو للتعذيب صامدا وأحيانا ايضا مبتسما. ويقول عريان في حوار معي «فيما بعد وفي جلسة سمر في سجن الواحات لقنني صلاح حافظ درسا هو واحد من أسرار الحياة، فالإنسان حين يتدرب علي المقاومة نفسيا، فإن جسده- أيا كان ضعفه الجسماني- يحترم هذه المقاومة ويفرز له كميات إضافية من الادرنالين تمكنه من المزيد من المقاومة والاحتمال. وبالفعل ادركت أن تصميمي علي الاحتمال جعلني احتمل تعذيبا لا يحتمل. ثم تقرر احالتهم إلي المحاكمة العسكرية أمام الفريق هلال عبد الله هلال قائد سلاح المدفعية لكن ضباط البوليس السياسي وبدهاء شديد وضعوه عمدا هو وسعد الساعي وخليل الآسي ضمن قضية الفريق الآخر. كانت مجموعة الحزب الشيوعي- حدتو لم تزل تتحدث وإن يتردد عن تأييدها لمنجزات عبدا لناصر وأن طالبت بالديمقراطية بينما الفريق الآخر كان يعارض عبد الناصر بشدة. وتوقع رجال البوليس السياسي أن يتحدث عريان ورفيقيه أمام القاضي الشرس عن تأييدهم لعبد الناصر فيضعوا رفاق المجموعة الأخري تحت مقصلة الفريق الشرس اتفقوا معا علي إفساد مخطط الأمن فقد تغلب الضمير والعقل وقررا ألا يتحدثوا عن تأييدهم لعبد الناصر ولا عن خلافاتهم مع الرفاق الآخرين، غضب رجال الأمن لإفساد مخططهم. ولعل الفريق كان شريكا في إعداد هذا الكمين وانعكس هذا الغضب في حكم شديد القسوة وهو عشر سنوات اشغال شاقة. ويكون الافراج الجماعي وبعدها يكون القرار الصاعق بحل الحزب هو عارض الحل. وقاوم كثيرا ثم رضخ لقرار الأغلبية، وتتوالي فترات السجن رغم ذلك وتتوالي معها كوارث عائلية. ففي فترة السجن 59-1964 فقد شقيقته الشابة وفيما كان مسجونا بعد انتفاضة 1977 فقد والدته وفي فترة سجن أخري في 1981 فقد والده. وفيما كان مسجونا عام 1989 أتاه نبأ أن ابنه الاكبر محب فقد ساقه في حادث بشع. أي طاقة احتمال احتاجها عريان ليحتمل ذلك . ذات يوم وجدته حزينا قلت له حتي الجبال تتهاوي أحيانا لكنك تحتمل أكثر من الجبال. نظر إلي صامتا ومضي صامدا ثم تكون كارثة اكبر عندما يفقد ابنه محب. ويمضي عريان متكئا علي عصاه صامدا شامخا مصمما علي المضي أماما في ذات الطريق. يقول لي في رسالته «كان قرار الحل ضربة قاصمة لي لكنه مضي ليخترع آليات وأدوات للنضال وللالتحام بالجماهير، وغاص في عمل جماهيري متنوع الاتجاهات. «جبهة القوي الوطنية بالغربية» و«نادي الثلاثاء الأدبي» و«رابطة الحقوقيين بالغربية»، و«نادي الكتاب، نادي المسرح».. اعتاد دوما علي الإبداع النضالي ثم فاجأنا بالإبداع الأدبي فكتب مسرحيات وحصل علي شهادة في التأليف المسرحي المتميز، وكتب قصصا وحصل علي الجائزة الأول في مسابقة القصة القصيرة. وإذ يأتي التجمع يكون أول الآتين إلينا. ويمنح عبر نضاله التجمعي العمل الفلاحي جهدا كبيرا ويتأسس اتحاد الفلاحين في 30 ابريل 1983 ليحقق عريان واحدة من أهم إنجازاته. وتمضي الأيام. ويبقي عريان كعصا ممشوقة القوام رافعة الرأس صامدة كسنديانة تهزأ بالريح يمضي كعصا تتكئ علي عصا مثلها.. ضاربا لنا جميعا المثل والقدوة. عزيزي عريان .. دمت لنا