قالت لي امرأة مثقفة، تقضي نصف عمرها في العمل بالمنزل ورعاية شئون الأسرة، والنصف الثاني في متابعة برامج «التوك شو» القديمة والجديدة، إنها محتارة في متابعة ضيوف هذه البرامج، فالكثير منهم تشعر أنها أضاعت وقتها حين تابعته للنهاية فإذا به يقول نفس الكلام القديم، ولكن بغلاف جديد،و بعضهم تحول من مثقف مفهوم بسيط العبارة واضح في أفكاره إلي مثقف معقد في عباراته ضبابي في أفكاره، وهناك من أصبح يغير أفكاره يوميا أو يعيد تقديمها بشكل آخر، وهناك من يطرح فكرة في برنامج، ويفسرها في برنامج آخر، وقالت أيضا إن بعضهم يبدو علي الشاشة وكأن لديه الحلول السحرية لكل ما نحن فيه، فإذا تأملنا في كلامه يتضح أنه لا يختلف كثيرا عن البعض الذي يبدو متشائما من أي حل لأي قضية تواجهنا الآن، وأخيرا قالت لي ببراءة، هما اللي بيظهروا علي الشاشة دول داخلين ضمن الكوتة؟، لم أفهم السؤال في البداية لكنها أضافت أنها سمعت زمان - في العهد البائد - عن نظام «الكوتة» وفهمت أنه اختيار عدد ومجموعة لكي تحظي بامتيازات لا يحصل عليها غيرها لكي تبرز في المجتمع.. ضحكت من هذا الفهم وقبل أن أناقشها في «الكوتة» وأهميتها سألتني من جديد ولماذا تُحرم المرأة من الكوتة سواء في مجلس الشعب الجديد أو علي الشاشات الكثيرة والبرامج الكبيرة؟! وجدت التشابه غريبا.. ولكنه حقيقي، فبقرار فوقي استعلائي تم تجريد النساء المصريات من الحماية الأولية للمشاركة في البرلمان عبر «الكوتة» مع أنهم أبقوا علي كوتة العمال والفلاحين.. فأيهما أكثر عددا - هكذا سألتني - النساء أم العمال والفلاحين؟ لم أرد عليها فاستطردت قائلة، وأين كوتة النساء في برامج «التوك شو»؟ لماذا يختارون الرجال فقط أو غالبا للحديث في هذه البرامج؟ كنت أمام شخصية «جديدة» حقا رغم معرفتنا القديمة لكنها المرة الأولي التي تكشف لي هذه الصديقة عن هذا التوجه لديها فسألتها لماذا تتحدث الآن في هذا ولم أكن أعرف عنها اهتمامها بالشأن العام سابقا فقالت لي رد بسيط للغاية.. ألستم أنتم الصحفيون والإعلاميون والكتاب من تتحدثون عن «حزب الكنبة» وعن النساء المخفيات في البيوت والمطابخ؟ وحين قامت الثورة ألم تكن بداخل الميدان؟ وحين جاءت الانتخابات ألم نذهب كلنا، وقبلها ذهبنا للتعديلات، ماذا تريدون منا بعد ذلك؟ هل تغضبون حين نطالب بكوتة للظهور في برامج التليفزيون والتعبير عن آرائنا؟ أم أن تقديم البرامج هو المتاح فقط للنساء، تذكرت فعلا أن هذا هو الغالب في قنواتنا المصرية فأكثر من يقدم البرامج نساء والضيوف رجال مع استثناءات، وحتي هؤلاء الضيوف يبدون كأنهم «قائمة» حتي بعد ثورة يناير، الجديد فيهم قليل بالنسبة لشعب كبير ملء بالكفاءات النادرة، تذكرت أنه في أسبوع بأكمله لم أر ضيوفا جددا علي كل الشاشات إلا اثنين، د. عزيزة عبدالسلام مديرة مركز الدراسات الاقتصادية في معهد الاستثمار القومي ود. صلاح جودة مدير مركز آخر وكانا ضيفي برنامج علي شاشة ON ظهرا مع الإعلامي حسن فودة، وكان لقاء شديد الأهمية لما طرحاه من أرقام مرعبة حول ما ورد لمصر من مليارات طوال حكم مبارك وكيف تم صرفها ثم كيفية الخروج من أزماتنا الاقتصادية الآن، كان وراء هذا الاكتشاف لاثنين من العلماء الكبار معد مجتهد لا يوجد مثله كثيرا في القنوات المصرية، وربما يوجد ولكنها إرادة نجوم «التوك شو» في الترحيب بأسماء بعينها واستضافتها، بعضها يعمل في نفس الحقل الإعلامي وهو ما يعني أنه حتي بعد قيام ثورة كسرت أهم حواجز الإعلام تجاه أداء عمله، وهو حاجز الرقابة وقوائم الممنوعين والممنوعات، إلا أن توزيع الموضوعات والضيوف يحتاج إلي نوع من العدالة الإعلامية غير موجود وغير وارد في هذه المرحلة التي يلهث فيها الجميع وراء المظاهرات والميدان والتصريحات الغريبة.. وينسون أن عملهم الأهم هو اكتشاف ما لم نعرفه بعد عن مصر، وتقديم الناس الذين لم نرهم حتي الآن علي هذه الشاشات.