في بحر الصين العميق ردا علي مقولة استيراد الافكار من الغرب، قالت المذيعة لأحد رجال حزب النور «السلفي» يا سيدي الأفكار والبضائع تأتي الآن من الصين واليابان والهند، فماذا سوف تقولون عن ذلك ؟! هل ستكون الأفكار مستوردة هذه المرة من الشرق؟ وفي هذا السياق خصصت مجلة «الايكونوميست» الاقتصادية البريطانية اليمينية افتتاحيتها مع ملف كبير عن الصين في عددها الأخير الصادر هذا الأسبوع.. وقالت في الافتتاحية الولاياتالمتحدةالأمريكية عام 1942، وسبب ذلك هو أن الصين أصبحت قوة عظمي اقتصادية وفي طريقها بسرعة إلي أن تصبح قوة عسكرية تنازع الولاياتالمتحدةالأمريكية مكانتها. وقبل عشرين عاما لم يتخيل أحد أن تصل الصين إلي هذه المكانة. ولكن الصين تغلي من الأعماق فقد تزايدت المظاهرات والوقفات الاحتجاجية وأصبحت أكثرتنظيما، بل إن لها قدرات متعاظمة علي استخدام وسائل الاتصال الحديثة ورغم الرقابة الحكومية أصبح بوسع المواطنين الغاضبين من الفساد وسوء توزيع الدخل أن يتواصلوا فيما بينهم عبر الإنترنت الذي يضيف بعدا جديدا للثورة الثقافية. وتبرز في هذا الملف المهم مجموعة رئيسية من القضايا التي تعنينا نحن أيضا علي رأسها دعوة عدد من كبار المثقفين الصينيين الذين لم ينشقوا عن النظام ولكنهم يوجهون له نقدا شديدا إلي استعادة مشروع الديمقراطية الجديدة الذي كان «ماوتسي تونج» الزعيم التاريخي الشيوعي للصين قد طرحه. وتفسح الديمقراطية الجديدة مكانا رئيسيا من الحلف السياسي لكل من الفلاحين والرأسماليين الوطنيين من أجل مواصلة الازدهار الاقتصادي الذي سبق أن وصل بمعدل النمو إلي 10% سنويا، وجري انتشال 440 مليون مواطن من تحت خط الفقر إلي أول درجات الطبقة الوسطي وهو الشيء غير المسبوق في تاريخ الإنسانية كما تقول المجلة. إنه بحر الصين العميق. وتتمحور الدعوة للديمقراطية الجديدة حول القضاء علي بقايا التخلف والحفاظ علي الوحدة القومية للبلاد واطلاق الحريات العامة التي يطالب بها كل من المثقفين والعمال. وتمثل قيادة الحزب الشيوعي ضمانة أساسية للحيولة دون انفراد احد اطراف الحلف الاجتماعي السياسي- خاصة الرأسماليين - بالسلطة أو الثروة. أنها ديمقراطية للشعب وديكتاتورية علي الرجعيين علي حد تعبير «ماو». وهي ايضا ترفض كل طريق ثالث بين الرأسمالية والاشتراكية. ويري الزعماء الصينيون الآن أن بلادهم قد دخلت إلي مرحلة أولية وجنينية للاشتراكية! وتدعو الديمقراطية الجديدة ايضا إلي سيطرة قطاع الدولة في الاقتصاد والتعايش لفترة طويلة مع القطاع الرأسمالي الخاص، إنها سياسة لم تعد بورجوازية غير أنها ليست بعد اشتراكية، هي سياسة ثورة وطنية وعلمية وديمقراطية وتختلف اختلافا بالغا عن الثورات الديمقراطية التي وقعت في بلدان أوروبا وأمريكا، إنها لا تقيم ديكتاتورية الرأسمالية كما حدث في هذه البلدان، بل تقيم ديكتاتورية «الجبهة المتحدة للطبقات الثورية» بقيادة الطبقة العاملة لبناء شروط التحول الاشتراكي. وهو ما يسميه حزب التجمع في التجربة المصرية مرحلة الانتقال التي يمكن من خلالها تصفية الاستغلال والبؤس بالطريق السلمي في دولة التحول). وتستعد الصين لقفزة جديدة علي طريق الازدهار الاقتصادي ويبقي السؤال السياسي محل جدل، يختتم الايكونوميست افتتاحيتها قائلة إن مسألة التغيير من الصين ليست مجرد موضوع اهتمام فكري لمثقفين خارج الصين، لأن التغيير في اتجاه الحرية والمزيد من الازدهار لن يقرر مصير الصين وحدها، ولكنه سوف يؤثر تأثيرا عميقا ايضا علي مصير العالم اجمع. وبوسعنا نحن المصريين وثورتنا الديمقراطية لاتزال تخطو خطواتها الأولي أن نتعلم الكثير من تجربة الصين فيما يخص الازدهار الاقتصادي. ونرجو الا يأتي اليوم الذي لا يتهم فيه من يسمون انفسهم رجال الدين في أوطاننا قوي التقدم والاستنارة أنها تستورد أفكارها من الصين فالأفكار كثير ما تأتي مع البضائع.