المفكر الانجليزي د. جون جراي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة اكسفورد والذي تنشر مقالاته بصفة دورية في صحيفتي «الجارديان والتايمز» البريطانيتين، والذي كان في البداية من كبار المبشرين والمتحمسين للفكر اليمين الجديد ولعولمة الاقتصاد والتجارة، عاد في كتابه الصادر عام 2000 بعنوان «الفجر الكاذب: أوهام الرأسمالية العالمية»، ليقرر أن «فرض السوق الحرة الانجلوسكسونية علي العالم، ستؤدي حتما إلي كارثة.. سيفجر الحروب، ويعمق الصراعات العرقية، وينفق الملايين، ويدمر البيئة، ويحول الفلاحين إلي لاجئين، ويستبعد عشرات الملايين من العمل والمشاركة في المجتمع - حتي في الدول المتقدمة- وينشر الفوضي العامة والجريمة المنظمة. وهذا ما حدث بالفعل في العقود الأخيرة، مما دفع ليس فقط القوي العمالية واليسارية للتظاهر ضده كما حدث في «سياتل» في نهاية القرن العشرين، بل أيضا في حركات احتجاجية وثورة غضب عارمة في شهر أكتوبر من عام 2011 من سكان 950 مدينة في 82 دولة. منددين بالتوحش الرأسمالي الذي أدي إلي تدمير اقتصادات الدول - حتي المتقدمة- وانتشار البطالة والفقر في مجتمعاتها. أما بالنسبة لتأثير عولمة الاحتكارات الأمريكية والتوحش الرأسمالي العالمي علي الدول النامية والفقيرة أصلا، فكان التدمير الكامل لاقتصاداتها وانهيار مقومات مجتمعاتها ووقوعها- تبعا لذلك- في فخ سياسات التبعية التي أوصلتها إليها المحاور الثلاثة للرأسمالية المتوحشة: الصندوق والبنك الدوليين والهيئة الأمريكية للتنمية ومنظمة التجارة العالمية. ويتضح ذلك- كمجرد أمثلة لواقع أشد سوءا- من التقارير والدراسات الغربية التالية: فالمفكر الليبرالي «جون زيجلر» يحدد في كتابه «الجوع كما شرحته لاينتي» الصادر عام 1999 «أن هناك 925 مليون شخص أصابهم الجوع في مقتل في العام الماضي. ومنظمة الأغذية والزراعة بالأمم المتحدة «الفاو» تحذر وترصد منذ عام 1995 وحتي تقريرها الأخير في أغسطس 2011، من تنامي ظاهرة المجاعة بافريقيا، نتيجة هذه السياسات. ومعهد أوكلاند الأمريكي يؤكد في دراسة ميدانية في مايو 2011، أن «الاستثمارات» الأجنبية الزراعية في العديد من دول الجنوب استولت علي الأراضي لانتاج الوقود الحيوي وشردت ملايين السكان.