وسوريا بعد 10 أشهر من الانتفاضة مصيرها يقترب من ليبيا والعراق غادر آخر جندي أمريكي العراق يوم الأحد الماضي، وفي يوم السبت السابق أعلنت الجامعة العربية يأسها من معالجة الملف السوري وأحالت الملف إلي مجلس الأمن بعد إعطاء مهلة تنتهي اليوم الأربعاء للنظام السوري للتوقيع علي المبادرة العربية، والبديل دخول سوريا إلي نفس تجربة العراق وليبيا، تدخل دولي متدرج من الحصار الاقتصادي والتجاري ثم الحظر الجوي وأخيرا القصف الجوي وانفجار حرب أهلية داخلية. المثير أن العراق الذي سار في هذا الطريق أكثر من عقدين انتهت باحتلاله عام 2003، يقود الوساطة الأهم بين سوريا والجامعة العربية لتفعيل مبادرة الجامعة وتنفيذها وإنقاذ سوريا من استعادة التجربة العراقية، وتبدو بغداد متفائلة من إمكانية إقناعها دمشق بالتعامل بشكل إيجابي مع المبادرة العربية وتجنب تدويل المسألة السورية بكل تداعياتها المخيفة ولابد أن القيادة السورية قد درست جيدا الدرس العراقي، خاصة أن البلدين متجاورين جغرافيا (600 كيلومتر طول الحدود المشتركة) وتاريخيا «خطوة بخطوة»، والبعث الذي انطلق من سوريا إلي العراق لقي أكبر هزيمة وتسبب في احتلال العراق وإعدام رئيسه صدام حسين صبيحة أحد أيام عيد الأضحي، وفي سوريا فإن حزب البعث يواجه مصيرا مماثلا فهو غير موجود في الشارع رغم عضويته الورقية التي تصل إلي 2 مليون عضو فقط، فلا أحد يري غير مظاهرات الغضب ضد النظام السوري. إذا انهار النظام العلوي ولابد أيضا أن القيادة العراقية المنقسمة علي نفسها وفي القلب منها التحالف الشيعي الحاكم الأكبر تدرك أن انهيار النظام العلوي «الشيعي» في سوريا ووثوب الرموز السياسية للأغلبية السنية الضخمة سيغير من موازين ومعادلات القوي في سوريا، وسيمتد الأمر من جديد إلي العراق حيث الأغلبية الشيعية تحكم العراق بعد 80 سنة من حكم السنة، الذين سيعودون إلي تشديد احتجاجاتهم إذا ما فازت السنة بحكم سوريا وأسقطت نظام بشار العلوي. الدور الإيراني وفي نفس الوقت فإن إيران تعمل بكل ما أوتيت من قوة لدعم النظام السوري حليفها الأكبر في العالم العربي ومده بكل احتياجاته العسكرية والأمنية والاقتصادية لتمكينه من الصمود، وللحيلولة دون سقوط نظام بشار، وحماية التركيبة السياسية في العراق التي يسيطر عليها التحالف الشيعي. وهذا التحالف يفسر موقف حزب الله الذي لم يصدر أي تصريح أو حتي مجرد انتقاد صغير ضد نظام بشار الذي قام بقتل قرابة خمسة آلاف سوري خلال الانتفاضة المستمرة منذ عشر شهور وإلي الآن. إسرائيل غير قلقة وفي ظل الأوضاع الإقليمية تلك فإن إسرائيل تراقب ما يحدث في سوريا بحذر شديد وتدرك أن انهيار نظام الأسد لن يشكل تهديدا استراتيجيا لها، ذلك أن التكلفة السياسية والاقتصادية والأمنية في سوريا بعد إسقاط هذا النظام ستكون أكبر من حشد أي إمكانات لمواجهتها، فالأوضاع الداخلية ستأخذ اهتمام جميع القوي السياسية لسنوات طويلة قادمة والولاياتالمتحدة تدرك أيضا أن الربيع العربي فرصة لانكفاء الدول العربية التي تشهد الثورات الحالية علي أوضاعها الداخلية، ولا تمانع في وصول أحزاب إسلامية معتدلة إلي الحكم مثل جماعة الإخوان المسلمين في مصر والنهضة في تونس والعدالة والتنمية في المغرب، وكل ما تخشاه سقوط الأنظمة العربية في قبضة أحزاب وجماعات متطرفة أقرب إلي الفكر الجهادي وتنظيم القاعدة. وكثيرا ما دعت الإدارات الأمريكية المتعاقبة إلي إدماج جماعات الإسلام السياسي المعتدل في المؤسسات السياسية خاصة التشريعية، وإعطائها نصيبا في الحكم تجنبا لظهور الأسوأ وهي الجماعات الجهادية المتطرفة. تجربة العراق ولابد أن الولاياتالمتحدة والدول الغربية والدول الكبري عموما، خصوصا روسيا يعكفون حاليا علي تقييم نهائي لقرابة تسع سنوات من الاحتلال الأمريكي للعراق. فالوعود الأمريكية أيام الرئيس الأسبق جورج بوش تحدثت عن تحويل العراق إلي نموذج للديمقراطية العربية، والازدهار الاقتصادي والتعايش السلمي بين الطوائف وهو ما لم يحدث إذ تحول العراق إلي جحيم وتتنازعه قوي مختلفة تريد كل منها السيطرة علي الحكم، وإذا لم تستطع فالحل في الاستقلال وتقسيم العراق. وانفجرت آخر تلك الأزمات منذ أيام قليلة بإعلان القائمة العراقية التي يقودها إياد علاوي ذو التوجه الليبرالي إلي تجميد مشاركتها في البرلمان احتجاجا علي سياسة رئيس الحكومة نور المالكي زعيم حزب الدعوة الإسلامية المدعوم في إيران الذي اتهم نائبه «صالح المطلك» بعدم الكفاءة، كما اتهم نائب رئيس الجمهورية السني «طارق الهاشمي» بالضلوع في عمليات إرهابية، ورد الهاشمي بأن المالكي ديكتاتور أسوأ من صدام حسين. والنتيجة أن التحالف الهش الذي يحكم العراق أصبح معرضا للانهيار.. وتطالب عدة مناطق سنية بالتحول إلي أقاليم في إطار النظام الفيدرالي الذي يعطيها هذا الحق، كما استفاد الأكراد منه وهم حاليا أقرب إلي الاستقلال عن الدولة.. والأحوال الأمنية لاتزال بالغة السوء رغم وجود قوي أمنية من 900 ألف جندي فالجرائم ترتكب يوميا سواء علي هوية إجرامية أو طائفية.. ولايزال قانون النفط الذي ينظم استغلال المورد الرئيسي للثروة في العراق في أروقة مجلس النواب، في ظل إصرار الأكراد بعدم الاكتفاء بالسيطرة علي إقليم كردستان وإنما بالسيادة علي مناطق تمتد في 4 محافظات غنية بالنفط منها كركوك. ورغم أن العراق يصدر 2.2 مليون برميل يوميا وبإجمالي عائدات شهرية 7 مليارات دولار، فالأحوال المعيشية للعراقيين بالغة السوء وإمدادات الكهرباء والمياه النظيفة غير متوافرة للأغلبية من السكان. أيام الديكتاتورية فلول نظام البعث يروجون لفكرة أن أيام صدام كانت أفضل، والواقع أن كثير من العراقيين يعتقد ذلك بعد أن جربوا 9 سنوات من الاحتلال الأمريكي والحروب السياسية الطائفية، والنتيجة أن صناديق الانتخابات جاءت بالقوي الإسلامية بمختلف أشكالها المتطرفة الشيعية والسنية علي حد سواء. فالأمل أن تتمكن قوي ديمقراطية تؤمن بالدولة المدنية وحقوق المواطنة والمساواة والتعددية والحريات العامة من الوصول إلي الحكم، وتحول دون اقتناص القوي الفاشية الدينية والمتعصبة وبدعم من الجيوش للحكم، وساعتها لابد أن شعوب الربيع العربي ستندم علي أيام الديكتاتوريات الساقطة، لأن الثورة تعود إلي الخلف بدلا من أن تقود الشعوب العربية إلي الأمام.