أكدت الانتخابات التشريعية الأخيرة بالعراق, التي تم اجراؤها بأكبر قدر من النزاهة والالتزام بالدستور والقانون, أن الدولة العراقية قد خرجت من محنة الحرب والنار والدماء والمجتمع أكثر نضجا وإدراكا ووعيا بأن النظام الديمقراطي هو الطريق لحماية العراق من التفتت والعراقيين من التشرذم. ومع بداية الغزو الأمريكي الانجليزي للعراق في ربيع عام2003, كانت المبررات والشعارات والأهداف مثار جدل لا علي المستوي العراقي فقط, بل علي المستويين الاقليمي والعالمي. وبعد التخلص من نظام صدام حسين المقيت بكل تسلطه علي العراق والعراقيين وكل ممارساته القهرية الدموية, تفجرت الأوضاع وسادت الفوضي وانطلقت الأحقاد وموجات الكراهية التاريخية لتعربد في كل أنحاء العراق, وبدأت الأغلبية الشيعية في تصفية حساباتها مع السنة الذين حكموا العراق منذ الاستقلال وحتي سقوط صدام حسين, وتصرف الأكراد وكأنهم المارد الذي خرج من قمقم القهر, واضطراب السنة العرب مع بدء العمل بقوة لإزاحة البعث وتفكيك الجيش وكل المنظمات والمؤسسات البعثية. وفاقم من الأوضاع اندفاع عناصر من القاعدة لقتال الأمريكيين بالعراق, وتطلع إيران لملء الفراغ واكتساب النفوذ استنادا إلي قوي شيعية عراقية, وفي نفس الوقت, سعت سوريا لاستغلال أوضاع العراق للخروج من مأزق الحصار والعقوبات الأمريكية. وعلي امتداد السنوات السبع الماضية, سقط مئات الألوف من العراقيين صرعي الصراع الذي تفجر, وعندما أجريت انتخابات2005, بدأت القوي السياسية والدينية والعراقية تدرك أن مصير العراق اصبح في أيديها. وبعد أن أعلن الأمريكيون انهم في الطريق للخروج من العراق, ازدادوا يقينا أنهم يتحملون المسئولية التاريخية عن الوطن العراقي. وكان من أهم ثمار التجربة الانتخابية الأولي عام2005 ادراك الشيعة أنهم أعجز من أن يحكموا العراق بمفردهم وتبين لمعظم السنة العرب أن التحالف مع القوي العلمانية هو الطريق لحماية مصالحهم وحماية العراق, وتأكد الأكراد أن العراق الموحد يتيح لهم ظروفا أفضل لتحقيق طموحاتهم وأن الوطن الكردي في ظل الأوضاع الحالية لن يكون الحل الأمثل أو الأنسب بالنسبة لهم. وعلم الجميع أن الدستور والقانون وتداول السلطة واحترام حقوق الانسان هي الطريق الأنسب للعراق والعراقيين. وها هو العراق يصبح ديمقراطيا, ويسبق كل التجارب الديمقراطية بالمنطقة, ولكن بعد أن دفع الشعب الثمن الدامي.