الحرامي والرواية والتمثال عندما ألقي الحرامي برواية المواطن في النار لأنها رواية كافرة جاء المشهد واقعيا في فيلم «مواطن ومخبر وحرامي» للفنان المخرج داود عبدالسيد. فقد سبق اتهام كتاب وروائيين بالكفر وطبق عليهم «حرامي ما» أو سارق للحياة الحد بالقتل بعد سماعه فتوي من الأكثر جهلا بوجوب قتله فقتل فرج فودة وحاول «حرامي» آخر قتل نجيب محفوظ. أما حكاية الحرامي في الفيلم مع التمثال فهي التي اعتقدت أنها «فانتازيا» أو خيال جميل من فنان مبدع، والمشهد كما جاء في الفيلم أن الحرامي سرق تمثالا لامرأة وأهداه للمواطن صاحب الرواية بعد أن ألبسه فستانا حتي يستر جسد المرأة، تنذرنا كثيرا بهذا المشهد وضحكنا عليه كلما شاهدناه، ولكن وكما يؤكد تاريخ الفنون أن الفنان يري ما لا نراه ويستشرف المستقبل ويلقي الضوء عليه من منطقة مضيئة في عقله تخصه وحده، فبعد سنوات من عرض الفيلم وبعد اعتقادنا استحالة أن يغطي أحد التماثيل فقد حدث وغطي سلفيو قندهار وكهوف التاريخ وظلمة الروح تمثال «عروس البحر في الإسكندرية» وأفتي عبدالمنعم الشحات المتحدث الرسمي باسم الدعوة السلفية بأنها أصنام وحرم وجودها ونادي بضرورة تغطيتها بالشمع، وغيره حطموا تمثال سنوسرت في المنصورة. بل إن «الشحات» وقبل سقوطه في انتخابات مجلس الشعب صرح بأن سقوطه يعني سقوط الإسلام وأن الحضارة الفرعونية حضارة عفنة، لست بصدد مناقشة ما يقوله فما لا يقبله العقل لا يستحق الوقوف عنده، وما يسكن عقل الشحات وغيره من غث الأفكار لن يقف عنده التاريخ إلا لإدانته، وهو يسجل الانحطاط الفكري الذي شاب المرحلة التاريخية بهبوب رمل صحراء السعودية الوهابية علي وادي النيل. لكن الحقيقة أن الفرق بين «حرامي» الفيلم والمتأسلمين أن الحرامي في الفيلم دمه خفيف أما هؤلاء في الواقع فهم ثقيلو الظل غلاظ الطلة والطلعة وجودهم طارد ومنفر منفوخون ومتعالون، ليس هذا فحسب بل مغرورون أيضا وصور لهم غرورهم أنهم ملكوا وتمكنوا من مصر ومن شعبها، ربما هم معذورون لأنهم لا يقرأون ولا يتعلمون. لكنهم أحيانا مضحكون، وبصدق ربما يتفوقون في الأداء الكوميدي علي حرامي الفيلم الذي سيظل علامة في السينما وهو يحمل التمثال بعد أن ألبسه فستانا.