موعد امتحان 964 متقدمًا لشغل معلم حاسب آلي بالأزهر (رابط للاستعلام)    رئيس جامعة قناة السويس يُكرم الفائزين بجائزة الأداء المتميز لشهر نوفمبر 2025    محافظ الغربية توفير 32 فرصة تمكين جديدة لدعم ذوي الهمم    ما فوائد تأجيل صندوق النقد الدولي المراجعتين الخامسة والسادسة لمصر؟    رئيس البورصة يوقّع بروتوكول تعاون مع جمعية مستثمري السادس من أكتوبر    ڤاليو تعتمد الذكاء الاصطناعي لتعزيز تجربة العملاء    وزير البترول والثروة المعدنية يشهد توقيع اتفاق مع آتون مايننج الكندية    مراوغات نتنياهو في أعياد الميلاد    زيلينسكي: مسودة اتفاقية إنهاء الحرب توفر لأوكرانيا ضمانات أمنية مماثلة للمادة الخامسة من اتفاقية "الناتو"    أمم أفريقيا 2025| شوط أول سلبي بين بوركينا فاسو وغينيا الاستوائية    مفاجآت في قضية الخانكة.. تأجيل محاكمة المتهم بقتل والده وإشعال النيران في جثته    غدا.. استكمال محاكمة والد المتهم بقتل زميله وتقطيع جثته فى الإسماعيلية    الزراعة تحذر المواطنين من شراء اللحوم مجهولة المصدر والأسعار غير المنطقية    وزيرا الثقافة والخارجية يبحثان تعزيز الحضور الثقافي في معرض القاهرة للكتاب    محافظ البحيرة تتفقد القافلة الطبية المجانية بقرية الجنبيهي بحوش عيسى    تشكيل أمم إفريقيا - بلاتي توري يقود وسط بوركينا.. ومهاجم ريال مدريد أساسي مع غينيا الاستوائية    إنفوجراف| العلاقات المصرية السودانية عقود من الشراكة في وجه الأزمات    خالد عبدالعزيز يترأس الاجتماع الختامي للجنة الرئيسية لتطوير الإعلام الإثنين المقبل    هيثم عثمان حكمًا لمباراة الزمالك وسموحة بكأس عاصمة مصر    كوت ديفوار تواجه موزمبيق في الجولة الأولى من كأس أمم إفريقيا 2025.. التوقيت والتشكيل والقنوات الناقلة    تليجراف: عمر مرموش يقترب من مغادرة مانشستر سيتي في يناير    فوز 3 طلاب بجامعة أسيوط بمنحة للدراسة بجامعة كاستامونو بتركيا    بث مباشر.. الجزائر تبدأ مشوارها في كأس أمم إفريقيا 2025 بمواجهة نارية أمام السودان في افتتاح المجموعة الخامسة    وزير التعليم العالي يعلن أسماء (50) فائزًا بقرعة الحج    ميناء دمياط يستقبل 76 ألف طن واردات متنوعة    جامعة أسوان تشارك في احتفالية عالمية لعرض أكبر لوحة أطفال مرسومة في العالم    انفجار عبوة ناسفة بناقلة جند إسرائيلية في رفح الفلسطينية    تشييع جثمان طارق الأمير من مسجد الرحمن الرحيم بحضور أحمد سعيد عبد الغنى    أصداء أبرز الأحداث العالمية 2025: افتتاح مهيب للمتحف الكبير يتصدر المشهد    هل يجوز استخدام شبكات الواى فاى بدون إذن أصحابها؟.. الإفتاء تجيب    تواصل الاشتباكات الحدودية بين تايلاند وكمبوديا    «أبناؤنا في أمان».. كيف نبني جسور التواصل بين المدرسة والأهل؟    الدكتور/ عمرو طلعت: تم إضافة 1000 منفذ بريد جديد ونشر أكثر من 3000 ماكينة صراف آلى فى مكاتب البريد منذ عام 2018    تأجيل محاكمة عامل بتهمة قتل صديقه طعنًا في شبرا الخيمة للفحص النفسي    وفاة أصغر أبناء موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب    السكة الحديد: تطبيق التمييز السعري على تذاكر الطوارئ لقطارات الدرجة الثالثة المكيفة.. ومصدر: زيادة 25%    حسام بدراوي يهاجم إماما في المسجد بسبب معلومات مغلوطة عن الحمل    سبق تداوله عام 2023.. كشفت ملابسات تداول فيديو تضمن ارتكاب شخص فعل فاضح أمام مدرسة ببولاق أبو العلا    بالأعشاب والزيوت الطبيعية، علاج التهاب الحلق وتقوية مناعتك    رفع 46 سيارة ودراجة نارية متهالكة خلال حملات مكثفة بالمحافظات    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 24-12-2025 في محافظة الأقصر    إيمان العاصي تجمع بين الدراما الاجتماعية والأزمات القانونية في «قسمة العدل»    وزيرا التعليم العالي والرياضة يكرمان طلاب الجامعات الفائزين في البطولة العالمية ببرشلونة    محمد بن راشد يعلن فوز الطبيب المصري نبيل صيدح بجائزة نوابغ العرب    هاني رمزي: أتمنى أن يبقى صلاح في ليفربول.. ويرحل من الباب الكبير    بولندا: تفكيك شبكة إجرامية أصدرت تأشيرات دخول غير قانونية لأكثر من 7 آلاف مهاجر    الصغرى بالقاهرة 11 درجة.. الأرصاد تكشف درجات الحرارة المتوقعة لمدة أسبوع    الأوقاف: عناية الإسلام بالطفولة موضوع خطبة الجمعة    فاضل 56 يومًا.. أول أيام شهر رمضان 1447 هجريًا يوافق 19 فبراير 2026 ميلاديًا    كيف واجهت المدارس تحديات كثافات الفصول؟.. وزير التعليم يجيب    بعد تعرضه لموقف خطر أثناء تصوير مسلسل الكينج.. محمد إمام: ربنا ستر    ميدو عادل يعود ب«نور في عالم البحور» على خشبة المسرح القومي للأطفال.. الخميس    وزير الصحة: قوة الأمم تقاس اليوم بعقولها المبدعة وقدراتها العلمية    وكيل صحة بني سويف يفاجئ وحدة بياض العرب الصحية ويشدد على معايير الجودة    القومي للطفولة والأمومة يناقش تعزيز حماية الأطفال من العنف والتحرش    وزير الخارجية يتسلم وثائق ومستندات وخرائط تاريخية بعد ترميمها بالهيئة العامة لدار الكتب    بوتين يرفض أى خطط لتقسيم سوريا والانتهاكات الإسرائيلية    فنزويلا: مشروع قانون يجرم مصادرة ناقلات النفط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ذگري انتصار أگتوبرشهادة مجند عن الأيام الأخيرة في الحرب
نشر في الأهالي يوم 05 - 10 - 2011


خللي السلاح صاحي.. صاحي
اخترنا عنوانا لهذه الشهادة «خلي السلاح صاحي» لأننا استشعرنا قلق الشعب المصري من سرقة الثورة ، وهو يستدعي النصر المجيد في حرب أكتوبر الذي جرت سرقته أيضا.. ولكن الشعوب تتعلم من دروس تاريخيها.
تحل هذا اليوم السادس من أكتوبر الذكري الثامنة والثلاثون لواحدة من أعظم حروب التحرر المصري والعربي ضد العدو الصهيوني الذي ترعاه الامبريالية الأمريكية هي حرب أكتوبر وهي تأتي في ظروف جديدة فيها الانتصارات والتناقضات إذ يتعرض الربيع العربي وثورة 25 يناير علي نحو خاص لمخاطر كثيرة، وتستجمع نفسها وبشراسة قوي الثورة المضادة من فلول الحزب الوطني وبعض دوائر المال والأعمال التي راكمت الثروات في ظل الاستبداد والفساد لإجهاض نصر الشعب، ومع ذلك تتحصن الثورة بقوة الدفع الشعبية والشابة التي لن تسمح أبدا بالعودة إلي الوراء. وما أجمل ذكري الانتصار في زمن الحلقة الجديدة من الثورة الديمقراطية في مصر وهي تستعد للمرحلة الاجتماعية القادمة منها.
من الأخطاء الشائعة عن حرب اكتوبر أن هذه الحرب انتهت يوم 28 اكتوبر 1973، وكثيرة هي الكتابات التي تناولت الاستعداد لحرب أكتوبر المجيدة ثم معارك العبور وقليل منها هو الذي تناول الفترة الأخيرة من هذه الحرب والتي سبقت مباشرة التوصل لفك الاشتباك الأولي في 18 يناير 1974. وعن هذه الفترة الأخيرة أقدم شهادتي المتواضعة التالية عنها.
عندما وقعت الحرب كنت أخدم كجندي مؤهلات عليا في الكتيبة مشاة ميكانيكي رقم (242) والتي كانت تابعة للواء 114 ولم تكن كتيبتنا المتمركزة وقتئذ في منطقة الهايكستب ضمن كتائب المشاة الميكانيكي التي شاركت في العبور إذ كانت ضمن احتياطي الجيش الثالث، كما أوكلت إليها مهمة حماية مدخل القاهرة. وبعد أن حدثت ثغرة الدفرسوار يوم 16 أكتوبر بدأت الأخبار تصل عن تسلل الجنود الإسرائيليين داخل أراضينا فكانت مهمة كتيبتنا هي حماية طريق القاهرة- السويس لمنع هذا التسلل من خلال القيام بدوريات مراقبة للطريق بالعربات المدرعة، وكنا نضطر للمبيت في عرباتنا علي الطريق الصحراوي وتناوب الحراسة لأجل هذه المهمة، كما كنا نقوم بايقاف أي سيارة مارة في الطريق للتأكد من هويتها، وفي 22 أكتوبر وافق الرئيس السادات علي وقف إطلاق النار.
وفي ليلة 5 نوفمبر صدر الأمر لكتيبتنا بالتحرك إلي منطقة «الجفره» القريبة من السويس وأثناء ذلك صدر نداء من وزير الدفاع المشير أحمد إسماعيل للقوات المسلحة بأن تكون علي حذر ويقظة واستعداد دائم رغم وقف إطلاق النار، وفي ذلك الوقت أيضا ظهرت أغنية «خللي السلاح صاحي».
كتيبة جزائرية
وبعد عشرة أيام في الجفره تحركنا مرة أخري إلي منطقة تسمي «أم كتيب» قريبة من «أبو سلطان» غرب البحيرات المرة، وكان من السهل أن نستنتج بعد ذلك أن سبب نقل كتيبتنا التي كانت ضمن احتياطي الجيش الثالث من المنطقة المركزية إلي الجبهة بعد أكثر من شهر من وقوع العبور هو ظهور الحاجة للاستعانة بقواتنا الاحتياطية لتعويض خسائر الثغرة، وقد أصبح هناك كما هو معروف تداخل بين قواتنا والقوات الإسرائيلية بعد الثغرة وكانت منطقة «أم كتيب» التي وصلناها هي إحدي تلك المناطق فهناك كان العدو الإسرائيلي يحتل منطقة في مواجهتنا علي بعد قريب منا، وكانت هناك قوات عسكرية من دولة الجزائر الشقيقة في المنطقة عند وصولنا، صدرت الأوامر بأن نحل محلها وأن تتحرك هي لتكون علي يمين قواتنا، ولعل في هذا ما يؤكد حجم معاونة الدول العربية الشقيقة لنا أثناء حرب أكتوبر والذي لم يقتصر فقط علي منع البترول عن أمريكا وأوروبا، وفي هذا السياق فإني أشهد أيضا بأني قابلت أثناء تحركاتنا السابقة بعض الجنود السودانيين وتحدثت مع اثنين منهم، ولعل في ذلك ما يرد علي دعاة قطع العلاقات مع أخواننا العرب بعد أن ساءت علاقتنا معهم بعد قرار السادات بزيارة القدس علي اعتبار أننا وحدنا في مصر الذين تحملوا عبء أربع حروب مع إسرائيل لصالح فلسطين.
المهم أن منطقة «أم كتيب» كانت عبارة عن واد كبير يعلوه جبل، وكان ارتفاع المنطقة كلها يجعلها شديدة البرودة في ذلك الشهر -ديسمبر- خاصة في الليل الذي كنا نقضي منه ست ساعات بالتناوب مع بعضنا في حراسة مواقعنا فيما سمي عسكريا ب «الخدمة» وكان لهذه الحراسة اهمية قصوي تفوق اهميتها فيما مضي من حراسات، كنا نقوم بها. فنحن الآن في مواجهة قوات إسرائيلية لا تبعد عنا كثيرا وبيننا وبينها أرض مكشوفة لا يفصلنا عنها أي مانع، وأخبار التسلل الإسرائيلي بعد الثغرة نسمع عنها بين الحين والآخر، وكان هذا التسلل محتملا ومتوقعا خاصة في الليالي المقمرة، ولذا كانت الأوامر المستديمة للحراسة الليلية أن تطلق النار فورا علي أي شبح مار من أمام موقعنا ليلا إذا لم يذكر كلمة (سر الليل) المتعارف عليها بيننا.
وكانت قوات كتيبتنا تحتل موقعا علي شكل نصف دائرة، وعلي عكس ما كان في حالة السلم أو في المنطقة المركزية كانت سرايا كتيبتنا- كما هي العادة في حالة الحرب في حالة انتشار علي نطاق واسع، أي يفصل بين كل سرية وأخري مسافة كبيرة، وبين فصائل كل سرية مسافات أخري اصغر وذلك لتقليل اي خسائر يمكن أن تقع بين الجنود، وربما لهذا السبب كان يحلو للقوات الإسرائيلية المواجهة لنا اطلاق بعض العيارات علينا أثناء تجمع فصائل كل سرية أمام عربة التعيين (العربة التي تحمل وجبات الطعام لكل سرية) وكان بكتيبتنا ثلاث سرايا مشاة تسليحها بندقية آلية وقلة منها ار بي جيه وبكل سرية عدد من الافراد من قائدي دبابات من طراز (توباز)، إلي جانب ذلك كانت توجد سرايا معاونة اذكر منها سرية "م. د" (مضادة للدبابات) وسرية "م.ط" (مضادة للطائرات) وكان تسليح إحداها مدفع رشاش من طراز (كارل جوستاف).
ولأن كتيبتنا كانت منتشرة انتشارا كبيرا علي شكل نصف دائرة فقد كانت هناك سرية من سرايا المشاة الثلاث في مقدمة نصف الدائرة وهي السرية التي حملت رقم 7 والتي كان بها زميلنا مجدي أحمد حسين قيادي حزب العمل بعد ذلك، ومن ثم كانت هي رأس الحربة الأقرب للعدو منا نحن أفراد السريتين الموجودتين علي الأجناب، وهكذا بينما كانت السريتان تقعان علي بعد كيلو مترين ونصف من العدو كانت السرية 7 أكثر قربا منا لذلك العدو، ومن ثم كان موقعها هو الأصعب وصمودها وبطولاتها هي الأبرز عندما بدأ القتال.
شجاعة جريح
وكانت عملية الانتشار الواسع لسرايا الكتيبة يعني وجود فراغات بين قواتنا مما جعلنا أكثر تخوفا من وقوع التسلل الإسرائيلي بين تلك الفراغات وأكثر حرصا علي تشديد الحراسة واليقظة التامة للعدو، وقد حدثت محاولة لأحد أفراد العدو الإسرائيلي للتسلل لموقعنا وتم اطلاق النار عليه وهرب بعد اصابته، وفي صباح اليوم التالي وجدت آثار دماء تدل علي تسلله واصابته ليلا. كما كانت هناك محاولات لمجموعة من افراد كتيبتنا للتسلل الي العدو ليلا للحصول علي معلومات عنه، وتم اطلاق النار علي المجموعة واستطاعت الفرار بعد أن اصيب احد افرادها من طلقة عشوائية وتحمل ألم الاصابة بصبر وشجاعة طوال طريق العودة للكتيبة دون أن يصدر أي آهة أو انه يمكن أن تكشف للعدو عن مكان مجموعته في الظلام الدامس من مصدر الصوت الصادر عنها.
أما العدو المواجه لنا علي بعد كيلو مترين ونصف تقريبا فقد كان يمكننا باستخدام نظارة الميدان المكبرة مشاهدة تحركات عرباته المدرعة والجيب ودباباته، كما كنا نستطيع من فوق التلال المرتفعة مشاهدة تلك الدبابات بصورة أوضح ومتابعة تحرك يومي لها مع غروب كل شمس متجهة للاختباء وراء أحد الجبال ثم متابعة عودتها مع فجر اليوم التالي من وراء الجبل إلي موقعها أمامه، بل كان يصلنا من بعيد صوت خافت لازيز تحرك تلك الدبابات العديدة، وعلي بعد اقرب من ذلك لا يزيد علي كيلو متر واحد من موقعنا كان يوجد تل في منتصف الطريق تقريبا. بيننا وبين القوات الإسرائيلية وكان للقوات الإسرائيلية عادة روتينية تدل علي شدة حرصها وتخوفها من قواتنا وهي قيام إحدي دباباتها بالدوران حول ذلك التل في الساعة الثامنة من صباح كل يوم للتأكد من عدم وجود كمين مصري لها خلف هذا التل، وتمشيا مع هذا الحرص والرغبة في معرفة معلومات عنا كانت قواتهم تطلق ليلا دانات مضيئة تحدث دويا وضوءا شديدين في الجو لا تسبب أي اصابات ولكنها تهدف إلي امرين: التخويف واضعاف الروح المعنوية لنا والثاني هو اضاءة موقعنا ليلا لعدة ثوان بين كل فترة وأخري لكشف ما يقع فيه.
امتنان الشعب
ولما كانت كتيبتنا المشاه الميكانيكي هي بحكم تسليحها (بنادق آلية ورشاشات وار بي جيه) لا يمكنها التعامل مع مدفعية العدو، لذا لم تمض أيام قليلة علي وصولنا إلي منطقة «أم كتيب» إلا وقد انضمت إلينا قوات مدفعية معاونة لنا احتلت موقعا خلفنا، كما تم تركيب صاروخ لاستخدامه عند الحاجة. وكنا قد وصلنا إلي أوائل ديسمبر، وهناك وقف لإطلاق النار قبلناه في 22 أكتوبر السابق وكانت الاجازات متوقفة منذ استدعاء الاحتياطي وإعلان حالة الطوارئ في أواخر سبتمبر 1973، وكان بعض الجنود لم يحصلوا علي اجازة من قبل إعلان حالة الطوارئ بشهر أي مر عليهم ما يقرب من أربعة شهور لم يروا ذويهم ويطمئنوهم عليهم، لذا جاءت الموافقة علي فتح باب الاجازات علي دفعات ولمدة 48 ساعة فقط لكل دفعة، وكانت الأولوية في هذه الدفعات للمتزوجين ومن يعولون ، هكذا بدأ نزول أول دفعة اجازات في 9 ديسمبر وكانت دفعة اجازتي قد حدد لها الفترة من 22 إلي 24 ديسمبر. وخلال اجازتي القصيرة سجلت ذاكرتي ملاحظتين: الأولي أنني كلما دخلت محلا لشراء شيء وأنا بالزي العسكري عند وصولي بهذا الزي أو أثناء عودتي من الاجازة به كان الباعة يقدمون لي بضاعتهم مجانا ويرفضون استلام نقود مني معبرين عن تقديرهم واحترامهم للدور البطولي لجنود 6 أكتوبر. أما الملاحظة الثانية والتي أثارت دهشتي فهي الجوالعام للحياة في القاهرة في أواخر ديسمبر 1973 والتي كانت توحي بأن الجميع يحيا حياته بشكل طبيعي ويتصرف علي اعتبار أن الحرب قد انتهت، وعلي عكس برامج الراديو التي كانت تصل إلينا في الجبهة من خلال أجهزة الترانزستور التي كنا نحملها والتي كانت تمتلئ بالأغاني والبرامج الوطنية والدينية كانت برامج التليفزيون التي شاهدتها خلال اجازتي الصغيرة في ذلك الوقت برامج عادية تماما مع مسلسلات لا توحي بأي أجواء للحرب، مما كان يفرض علي المقارنة طوال أجازتي وعند العودة بين حياة الناس المرفهة نسبيا في القاهرة وحياتنا الصعبة علي الجبهة في منطقة «أم كتيب» غرب البحيرات المرة أمام عدو لا يبعد عنا إلا بمسافة صغيرة ولا تفصلنا عنه موانع طبيعية ونتوقع استئناف القتال معه في أي لحظة و.. سرعان ما وقع القتال بالفعل!
تجدد الحرب
ففي اليوم التالي مباشرة لعودتي من الاجازة أي في يوم 25 ديسمبر 1973 وقع أول اشتباك بين المدفعية الملحقة علي كتيبتنا المشاة ومدفعية العدو، وكانت مدفعيتنا هي المبادرة بالقتال، وتكررت هذه المبادرة منا في الاشتباكين التاليين اللذين شهدتهما، وكانت الاشتباكات الثلاثة هي من نوع ما يطلق عليه في العسكرية اشتباك من دفاع ثابت أي تبادل الضرب بين مدفعيتي خصمين وهما في مكانهما دون أن يحدث التحام بين قواتهما. أما عن دور كتيبتنا المشاة فكانت الأوامر تصدر لنا قبيل كل قتال بالمدفعية الثابتة بالتحصن داخل خنادقنا ومعنا سلاحنا من البنادق وألا نخرج اطلاقا من الخنادق طوال فترة الاشتباك المدفعي لمنع الخسائر في جنودنا إلا إذا تطور القتال إلي التحام مباشر بين القوتين فعندها فقط يمكن أن تصدر لنا الأوامر بتقدم المشاة وهو ما لم يحدث طوال الاشتباكات الثلاثة.
و.. بدأ الضرب ولم ترد القوات الإسرائيلية وتكرر ضربنا ولم ترد أيضا واستطعت مع زملائي في السرية ومن مكاننا في الخندق ومن خلال نظارة ميدان مكبرة كنا نتبادلها مشاهدة طلقات دانة مدفعيتنا وهي تحدث تفجيرا قريبا جدا من دبابة إسرائيلية، وشاهدنا علي البعد أفرادا من القوات الإسرائيلية وهم يسرعون بالنزول من دباباتهم ويجرون هربا من قذائف مدفعيتنا، ثم فوجئنا بغلالة دخان أسود تغشي موقع العدو مما لا يتيح لنا رؤيته، وبعد قليل انقشعت الغلالة السوداء التي اطلقها العدو لإخفاء موقعه وفوجئنا باختفاء الدبابة الإسرائيلية التي من المؤكد أن العدو استطاع الهرب بها تحت ستر الدخان.. واستمر ضرب مدفعيتنا ولم ترد القوات الإسرائيلية إلا قليلا، وانتهي الاشتباك ولم يسقط من كتيبتنا ككل إلا عدد محدود لا يزيد علي خمسة أوستة من القتلي، أما قتلي العدو فتضاربت الأقوال حول أعداد زادت علي أعدادنا.
اشتباك في العيد
وجاء الاشتباك الثاني وهو الأصعب من بين الاشتباكات الثلاثة، ومهما عشت فلن أنسي يوم هذا الاشتباك الذي وقع يوم الأربعاء الموافق 2 يناير 1974 في وقفة عيد الاضحي ، فقد بادرت مدفعيتنا كالمعتاد بضرب العدو ولم يرد، ومرت ساعة فساعتان فثلاث ثم ساد الصمت فترة وبعد مرور أربع ساعات وقرب المغرب فوجئ كل من خرج من خندقه من كتيبتنا المشاه (مخالفا للأوامر) بضرب مكثف من المدفعية الإسرائيلية، واستمر تبادل الضرب بين قواتنا وقواتهم بصورة متقطعة حتي ما بعد الساعة التاسعة مساء بقليل، علي أن خسائرنا كالعادة كانت أقل من خسائر العدو، وفي 9 يناير 1974 وقع الاشتباك الثالث وفيه نجحت مدفعيتنا في تدمير دبابة إسرائيلية، وبعد هذا الاشتباك أو قبله بقليل لا أذكر تحديدا دمرت كتيبتنا بلدوزر للعدو كان يقوم بحفر خندق له وكان هذا ضمن الأوامر المستديمة الصادرة لنا بمنع العدو من القيام بأي أعمال إنشائية تعزز احتلاله لموقعه.
تراجع أخبار الاشتباكات
وقد جاء ذكر تدمير البلدوزر الإسرائيلي في خبر صغير في ذيل الصفحة الأولي بجريدة الأهرام.
وبعد اشتباك 9 يناير لم تقع اشتباكات مدفعية أخري بين كتيبتنا والعدو، ولكن قامت قيادتنا بوضع خطة لعمل كمين للدبابة الإسرائيلية التي تقوم كل صباح بالدوران حول التل أو التبة التي تقع علي بعد كيلو ونصف منا تقريبا لتأمينها تمهيدا لاستيلائنا علي هذه التبة. وقد تم اختيار عدد من جنود وصف ضباط الكتيبة من ذوي الخبرة والكفاءة، وممن حضروا حرب الاستنزاف للقيام بالعملية، وبدأ تدريبهم بالفعل علي القيام بهذه المهمة، علي أن الأمور في القيادة العليا كانت قد بدأت تسير في اتجاه تغليب السلم علي معاودة القتال.. وفي 18 يناير 1974 انتهت مباحثات الكيلو 101 بالاتفاق علي فك الاشتباك الأول.. وهكذا ألغيت خطة الاستيلاء علي التبة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.