برحيل الكاتب الروائي خيري شلبي وبتأمل ما أنجزه خيري شلبي من أعمال إبداعية أجد أن رحيله خسارة كبيرة للأدب العربي. بجانب أن الراحل الصديق الروائي خيري شلبي كان ممن أعلو من شأن الإرادة وجعلها طوال حياته أساسا لكل إنجاز ونجاح وسياجا يحيط بالموهبة، حتي أنها ساعدته كثيرا لتحصيل ثقافي رفيع ومعرفة بواقعه الذي كتب عنه. كما أنها أضافت لخيري دراسة لأحوالي الناس في وطنه ومعرفة بوجودهم في المكان والزمان. يضاف إلي تلك الإرادة المشحوذة أن خيري بذاته كان يتمتع بموهبة أدبية عظيمة قادرة علي التقاط كل الصفات والملامح التي تخص جماعته، وكان مدركا لسؤال الحياة والموت والصراع بينهما في تلك المناطق المغمورة والتي تعيش علي الهامش من الحياة. منذ بدأ الكتابة وخيري يحدق متأملا هناك في تلك المنطقة الغامضة الملتبسة من روح المصريين ويعمل علي إبرازها فيما أبدعه ويقدم لنا عبرمشواره الإبداعي تلك الشخصيات الغنية التي توازت مع معرفتنا بالواقع الذي نعيشه وفي حيز من المكان والزمان، ذلك الحيز الذي انشغل به خيري شلبي - كثيرا - «وكالة عطية - موال البيات والموت - لحس العتب - إسطاسطية». كان الحضور الدائم للصعاليك والمشردين والمطاردين وأصحاب المزاج يقيمون علي كراسي الغرز في المقابر بين المدنية والجبل وسكان المقابر وعمال التراحيل والعاهرات ومنكسري القلوب الباحثين عن عزاء في حضرة دافني الموتي. كل تلك النماذج أمضي خيري حياته منشغلا بها، منفعلا بالكتابة عنها، لأنه العالم الذي أقام فيه منذ أن ترك قريته «شماس عمير» إلي مدينة ملتبسة قاسية القلب حتي مفارقته لهذا العالم. كان مفعما بحب الكتابة فغامر مع أكثر أشكاله صعوبة نحت العامية وتطويعها للتعبير عن خياله - لغة الحوار، كل فقرة علي قد راويها، مشهد الريفي بأبعاده الواقعية والأسطورية. غني في إبداع يمتلكه ويمتلك رؤيته متحققا في إنجاز الرواية والقصة والبورتريه والدراما والمسرح وكتب الفكر في إطار من الطرافة والسخرية والإخلاص لمعرفة الأبعاد التي تربط بين الحياة والكتابة. ولقد حقق خيري إدراكه ومعرفته بإجابة السؤال الذي ظل يكدح الآخر لحظة من حياته - تماما - مثلما كدحت جماعته المغمورة، فكان هو الكاتب مثل البذرة التي بداخلها شجرة وارفة يستظل بها الناس والفقراء. رحم الله الصديق المحب «معرفة أربعين سنة» الأديب خيري شلبي.