كيف سينتهي المشهد العنيف في سوريا؟ هل يستجيب نظام الرئيس بشار الأسد لصوت العقل كما دعاه العاهل السعودي الملك عبدالله في رسالته العنيفة يوم الأحد أم تسقط سوريا في مزيد من بحور الدماء وتنفتح أبواب الجحيم نحو ما هو أسوأ من المواجهات الحالية إلي حرب أهلية مدمرة للجميع؟ وهل لدي الرئيس بشار القدرة علي إقناع القوي السياسية المعارضة وملايين السوريين المحتجين بخطة إصلاحات ثورية، أم تستمر سياسة الإصلاح خطوة خطوة، التي انتهت بإعلان عن قانون جديد للاحزاب يطلق عملها دون أي قيود؟ وبمعني آخر هل فات أوان الإصلاح من قلب النظام السوري، أم تنجح محاولات تعويم هذا النظام بحلول سحرية لاتزال في جعبة النظام لم يعلن عنها بعد؟ أنهار الدماء تسيل بلا توقف خاصة في مدينة حماة التي دكها حافظ الأسد بالدبابات والطيران عام 1982 في مأساة يستعيد أهل المدينة ذكراها في ظل تجدد المذابح والتي حصدت المئات من أهلها والذين خرجوا شأن الملايين الذين يتظاهرون يوميا في سوريا بشعارات موحدة وهي نفس شعارات الثورات العربية «الشعب يريد إسقاط النظام» والرد دائما هو الرصاص ومزيد من الشهداء في دائرة جهنمية لا تتوقف فالنظام مصر علي استمرار ما أسماه «مواجهة عصابات القتلة والمخربين وتنظيم القاعدة» وغيرهم والسوريون قد قدموا مئات الشهداء لن يتراجعوا بعد أن سقط حاجز الخوف من النظام. الحوار الداخلي بلا نتيجة وفي الداخل فإن كل محاولات النظام إقناع القوي السياسية المعارضة بإصلاحات جزئية آخرها إطلاق حرية تشكيل الأحزاب وحرية الصحافة وإلغاء قانون الطوارئ وإنهاء السيطرة علي الإعلام، وإجراء انتخابات تعددية لم تؤد إلي إيقاف الثورة الشعبية، فالقرار لم يعد للقوي السياسية المختلفة وإنما للملايين في الشارع الذين كفروا في الواقع بحزب البعث العربي الاشتراكي وأسقطوا أسطورة الحزب القائد حاضنة الدولة والمجتمع، وهو ما ينطبق أيضا علي الأحزاب السياسية التي انضوت في ظل جبهة قومية وتحولت إلي جثث لا صوت ولا فاعلية لها علي الإطلاق. الفساد واحتلال الجولان ولم تؤد أيضا إجراءات إبعاد أقارب وأنساب الرئيس مثل «رامي مخلوف» عن دائرة الحياة السياسية والاقتصادية، وإحالة عشرات لمحاكمات بتهم الفساد وتخفيض الأسعار لبعض المواد الأساسية في تهدئة الثورة، ذلك أن سوريا ظلت لعقود تعوم فوق بحيرة للفساد وسطوة الأجهزة البوليسية التي جعلت الخوف والرعب يتسلل إلي قلوب الملايين حتي انكسر ذلك كله مرة واحدة وإلي الأبد، وبالتالي لم تنجح الحلول المؤقتة والجزئية في إخماد الثورة. ولم يؤد عدم وجود قيادة للثورة الشعبية في إضعاف الثورة بل علي العكس فإن القيادات الشبابية بالذات التي ظهرت في كل قرية ومدينة اهتمت فقط باستمرار الثورة ووضعت هدفا واحدا لها وهو إسقاط النظام ولا شيء غير ذلك وبالتالي فإن أي قيادة لا تطرح هذا الشعار فقد فقدت أي مكانة لها في الشارع السوري. وإلي جانب الملايين الخائفة من سيناريو الفوضي ومن التدخل العنيف للجيش السوري ضد المتظاهرين، فإن الرهان لايزال قائما علي أن يغير الجيش موقفه في أي لحظة وينقلب علي قطاع بشار، وخاصة أن اللافتات التي يواجهه بها ملايين المتظاهرين الجيش مكتوب عليها «انتبه.. أنت لست في الجولان» أو «هنا حماة.. وليست الجولان» و«هنا حماة.. وليست الجولان» و«هنا الشعب السوري.. ولسنا إسرائيليين نحتل الجولان». وكما تبخر الحزب الوطني في مصر وفشل في إنقاذ نظام مبارك فإن حزب البعث فقد أي دور له ويعجز عن توفير أي مظلة شعبية للنظام، وهو نفس موقف النقابات والاتحادات العمالية والمهنية وأجهزة الإعلام التي تواصل دورها في محاولة الدعاية للنظام والتخويف من سيناريوهات سوداء قادمة، ولكن تلك الأصوات تضيع بلا أي تأثير. والمحصلة أن أي مبرر لوجود نظام بشارع لم يعد موجودا، فخرج سيناريو التوريث وإن ظل مغلقا عشر سنوات إلا أنه عاد لكي ينضح بالألم الشديد لما أصاب سوريا، في ظل إسقاط مصر واليمن لهذا السيناريو عبر ثورتي البلدين، ويريد الثأر ولو بأثر رجعي من جراء عملية توريث الحكم وسيطرة «العلويين» علي حساب بقية الطوائف التي تمت بشدة خاصة الأكراد والسنة وهم غالبية السكان، الذين أضيف إلي عملية التهميش السياسي والطائفي لهم الوقوع في كارثة أحوال معيشية لا تطاق في ظل تدني الأجور والمرتبات وزيادة الأسعار وانتشار الفساد. الضغوط الخارجية ومع استمرار الثورة الشعبية واستمرار المذابح واستبعاد أي إمكانية لحل سياسي داخلي، فإن ضغوط الخارج هي عنوان هذا الأسبوع خاصة الموقف السعودي الذي عبر عنه الملك عبدالله في خطاب انتقد فيه بشدة النظام السوري حيث دعا إلي إيقاف آلة القتل وتحكيم العقل قبل فوات الأوان، ومؤكدا أن ما يحدث في سوريا لا تقبل به المملكة بأي حال من الأحوال. وأصدر مجلس التعاون الخليجي بيانا قويا اتجه نحو إدانة النظام السوري بكلمات حادة منددا بالمذابح ضد الشعب السوري التي يجب أن تتوقف فورا. وتحركت الجامعة العربية خطوة أخري مهمة إلي الأمام بالدعوة إلي حماية الشعب السوري أيضا وإيقاف كل عمليات العنف ضده، والاستجابة للوساطات العربية لإيجاد حل سياسي سريع. أما تركيا فإنها صعدت من انتقاداتها علي قاعدة أن «سوريا شأن تركي داخلي» وأوفدت وزير خارجيتها داود أوغلو أمس إلي دمشق لإبلاغها بموقف تركيا الحاسم ، ولم تأبه للموقف السوري المسبق بأسماع وزير خارجية تركيا ردا سوريا حازما أيضا. وأصدر الاتحاد الأوروبي بيانا حمل نفس المضمون واتخذ عدد من الرؤساء في الدول العربية موقفا متصاعدا ضد النظام السوري الذي بدأ يفقد أي تفهم حتي ولو محدود من جانب دول العالم وخاصة في العالم العربي بعد الموقف السعودي الذي يمثل قطيعة تامة مع النظام السوري في ضوء سحب المملكة لسفيرها من دمشق. وانضمت قطر إلي لعب دور نشط ضد النظام السوري كما فعلت في ليبيا ولاتزال بالدعوة لمؤتمر للمعارضة في تونس، إضافة إلي الاستعداد لعقد مؤتمر جديد للمعارضة السورية في اسطانبول حيث رعت تركيا ثلاثة مؤتمرات مماثلة في محاولة لتوحيد موقف المعارضة. وانفجر الموقف في لبنان بشدة ضد الحليف الاستراتيجي ولم يتبق سوي حزب الله الذي لايزال متمسكا بالنظام السوري في ظل أنباء في مساهمته في ضرب المتظاهرين السوريين، وهو أيضا موقف إيران التي تدعم نظام بشار وترسل له أسلحة تم مصادرة شحنة منها في تركيا. سيناريو القاعدة قادم ولم يبق أمام النظام السوري سوي تفعيل كل أوراق التخويف والتهديد بأن سقوط سوريا سيؤدي إلي إغراق المنطقة في حمامات الدم التي لن ينجو منها أحد في إشارة إلي الجيران العراق والأردن ولبنان وربما تركيا نفسها.. فالنظام السوري الذي استخدم جماعات الإخوان والجهاد والقاعدة في العمل داخل العراق ضد الاحتلال الأمريكي يحذر الآن من إمكانية عودة هؤلاء خصوصا القاعدة للعمل داخل سوريا، وبالتالي فإن سقوط سوريا في يد القاعدة سيسقط المنطقة بالكامل في أياديها. البديل الديمقراطي التخويف من هذا السيناريو لم يقنع أحدا تقريبا، فهو نفس السيناريو الذي تم إشهاره طوال عقود تجاه أي قوة ديمقراطية وفي وجه أي تحول ديمقراطي، وبالتالي فإن أحدا لم يخف ولم يهرع إلي النظام للإبقاء عليه لأنه أفضل وأهون من القاعدة وأخواتها، ذلك أن نظام بشار فقد كل مبررات وجوده فلا هو حارب وحرر الجولان التي لم تشهد طلقة واحدة من 1973 حتي الآن فيما الرصاص يستهدف الشعب السوري بالآلاف ولا يوجد أي مبرر داخلي لبقاء هذا النظام في ظل دولة بوليسية قمعية وحزب فاشل ارتبط بالسلطة ولم يرتبط بالشعب، وفساد وإفقار ضمن فاتورة كبيرة يعاني منها الشعب السوري مثل بقية الشعوب العربية الأخري التي ثارت وتثور، وبالتالي لا حل سياسيا داخليا للوضع في سوريا التي أصبح سقوط نظامها مجرد وقت حتي لو طال فقد سقط النظام حين سقط الخوف من واحد من أبشع الأنظمة البوليسية القمعية الفاسدة في العالم العربي ويضاف لها عجزها التام عن تحرير أراضيها من الاحتلال الإسرائيلي.