الاحتماء بالشعب كلما ازدادت الشقة بين الشباب المصري الذي اطلق شرارة الثورة وبين القوي التي تسلمت السلطة، وتباعدت المسافات بينهم - كلما كان الملاذ الوحيد لهؤلاء الشباب الثوريين هو الاحتماء بالشعب والالتحام بالكادحين والعمل معهم لأنهم قاعدة الثورة المقبلة ذلك أن ازدياد الوعي بالواقع الاجتماعي الاقتصادي الشعبي ليس مسألة تثقيف ذاتي فحسب وإنما هو بالدرجة الأولي خبرة بحياة الناس وحساسية ازاء آلامهم واشواقهم وتطلعاتهم وأحلامهم. ومثل هذا الالتحام مع الشعب واكتساب الخبرة من التعرف الحقيقي عليه سوف يكون هو التجسيد الأكثر كمالا وانسجاما لأخلاقهم الثورية ولتطلعهم إلي استكمال الثورة والحيلولة دون قطع الطريق عليها خاصة أن الثورة لم تنجح بعد في قصقصة أجنحة الاستغلال الرأسمالي أوالتخفيف من حدته وبقيت الاحتكارات ورؤوس الأموال الكبيرة متنفذة - اقتصاديا علي الاقل- تماما كما كانت قبل الثورة، وهي تستقوي بالإعلان المتكرر لكل من الحكومة والمجلس العسكري أنه لا رجعة عن اقتصاد السوق الحر، بل إن هناك ترددا بل وتناقضا بلا اطراف في الحكم حول فرض الضريبة التصاعدية وتحديد حد أعلي للأجور، ويكتفي القائمون علي الأمر في هذا الصدد باطلاق شعار غامض هو العدالة الاجتماعية دون أي ملامح لمضمونها. إن الاحتماء بالشعب سوف يضمن لهؤلاء الشباب الإعلاء من شأن المبادئ الأخلاقية والثورية والجمالية في علاقات هؤلاء الشباب بالكادحين والتعلم من خبرتهم، ولعلنا في هذا الصدد نذكر أن كما هائلا من الاعمال الأدبية والفنية قد جري انتاجه في كل ميادين مصر أثناء أيام الثورة، وأن هؤلاء الشباب كانوا في أيام الثورة قدوة في العمل وفي الأسرة وفي الشارع وفي معاملة الناس معاملة قلبية تخاصم البيروقراطية والتعالي الطبقي وتبتكر أشكالا للأخوة والمساواة واحترام الكرامة الانسانية وكان الشعور بهذه الكرامة التي سبق وجري اهدارها حافزا أساسيا لكادحي وسكان العشوائيات للانخراط في الثورة دون إحداث أي تخريب أو فوضي. ولكي تنمو هذه القيم وتتواصل نحن في أمس الحاجة لاستثمار مناخ الحرية الذي وفرته الثورة حتي يكون التحرك الشعبي من أجل الحقوق منظما وفاعلا وحضاريا، بعد أن قدمت الجماهير نماذج للإدارة الذاتية الجماعية فحين غابت الشرطة وانطلق البلطجية تشكلت اللجان الشعبية وقامت بالأدوار التي كانت منوطة بالمجالس الشعبية وقد تحولت هذه الأخيرة إلي مراتع للفساد والحزب الحاكم وأبواق للتوريث. وسوف يوفر لنا التعلم من خبرة تأسيس اللجان الشعبية القدرة علي وضع أساس علمي لإدارة المجتمع، وبناء الدولة المدنية الديمقراطية من القاعدة صعودا إلي السلطة العليا، وإطلاق وتعظيم الدور الواعي الهادف المؤثر الذي يقوم به الشعب في النظام الاجتماعي لتجاوز الديمقراطية الشكلية وبناء تجربة ديمقراطية تنهض علي جناحين سياسي واجتماعي- اقتصادي. علمتنا التجارب الثورية الحديثة للشعوب أنه يستحيل في ظل الرأسمالية انضاج كل المقدمات الثقافية لأجل بناء مجتمع الثورة علي أساس نظام جديد خال من الاستغلال، وهذا هو ما حدث في ثورتنا فرغم أن شرارتها اطلقتها مقدمات ثقافية علي أرضية اجتماعية اقتصادية مهدتها سلسلة الاحتجاجات الطويلة قبل خمس سنوات علي الأقل من الثورة، وذلك حين انخرط مئات الآلاف من الشباب في اتقان فنون ثورة الاتصال التي هي ثورة ثقافية في المقام الأول، فإن أدوات هذه الثورة لم تكن متوافرة للشعب كله بل إن الأغلبية الشعبية مازالت غريبة عنها حيث ترزح نسبة كبيرة من الشعب المصري قد تزيد علي 30% تحت وطأة الأمية الابجدية فما بالنا بالأمية التكنولوجية وحيث تعرف الأممالمتحدة الأمي بأنه ذلك الذي لا يجيد لغة الكمبيوتر، ولعل شباب الثورة أن يبادر إلي وضع خطة قومية لتعليم الأميين ينهضون هم بها. الثقافة الجديدة والثورية هي إذن طريق لتعميق الثورة والسير بها إلي الأمام خاصة بعد أن كسر الشعب المصري حواجز الخوف والصمت، ولم يعد بالإمكان العودة به إلي ما قبل 25 يناير حين تفجرت طاقاته وامكاناته المبدعة. ومن حسن حظ المثقفين والشباب أن في مصر الآن وزيرا للثقافة سبق أن علمته الأدبيات الثورية أن العمل في أوساط الكادحين والارتباط بآلامهم وأحلامهم هو الطريق الذهبي لانفلات المثقف من عزلته التي طالما فرضتها عليه نظم الاستبداد والفساد. وعود الثورة كثيرة وإن كان الطريق لايزال طويلا وشاقا.