والحكاية كما يلي: د. عصام شرف .. قلتم إنكم تستمدون شرعيتكم من ميدان التحرير وفرح الشباب بكم وحملوكم علي الأكتاف ، فهل يمكن أن تنوبوا عن الشباب والرجال والنساء والمصابين وعن أرواح الشهداء أيضاً في تخليص البلاد من فكر الحزب الوطني الذي يعشش في دواوين الحكومة للأسف ؟ . إلا العلاج يا دكتور عصام .. إنه مثل التعليم وقضايا أخري مهمة بمثابة " خط أحمر " لا يجوز الجور عليه لأنه قضية أمن قومي.هل يمكن أن نسمع إعلاناً صريحاً وبياناً عاجلاً من السيد رئيس الوزراء يطمئن الشعب ويعلن بحسم وقف تطبيق بعض بنود هذا المشروع الذي تم فجأة في السويس وسط اعتراضات السوايسة والذي يريد الوزير تطبيقه في الاسكندرية مع صيف يوليو ؟.. هل يمكن ذلك أم أن المطلوب الدعوة لمليونية جديدة.. وليكن اسمها مليونية " حقي في العلاج " في يوم جمعة تطهير الحكومة من الحزب الوطني ؟! أصابني الدوار وشعرت بزغللة في عيني وكدت أقع من طولي منذ أيام ، ذلك أني تصورت أن بائعة الصحف التي اعتادت أن تحجز لي الصحف .. قد خدعتني لأول مرة ودست لي نسخة قديمة من " المصري اليوم " ؛ حيث أقرأ كلاماً سبق أن قرأته بالنص تقريباً منذ أكثر من عام .. حاولت أن أتماسك وبعد فحص وتمحيص أيقنت إنني ظلمت البائعة وتأكدت أن النسخة التي في يدي حديثة بتاريخ اليوم نفسه وهو الثلاثاء 17 مايو 2011 . إيه الحكاية بالضبط؟!. نجاح الضغوط علي مدار عام 2010 ، أعلن د. حاتم الجبلي وزير الصحة الأسبق عن مشروع للتأمين الصحي . قال القضاء كلمته في المشروع وأكدت حيثيات محكمة القضاء الإداري أن المشروع يتنافي مع فكرة العدالة الاجتماعية إلي جانب أسباب أخري كثيرة رصدتها الحيثيات للتأكيد علي رفض مشروع الجبلي ، وتحركت أطراف أخري عديدة منها لجنة الحق في الصحة التي تضم أكثر من 25 حزباً ومنظمة مدنية ومنها جماعات عمالية عديدة تحركت لترفض مشروع القانون ونجح الضغط الشعبي في عودة القانون للأدراج مرة أخري بعد أن كاد أن يقترب من الدخول عبر بوابة مجلس الشعب للحصول علي الموافقة .. ولكن الجبلي مسنود من جمال مبارك استمر يتحدي القضاء والرأي العام ويبشر بقرب صدور القانون وكان آخر مؤتمر للحزب الوطني الراحل مهرجاناً للترويج للقانون الكارثة وتزعم المروجين كل من أحمد نظيف وجمال مبارك .. وبالطبع حاتم الجبلي . ومن ضمن ما كان يردده الجبلي آنذاك قوله : " القانون جاهز ولكن المشكلة في تدبير الموارد». ولكن ما علاقة كل ذلك بحالة الدوار والزغللة وبائعة الصحف وعدد الثلاثاء من " المصري اليوم " ؟ ! عودوا إلي العدد لتقرأوا وزير الصحة الحالي د. أشرف حاتم يقول نصاً: " المشكلة في تدبير الموارد " وعندما سئل عن رأيه في مشروع قانون حاتم الجبلي رد قائلاً : " أعتقد إنه معقول جداً ولكن لم يعرفه أحد حتي الآن ".. يا خبر !!. القضاء رفضه وصحف عديدة نشرت تعليقات مهمة حول القانون علي رأسها جريدة " الأهالي " والناس قالت رأيها عندما عرفت ما يمثله من كارثة والوقفات الاحتجاجية تكررت حتي في عز شمس أغسطس الماضي ثم يأتي السيد الوزير ليقول :«لا أحد يعرف القانون»! أمل الفقراء سيدي الوزير .. إذا كنت غير متابع بشكل قطعي لشئون المجتمع ؛ فأرجوك ثم أرجوك أن تطلب من إدارة الإعلام بالوزارة أن تعد لكم ملفاً بكل ما يتعلق بردود الأفعال ضد قانون الجبلي، ويكفي فقط ما تم طوال العام الماضي.. وسيبك من السنين اللي قبل كده . ولكن الكارثة الأكبر قولك عن القانون إياه : "معقول جداً" !! ، لأن هذا يعني تحديداً أنك توافق علي تحميل المريض أعباء باهظة لا يستطيع عليها الغالبية العظمي من أفراد الشعب.. فالقانون المذكور يقرر تحميل المريض بسداد 30% من التكلفة سواء التحاليل أو الأشعات أو الأدوية أو العمليات الجراحية وبعبارة أخري لو أن مواطناً دخل لإجراء عملية جراحية دقيقة «لنقل أن تكلفتها علي الأقل نحو 25 ألف جنيه» عليه أن يسدد مبلغ 7 آلاف وخمسمائة جنيه .. أو يموت ! والقانون الذي يراه الوزير " معقولاً جداً " يكتفي بتقديم خدمة العلاج من الأمراض البسيطة أما أمراض السرطان والكلي و... فهي خارج العلاج ... ثم بعد ذلك يزعم عفواً الوزير أن القانون يقوم علي التكافل ! ما نعرفه أن قانون التأمين الصحي الحالي هو الذي يقوم علي التكافل وطالما أنت منتفع فإنك تتلقي علاجك كاملاً دون أن تتحمل أي أعباء مالية .. آه صحيح أن المتعامل مع التأمين الصحي الحالي يعاني لكنه يتحمل فهو الأمل الأساسي للفقراء في تقديم خدمة العلاج أما الأخطاء فيمكن علاجها تحت شعار " إصلاح التأمين الصحي وليس هدمه ". هدم الفكرة وبالمناسبة ، في بريطانيا مثلاً حيث التأمين الصحي الأمثل علي مستوي العالم فإن المواطن هناك سواء فقيراً أو غنياً يدفع الاشتراك نفسه ويتلقي الخدمة نفسها في العلاج بدون تحميله أي نسبة من التكلفة , ولكن الدولة هناك تنظم مسألة تدبير الموارد من خلال عدة صناديق يخص بعضها العاملين ويخص بعضها المحالين للمعاش. وأياً كان الأمر لايمكن لأي مستشفي هناك أن يطلب من المريض سداد 30 % من التكلفة أو حتي 1 % لأن ذلك يعني عند الذين يقدرون شعوبهم وعند الشعوب التي تشارك في صنع قوانينها : هدم فكرة التأمين الصحي من أساسها وهدما لمنظومة الأمان الاجتماعي وهدما لبنيان المجتمع نفسه. ومن العجيب أن الوزير يتمحك في لجنة تضم ضمن أعضائها د. سمير فياض كما لو كان يريد أن يوحي أن د. فياض موافق علي مشروع الجبلي في حين أن معلوماتي من خلال مناقشات مستفيضة مع د. سمير فياض تقول إنه يعتبر تحميل المريض بأي نسبة من التكلفة نوعاً من الخزعبلات التي تضرب فكرة التأمين في مقتل .. قد نتفق أو نختلف في موضوع فصل الخدمة عن التمويل أو في موضوعات أخري لكن النقطة الجوهرية والخطيرة والتي يجري التعتيم عليها مع سبق الإصرار والترصد تكمن في تحميل المريض بثلث تكلفة العلاج أو حرمانه من العلاج من حزمة أمراض خطيرة . ولكم أن تتخيلوا مريضاً بمرض مزمن يحصل حالياً علي دوائه من التأمين الصحي «ولتكن قيمته 3 آلاف جنيه شهرياً» فإنه سيصبح مجبراً علي سداد 900 جنيه منها أول كل شهر عند تطبيق قانون الجبلي ( المعقول جداً !) ويزيد المبلغ طبعاً عند إجراء التحاليل والفحوصات اللازمة للمتابعة الدورية !.. تخيلوا كم مليوناً سيكونون عرضة للموت لعدم قدرتهم علي تدبير 30% من التكلفة؟ إن الوضع جد خطير ويكفي أن الضغط الشعبي نجح قبل ثورة يناير في تأجيل مشروع الجبلي رغم كل القيود ، فإذا بالقانون يطل علينا بنعومة في ظل حالة الضبابية التي يعيش فيها المجتمع والتي نخلد فيها إلي النوم لنفاجأ أحياناً حين نستيقظ بصدور قوانين دون أي مناقشة!. ويبقي السؤال : هل وزير الصحة ( شغال لوحده ) أم هو جزء من حكومة متكاملة ؟ .هل يعلم رئيس الوزراء بما يخطط له وزير الصحة أم أن الوزير يتلقي التعليمات من " بورتو طرة " ؟ لا أعتقد أن د. عصام شرف يوافق علي رؤية د. أشرف حاتم التي هي رؤية حاتم الجبلي وجمال مبارك ؟ هل هانت علينا دماء الشهداء ؟ هل خرجت الملايين تهتف : " حرية .. كرامة .. عدالة اجتماعية .. " ليستمر يحكمنا فكر الحزب الوطني الذي دمر البلاد ونشر الفساد وحطم الأمل في نفوس الشباب وامتهن كرامة الإنسان وحرم الغالبية من حقها في العمل والعلم والعلاج والعيش الكريم ؟ ,, إيه اللي بيحصل ده ؟ اللهم قد بلغت .. اللهم فاشهد.