لأول مرة تعبر جامعة الدول العربية عن «الشعوب» بعد أن ظلت طوال تاريخها تعبر وتدافع عن الأنظمة السياسية للدول الأعضاء فيها، وذلك من خلال إصدار مجلس وزراء الخارجية العرب قرارا يفوض مجلس الأمن الدولي بفرض منطقة حظر جوي علي حركة الطيران العسكري الليبي وتحمل مسئولياته إزاء تدهور الأوضاع في ليبيا، علاوة علي الاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي، وسحب الشرعية عن النظام الليبي في ظل استخدامه للقوة ضد المدنيين. وفتح مجلس الجامعة العربية الأبواب أمام الحوار والتقارب مع المجلس الوطني الليبي لتوفير الدعم العاجل والمستمر للشعب الليبي، وتوفير كل سبل الحماية الممكنة له إزاء ما يتعرض له من انتهاكات جسيمة وجرائم خطيرة من جانب السلطة الليبية. صحيح أن الجامعة العربية لا تملك جيشا لحماية الشعب العربي الليبي إزاء ما يتعرض له من عمليات قصف واعتداءات وحشية من جانب النظام الليبي، إلا أن الجامعة قطعت شوطا مهما في التخلي عن سياستها التقليدية بالصمت إزاء ما تتعرض له الشعوب من اعتداءات وهو ما حدث سابقا في العراق علي سبيل المثال وليس الحصر لعدة عقود، وهو ما جعل الشعب العراقي «يكفر» بالجامعة العربية والأمة العربية، وربما ساهم ذلك في لجوء عديد من فصائل المعارضة العراقية إلي الولاياتالمتحدة والدول الغربية والأمم المتحدة لمساعدتهم لمواجهة بطش نظام صدام حسين. التعاون الخليجي وكان لدول مجلس التعاون الخليجي الست الدور الأكبر في إصدار الجامعة العربية لقراراتها المهمة والجريئة والشجاعة الخاصة بدعم الثورة الليبية والدعوة لفرض منطقة حظر جوي لإنقاذ الشعب الليبي في بنغازي والمناطق المحررة من اعتداءات النظام، استنادا إلي سابق تجربتها في رعاية استصدار قرارات مماثلة من مجلس الأمن الدولي بالتعاون مع الولاياتالمتحدة ودول غربية لحماية الشعب العراقي في الشمال «الأكراد» والجنوب «الشيعة». ووفقا لتصريحات الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسي في المؤتمر الصحفي الذي عقده عبء إصدار الجامعة لقراراتها أن المطلوب فيما يتعلق بالحظر الجوي التركيز أساسا علي عملية التشويش لمنع الطائرات من اصطياد المدنيين بدقة كإجراء وقائي لحماية المدنيين. وعمليا فإن الجامعة عبر تجميد عضوية ليبيا فيها ومنعها لوفدها من المشاركة في أعمال المجلس الوزاري ثم دعوتها لمجلس الأمن لممارسة مسئولياته نحو حماية الشعب الليبي، فإنها قدمت المظلة العربية التي طالبت بها الدول الغربية الكبري خاصة بريطانيا وفرنسا والولاياتالمتحدة وأصبحت الكرة في ملعب هذه الدول لمتابعة الجهود الدولية لحماية الشعب الليبي، وهو ما دعت إليه الصحف الأوروبية مثل صحيفة «الإندبندنت» التي حذرت المجتمع الدولي من تكرار مأساة «سبرنتسا» مرة أخري، حيث قامت القوات الصربية بقتل آلاف المسلمين بدم بارد في مذابح جماعية اتبعت خلالها سياسة الأرض المحروقة. إنقاذ بنغازي ومع تسارع العد التنازلي لقرب اقتحام قوات القذافي مدينة بنغازي فإن شبح ما حدث في «سربرنتسا» وفي مدن عراقية يعود إلي أرض الواقع من جديد بكل ما تحمله الذكريات من عمليات إعدام وحشية وهو ما حدث بالفعل في المدن والمراكز التي نجحت قوات القذافي في استعادتها حيث تتحدث التقارير الدولية في عمليات إعدام جماعية في «رأس لانوف» و«الزاوية». والواقع أن أحدا لم يراهن علي إمكانية نجاح قوات المقاومة ومعظمها من المدنيين الذين تلقوا تدريبات سريعة علي القتال الدفاعي، في إمكانية هزيمة قوات الجيش الليبي التي تستخدم قوة مفرطة في مواجهة الانتفاضة الثورية، بحثا عن أول انتصار يمكن أن يحققه هذا الجيش بعد أن خسر حروبا سابقة أسوأها ما حدث في تشاد حيث ترك معداته الثقيلة من دبابات ومدرعات في الرمال دون أن يطلق منها طلقة واحدة. وفي المقابل فإن قوات المقاومة لا تتلقي إلا اليسير من المساعدات التي تم تهريبها سواء علي الحدود مع مصر أو عبر البحر، حيث تتواجد قطع بحرية أمريكية وأوروبية تقوم أساسا بعمليات مراقبة. وبغض النظر عن النتائج التي ستسفر عنها المعركة العسكرية التي يخوضها الجزء الأكبر من الجيش الليبي ضد الجزء الأصغر الذي انضم للثورة بالمشاركة مع جماعات المقاومة المدنية، فإن ليبيا قبل الانتفاضة لن تعود مرة أخري، وسواء قام القذافي بمذابح أو أصدر نظامه عفوا عاما، فإن آثار هذه الانتفاضة الشعبية الباسلة والنادرة في تاريخ الشعوب العربية سوف تلقي بظلالها علي مستقبل الأوضاع في ليبيا ولن يستطيع النظام الليبي الاستمرار في الحكم بالوسائل القديمة التي حكم بها طوال 42 عاما. الربيع العربي وحتي الجامعة العربية فإنها قطعت شوطا كبيرا نحو التوجه إلي مهمتها الأساسية وهي حماية الشعوب العربية، وبغض النظر عما يتردد أن الأمين العام عمرو موسي دعا إلي اتخاذ هذا الموقف لدعم شعبيته في الترشح للرئاسة في مصر، فإن الجامعة لن تعود أيضا إلي ما كانت عليه قبل ثورات الربيع العربي التي غيرت العالم العربي بأكمله من المحيط إلي الخليج. وسوف يكون أمام العالم وخاصة الدول الغربية بقيادة الولاياتالمتحدة أن تتبني مدي إخلاصها للديمقراطية وحريات الشعوب، بعد أن نقلت الجامعة العربية المسئولية إلي مجلس الأمن الذي سبق وأن أصدر قرارا بمعاقبة النظام الليبي استنادا إلي الفصل السابع، والآن عليه وقد وجد المظلة العربية أن يواصل محاولة حمايته للشعب الليبي وانتفاضته الباسلة وعدم السماح بانفجار عمليات العقاب والانتقام والقتل الجماعي التي هي الأقرب للحدوث في الأيام القادمة بعد أن وصلت الثورة الليبية إلي أقصي ما تستطيع القيام به.