الوطن والمواطنة وهؤلاء قفزت اللحي والجلابيب وأغطية الرءوس البيضاء علي مشهد وواقع أيام ما بعد ثورة الشعب المصري، فها هم المسلمون بالسلفيين وغيرهم من المتأسلمين يجلسون علي مقاعد التليفزيون المصري أمام الكاميرات، يجلسون علي نفس المقاعد التي جلس عليها الفاسدون والقتلة من أعضاء الحزب الوطني وسارقو مصر وشعبها من رموز النظام السابق، يجلسون علي نفس المقاعد أمام نفس المذيعين الذين يديرون الحوارات بنفس اللزوجة والسطحية والنفاق، وكأنهم هم القادمون؟ وها هم يتصدون وكأنهم يملكون العصا السحرية لحل مشكلات مصر، تلك المشكلات التي اصطنعوها وغذوها ورعوها حتي تغلغلت كالسرطان في العقول وأهمها تغييب العقل وإنكار الآخر وبث الفرقة والفتنة الطائفية. ماذا يفعل هؤلاء في ثورة شعب عمدها بدماء شهدائه وهم الذين كفروا الخروج علي الحاكم، وأنكروا المواطنة ووضعوها في خانة الكفر الغربي والإلحاد، وهم الذين نزعوا عن المسيحيين حقوق المواطن واعتبروهم ونحن في القرن الواحد والعشرين أهل ذمة، وهم الذين لا يرون المرأة إلا مكفنة بأكفان سوداء لا يخرج من بين شفتيها صوت، ولا يبدع عقلها بفكرة، هؤلاء الذين أرادوا وفعلوا دون مواربة ويواصلون حتي يجرونا إلي كهوف التخلف والجهل منكرين إعمال العقل والعلم والحرية. ماذا يحدث وكيف قفز هؤلاء علي ثورة عمدتها دماء الشهداء وهم يهتفون حرية، وهم الذين ومنذ أن رأوا بشائر نجاح ثورة الشعب المصري يحاولون إصباغها بصبغة طائفية فقد هبطوا علي الميدان لسرقة الثورة، ولما لم يفلحوا أطلقوا الصراخ فيما لم يطرحه أحد وهو المادة الثانية من الدستور وبينما الثوار في الميدان قطع بعضهم شارع الهرم في محاولة جديدة للقفز علي الثورة ورفعوا شعار «إسلامية إسلامية» وصرخوا أن المادة الثانية من الدستور خط أحمر «وهو كان حد قرب منها ولا هي الحكاية جر شكل». ثم ومنذ أيام وقفوا أمام مجلس الوزراء يطالبون بكاميليا ووفاء بينما الوطن ينتظر أن يخطو نحو المستقبل، فماذا أرادوا إلا أن يعلنوا عن وجودهم، الذي يكتمل بكثافة في المشهد فمن «صول» إلي استديوهات التليفزيون مسافة بها المساجد والزوايا والميادين وقد انتشروا ليحتلوا المسافة والزمن. فهل يستمر هذا الوجود بعد الثورة التي رفعت شعار «لا دينية ولا عسكرية عايزينها دولة مدنية» ثم هل عجزت أعرق دولة في التاريخ عن حل مشكلاتها بالقانون حتي تلجأ لمن يحاربون القانون والاحتكام إليه، وهل سيتم تثبيت المشهعد عند وقوفهم علي أنقاض كنيسة صول استعدادا للوقوف علي أنقاض الوطن والمواطنة؟