مثل باقي زملائه بالمدرسة خرج «سيف» منطلقا للشارع خارج أسوار المدرسة بعد الانتهاء من أداء امتحانات اليوم الأخير للفصل الدراسي الأول، سارع يلهو مع أصدقائه ويتبادل القفشات وتعلو ضحكاتهم تملأ الفضاء وتتضافر علي أرصفة شارع عباس العقاد بمدينة نصر في طريق عودتهم إلي حيث ينتظرهم الآباء والأمهات، زهور صغيرة مازالت في فجر العمر علي أعتاب المرحلة الثانوية بالصف الأول الثانوي تسير نحو إشراق شمس الحياة والمستقبل، سعادة غامرة تجمعهم بعد أداء امتحان مادة «الأحياء» يوم «الخميس» 27 يناير الماضي والحصول علي إجازة نصف العام الدراسي، ولأنه الأكثر نشاطا وطاقة ورغبة في احتضان الإجازة من أجل الخروج واللعب مع الأصدقاء كان «سيف» الأكثر مرحا وفرحا، أعرفه رغم عدم رؤيته، وأشعر نحوه بالامتنان رغم عدم التحدث معه، اسمه محفور في الذاكرة منذ عام أو أكثر.. عندما كان أحد أبناء أسرة مقربة يتحدث أمامي عن صديقه «سيف» ومغامراتهما بالمدرسة، سألت هو اسمه «سيف» إيه، تبين أنه «سيف مصطفي»، وقتئذ شعرت بارتياح شديد وغمرني إحساس جارف بالحب نحو «سيف». فالأسرة المقربة مسيحية وغالبية صداقات وعلاقات أبنائها مع مسيحيين بحكم أماكن التواجد وحتي ممارسة الأنشطة المختلفة. لذلك عندما تحدث أحد أبناء الأسرة عن صداقته لسيف مصطفي أحسست بالاطمئنان علي مستقبل الوطن ووحدة أبنائه رغم بعض الأحداث الطائفية التي تعكر صفو العلاقات، بل كنت أتمني لو أري «سيف» لأساعد علي توطيد علاقته مع صديقه الذي يتحدث عنه دائما بالود والحب، لكن شاءت الأقدار أن أشاهد صورته فقط.. وياللحزن وياللحسرة والألم والدموع التي لا تفيد، شاهدت صورة «سيف» وسط صور شهداء ثورة الشباب. لقد أصابه عيار ناري ورصاصات غادرة انطلقت بأيدي زبانية النظام أمام قسم شرطة مدينة نصر أول، كان «سيف» في طريق عودته للمنزل يوم «جمعة الغضب» 28 يناير الماضي عندما انهمر الرصاص بضراوة وغلظة قلب ليحصد أرواح زهور تتفتح سالت دماؤها الذكية ثمنا باهظا للحرية والتخلص من الاستبداد.. سقط «سيف» شهيدا في أول يوم من إجازة نصف العام التي انتظرها واستقبلها فرحا ليلعب ويمرح مع أصدقائه، تعود الدراسة «السبت» القادم بدون «سيف»، تفتح المدرسة أبوابها ولا يذهب «سيف» ليظل مقعده خاليا بالصف الأول الثانوي E. تخلي مبارك عن موقعه الرئاسي لا يكفي أبدا لعودة السكينة لقلوب الآباء والأمهات التي انفطرت حزنا وكمدا علي فلذات الأكباد شهداء الوطن.