مؤتمر للوحدة الوطنية اختار الإرهاب الدقيقة العشرين من بداية عام 2011 ليوجه ضربته الغادرة لوحدة الشعب المصري، مستهدفا اغتيال أكبر عدد من الحاضرين للقداس المقام بكنيسة القديسين مار مرقوص والأنبا بطرس بمنطقة سيدي بشر في الإسكندرية احتفالا ببداية رأس السنة الميلادية والذين كان يربوا عددهم علي 1000 مصري مسيحي، وأسفر الانفجار الذي وقع بين المتجمعين أمام الكنيسة، والذي ترجح أجهزة الأمن قيام انتحاري به بعد أن كانت الأنباء قد نسبته إلي سيارة مفخخة، أسفر عن 21 شهيدا و96 جريحا بينهم 8 من المسلمين، وكرد فعل طبيعي تظاهر مئات المسيحيين الذي تجمعوا أمام الكنيسة وشاهدوا جثث الشهداء وأشلاءهم ودماءهم في المكان، وهم يهتفون «بالروح بالدم نفديك يا صليب»، ورشق بعض الغاضبين منهم المسجد المواجه للكنيسة بالحجارة مما أدي لتهشيم زجاج واجهته، وحدث اشتباك بينهم وبين قوات الأمن التي هرعت إلي المكان واستخدمت الهراوات وقنابل الغاز لتفريقهم ورشق بعض الشباب المسلم الذين كانوا يقفون خلف قوات الشرطة أثناء الاشتباكات المتظاهرين بالحجارة. وصدرت عشرات البيانات التي تستنكر الحادث وتؤكد الوحدة الوطنية وتدين الساعين لإحياء الفتنة الطائفية بين مسلمي ومسيحيي مصر، لا فرق في ذلك بين رئيس الجمهورية الذي وجه بيانا في منتصف نهار السبت أول يناير 2011 عبر التليفزيون والإذاعة مستنكرا هذا الفعل الإرهابي، أو أمين الحزب الوطني أو رئيس حزب التجمع ورئيس حزب الوفد وأحزاب المعارضة عامة، أو مجالس ورؤساء النقابات المهنية أو العمالية أو منظمات المجتمع المدني، أو بابا الأقباط أو شيخ الأزهر أو مفتي الديار المصرية، ورجحت أجهزة الأمن ورئيس الجمهورية وعديد من المراقبين والمعلقين، وقوف تنظيم القاعدة وراء هذه العملية الإرهابية، مشيرين إلي أن تنظيم القاعدة في العراق الذي يحمل اسم «تنظيم دولة العراق الإسلامية» كان قد وجه تهديدا لمصر عقب هجومه الإجرامي علي كاتدرائية السريان الكاثوليك في بغداد في 31 أكتوبر الماضي ومقتل 53 من المسيحيين العراقيين، باستهداف «أقباط مصر وقتلهم جميعا وتدمير جميع نصاري المنطقة» ما لم يفرج البابا شنودة خلال 48 ساعة عن «السيدتين وفاء قسطنطين وكاميليا شحاتة» والتي يزعم إسلامهما واحتجاز الكنيسة لهما في أحد الأديرة وإجبارهما علي العودة إلي المسيحية. وبصرف النظر عن كون هذه الجريمة الإرهابية نتيجة الاحتقان وأوضاع داخلية أم تنفيذا لمخطط خارجي تقف وراءه قوي أجنبية سواء كانت القاعدة أو إسرائيل في أقوال وتحليلات أخري، فالمؤكد أن أي مخطط خارجي لا يحقق النجاح في أي بلد كان ما لم تكن هناك عوامل داخلية تستغلها وتستند إليها القوي الخارجية، والفتنة الوطنية في مصر والتي اتخذت بعدا طائفيا ظاهرا منذ أحداث «الخانكة» عام 1972 والتفجيرات الطائفية أعوام 1975 و1976 و1977، وأحداث الزاوية الحمراء عام 1981 وتحديد السادات لإقامة البابا شنودة في مذبحة سبتمبر، وبلوغ الفتنة قمتها في أحداث قرية الكشح عام 1998 وتكرارها عام 1999 - 2000، والعنف الطائفي في قري محافظة المنيا في نفس الفترة، وصولا إلي انفجار الفتنة الطائفية في الإسكندرية عام 2005 وأحداث قرية بمها بمحافظة الجيزة 2007.. تقف وراءها أسباب وممارسات يتحمل الحكم القائم مسئوليتها. فهناك تمييز ضد الأقباط في مصر سواء علي المستوي القانوني أو الواقعي.. بداية من تولي الوظائف العامة حيث لا يوجد قبطي واحد يحتل موقعا رئيسيا في القوات المسلحة أو الشرطة، ولا يوجد قبطي واحد في جهاز المخابرات العامة أو مباحث أمن الدولة، أو رئيسا لجامعة حكومية أو مديرا لمنطقة تعليمية أو محافظا «قبل تعيين قبطي محافظا لقنا»، ولا يسمح بقبول الأقباط في كليات جامعة الأزهر غير الدينية «الطب والهندسة والصيدلة وطب الأسنان والترجمة» بينما تفتح أبوابها لطلاب مسلمين غير مصريين من 90 دولة أجنبية وبينما تقبل المدارس القبطية المنتشرة في مصر طلابا أقباطا ومسلمين دون تفرقة، وتتجاهل مناهج التاريخ في المدارس المصرية الحقبة القبطية في التاريخ المصري والتي تقترب من 700 عام (من عام 70 ميلادية إلي عام 641 ميلادية) ويعاني الأقباط من صعوبات جمة في بناء الكنائس أو ترميمها، وهناك اختراق لعناصر أصولية متطرفة لأجهزة الإعلام الرسمية تتعامل مع الأقباط باعتبارهم كفارا. وشهد عام 2010 سلسلة من الأحداث الطائفية، بدءا بجريمة نجع حمادي ليلة احتفال الأقباط بعيد الميلاد المجيد وقتل 6 مسيحيين وحارس مسلم، ورغم إلقاء القبض علي الفاعلين فماتزال القضية منظورة أمام القضاء ولم يوقع أي عقاب علي المتهمين، وتوالت أحداث الفتنة التي وصلت لأول مرة إلي مرسي مطروح التي شهدت اشتباكات بين مسلمين وأقباط في مارس الماضي، وإحراق عشرة منازل ومتجر ومخزن مملوكة لأسرة قبطية من قرية النواهض، والمصادمات بين الشرطة ومتظاهرين أقباط كانوا يحتجون علي قرار بوقف تشييد كنيسة في العمرانية بالجيزة، وأدت الصدامات إلي سقوط قتيلين واصابة 67 شخصا وحبس 156 من المتظاهرين. واستمرار هذه الأوضاع والممارسات يهدد وحدة الوطن وتماسكه، وهناك جهود جماعية عديدة للتصدي لهذه المشكلة، من أهمها تقرير لجنة تقصي الحقائق الذي أعدته لجنة من مجلس الشعب المصري برئاسة د. جمال العطيفي عام 1972، وآخرها مؤتمر «الوحدة الوطنية والتصدي للفتنة الطائفية» الذي نظمته نقابة الصحفيين المصريين يوم الأحد 10 أكتوبر 2010 - أي منذ أقل من 4 أشهر وأصدر بيانا يتضمن برنامجا لحل المشكلة من ثلاثة بنود الأول يتناول مطالب محددة من الدولة والحكومة، والثاني مسئولية المؤسسات الدينية والثالث مسئولية الصحافة وأجهزة الإعلام، يقول البيان: يعلن المشاركون في هذا المؤتمر تنسيق جهودهم والتحرك بكل قوة للقضاء علي أسباب «الفتنة الطائفية» طارحين علي الدولة والمجتمع برنامج العمل التالي: أولا: مطالبة الدولة والحكومة بما يلي: 1- الإسراع بالتغيير السياسي والدستوري الديمقراطي وتأكيد دولة القانون التي تضمن حقوق المواطنة كاملة غير منقوصة لكل المصريين بصرف النظر عن الدين أو العقيدة أو الأصل أو الجنس أو اللغة أو الانتماء السياسي، وترجمة حق المواطنة في الدستور إلي قوانين وتشريعات تقوم علي أساس المواثيق والاتفاقات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان. 2- إصدار قانون يعاقب علي ممارسة التمييز علي أساس ديني أو عرقي أو علي أساس عقائدي، ويعوض من يتعرض لمثل هذا التمييز. 3- اتخاذ الإجراءات التي تكفل وقف التمييز علي أساس الدين أو العرق في تولي بعض الوظائف العامة، ووضع نظام لانتخابات المجالس التشريعية يضمن تمثيلا مناسبا لهم فيها. 4- إصدار قانون موحد لبناء دور العبادة، وإلغاء الشروط العشرة التي حددها قرار وزير الداخلية لبناء الكنائس والصادر عام 1934، بحيث تخضع عملية بناء الكنائس وترميمها لقواعد وإجراءات واضحة تستجيب للاحتياجات الحقيقية لاتباع هذه الكنائس. 5- إصدار قانون يجرم الخطاب الطائفي في الصحافة وأجهزة الإعلام والتعليم وفي المساجد والكنائس. 6- مراجعة المناهج الدراسية الدينية الإسلامية والمسيحية في المدارس لتعزيز القيم العليا المشتركة بين الأديان السماوية كافة، وتدريس الحقبة القبطية في التاريخ المصري (من 70 ميلادية إلي عام 641 ميلادية)، وإشاعة قيمة التسامح في التعليم والإعلام والثقافة. 7- إلغاء خانة الديانة من بطاقة الرقم القومي. 8- الالتزام بتطبيق القانون بصرامة في مواجهة أي جرائم طائفية، واقتصار جلسات الصلح العرفي علي تهدئة الأجواء والتوعية دون تعطيل لأحكام القانون. ويسبق كل ذلك توفير إرادة سياسية لإزالة أسباب التوتر الطائفي والفتنة باعتبارها قضية لها أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية وليس قضية أمنية تتولاها وزارة الداخلية. وللأسف فالحكم القائم لم يلتفت إلي هذا البرنامج ولم يهتم بمواجهة أسباب الفتنة. وقد تكون جريمة الإسكندرية وردود الأفعال التي أثارتها، فرصة للدعوة للمؤتمر الثاني للوحدة الوطنية والتصدي للفتنة الطائفية، بمشاركة الصحفيين والكتاب والمفكرين والمثقفين وقيادات الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الدينية التي شاركت في المؤتمر الأول، بالإضافة إلي ممثلين عن الحكومة وقيادة حزبها والكنيسة والأزهر، ليتم النقاش والمحاسبة عن الأسباب التي أدت إلي تجاهل الحكم لتوصيات المؤتمر الأول ووضع برنامج زمني تتعهد به الدولة لتنفيذ هذه التوصيات.