وعندما جلست الي شاهندة مقلد لاجري معها حوارا فأجأتني قائلة سأقول لك شيئا تعلمته من أبي فأنا لن انسي ابدا ما كتبه ابي في الاوتوجراف بي إذ قال «ابنتي العزيزة. اتق الله في كل كبيرة وصغيرة. لا تفعلي سرا ما تخشينه علنا ودافعي عن رأيك حتي الموت». قائمام عبد الحميد مقلد كان القائمقام عبد الحميد مقلد ضابطا وطني الاعتقاد وفدي الانتماء. والأسرة ذات ثراء يكفي لكي نصفها بأنها من أغنياء الفلاحين. فجدها لأبيها هو الشيخ علي مقلد عمدة كمشيش. وجدها لأمها البكباشي محمد خالد الضابط في سلاح الحدود. الأم متعلمة. والأب القائمقام مثقف علي عادة ضباط هذا الزمان، يقرأ كثيرا، ويتحدث في السياسة دون خوف، ولا يخفي احترامه لحزب الوفد وسياساته، وهو عاشق للموسيقي وعازف ممتاز علي العود. وبسبب وفديته كان يطارد دوما في فترات ابتعاد الوفد عن الحكم وهي فترات طويلة. وهكذا تعين علي الضباط الوفدي أن ينقل من مكان سيء إلي مكان أسوأ مصطحبا معه زوجته وابناءه الستة بين أسوان – منفلوط- اسيوط- الفيوم – قنا – دير مواس- طلخا وبلدات أخري وصل عددها إلي أربعة عشر. وكان التقرير الذي منحته حكومة الوفد للضابط العاشق للوفد أن نقلته مأمورا لمركز سمنود مسقط رأس النحاس باشا. من المدرسة الاعدادية حصلت شاهندة علي الشهادة ثم لم تكمل الدراسة. الأب مات وسنها ستة عشر عاما، وبعدها فقدت الزهو بأنها «بنت البيه المأمور». ويتفتح إدراك شاهندة علي حرب فلسطين عام 1948 (ولدت في عام 1938). وعندما الغي النحاس باشا معاهدة 1936 شاركت في المظاهرات بحماس . وكانت تلاحظ إنه عندما تلتهب اي مظاهرة يقوم «البيه المأمور» برفع سماعة التليفون لكي لا يتلقي اي اوامر بفض المظاهرة. وعندما قامت ثورة 23، تحرر الأب بعض الشيء من قيود الوظيفة ووجه برقية إلي محمد نجيب يقول فيها «مادام الدستور رائدكم، وصالح الأمة مقصدكم فإلي الإمام والله يرعاكم. بكباشي عبد الحميد مقلد. «مأمور مركز سمنود». وعندما خاضت الثورة معركة الإصلاح الزراعي كان اول من ايدها من ضباط البوليس فنقل مأمورا لمركز طلخا حيث أعتي الأسر الاقطاعية (البدراوي باشا وسراج الدين باشا). ويظل الضابط الثائر علي علاقة بكمشيش فهي بلدته لكنها ايضا بلدة أسرة من كبار الاقطاعيين عائلة الفقي واستنادا إلي علاقة الأسرة بأنور السادات استطاعت عائلة الفقي تهريب مساحات كبيرة من الأرض من الإصلاح الزراعي عبر عقود بيع وهمية، وبدأت المعارك بين الفلاحين المتمسكين بالأرض وعائلة الفقي وكان «البيه المأمور» مع الفلاحين ووصل الأمر إنه كان يهرب لهم السلاح في سيارته الحكومية لكي يردوا علي ترويع عائلة الفقي لهم. وفي أحيان كثيرة كان يستخدم شاهندة في تهريب الذخيرة والسلاح. وكالعادة لجأ الاقطاعيون إلي السادات الذي رتب نقل المأمور إلي بني سويف وفي محاولة لتبرير النقل منحوه ترقية. ونعود إلي شاهندة وهي تلميذة في ثالثة اعدادي بمدرسة شبين الكوم وهناك التقت بمدرسة يسارية هي «أبلة وداد متري» والمدرسة اليسارية تفيض حماسا وحيوية. شاهندة أحبت ابلة وداد ، لكن همسات من زميلاتها تقول «ابلة وداد شيوعية» جعلت شاهندة تتعلق بها وتطاردها لتعرف ما هي الشيوعية. ابلة وداد اعطتها كتاب «أصل العائلة» لكنها لم تفهم حرفا من الكتاب المعقد فأعطتها كتابا آخر أكثر تعقيدا. ولاحظ صلاح ذلك فاعطاها كتابا للاقتصاد السياسي من تأليف ليونيتيف. واستطاعت أن تقرأ وتفهم إلي حد ما. ونستكمل العدد القادم