كنت في إحدي المرات أحضر مناظرة بين الدكتور حازم الببلاوي المفكر الاقتصادي الكبير ممثلا عن التيار الليبرالي والمفكر الاقتصادي الكبير أيضا الدكتور جودة عبدالخالق ممثلا عن التيار اليساري، وكانت المناظرة عن الاقتصاد المصري والحقيقة أن العالمين الجليلين اتفقا كثيرا مما جعل الحضور يشعر بأنه لا مناظرة هنا، فجاوب الاثنان بأن التناظر حول الاقتصاد المصري أمر بالغ الصعوبة خاصة أنه "سمك لبن تمر هندي " بلا طعم أو لون أو رائحة. لا تختلف الأحوال كثيرا في النظام السياسي، فكل دولة في العالم تتبع نظاما سياسيا تتعرف عليه بمجرد قراءتك لدستورها فإما أن تكون دولة رئاسية ، أو برلمانية أو شبه رئاسية أو شبه برلمانية، أما عجب العجاب فيوجد هنا في مصر فدستور 1971 وتعديلاته في 2005 ، و2007 جعلت من الرئيس هو الحاكم الفرد والآمر الناهي وحده ولا أحد هناك، ونحن الآن علي اعتاب دورة برلمانية جديدة نفتح هذا الملف؟ سلطات مطلقة فبحسب حسين عبدالرازق عضو المجلس الرئاسي لحزب التجمع فإن دستور 71 الذي اصدره الرئيس الراحل أنور السادات ينص علي مبدأ وحدانية التنظيم السياسي في مصر، وعلي سلطات مطلقة لرئيس الجمهورية تجعله صاحب القرار السياسي والتشريعي والتنفيذي والإداري في مصر، ويضيف أن المادة 51 من الدستور نظمت سلطات وطريقة انتخاب الرئيس، لتقيم بذلك جمهورية رئاسية استبدادية في مصر، فالباب الخامس من الدستور والخاص بنظام الحكم يتكون من 112 مادة يخص رئيس الجمهورية منها 47 مادة. اشكالية عصام شيحه عضو الهيئة العليا لحزب الوفد ، يقول إن الدستور المصري يضعنا في اشكالية كبيرة لأنه لم يحدد طبيعة ومعالم النظام السياسي في مصر وقال إن الدستور أخذ من الأنظمة السياسية في العالم كل السلطات التي تُمنح للرئيس في الأنظمة الرئاسية والتي تمنح لرئيس الوزراء في الأنظمة البرلمانية وبالتالي تركزت كل السلطات في يد شخص واحد هو الوحيد الذي يعطي الأوامر ويتم كل شيء بناء علي توجيهاته. شيحه أكد أننا لابد أن نتجه إلي نظام سياسي محدد المعالم مع العلم أنه لا يوجد في أغلب دول العالم نظام برلماني كامل أو رئاسي كامل بينما يوجد توازن بين السلطات لأن كل هذه الدول قطعت شوطا كبيرا في التطور الديمقراطي وتُجري بها انتخابات حرة ونزيهة وهو ما لم تشهده مصر سوي " مرتين ونصف" علي حد قوله. عقيدة عسكرية الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية،دكتور عمرو هاشم ربيع،يري أن أي أمل في التغيير مرتبط أساسا بطبيعة الرئيس وعقيدة راسخة بداخله أنه موظف كل ما يريده أن يترك الأمور كما تسلمها، فالرئيس صاحب خلفية روتينية تجعل من حدوث التغيير أمرا صعبا، ويضيف أن العقيدة العسكرية للرئيس تجعله يري أي حديث عن الحريات العامة وحرية الرأي والتعبير والديمقراطية والانتخابات الحرة وتداول السلطة نوعا من الترف والتدلل ، وهو ما يُفسره الحديث الدائم عن ضرورة الحفاظ علي الاستقرار حتي لو أدي هذا الاستقرار إلي ركود وموات كما حدث فعلا. دستور جديد ولكن حسين عبدالرازق يري الحل يتمثل في صياغة دستور جديد عن طريق جمعية تأسيسية منتخبة في انتخابات حرة ونزيهة علي أساس إقامة جمهورية برلمانية ديمقراطية، وإلي أن يتحقق هذا الحلم يمكن العمل علي تعديلات علي بعض مواد الدستور تجعل الرئيس حكما بين السلطات وليس رئيسا للثلاث سلطات المعروفة في العالم والمنصوص عليها في الدستور" السلطة التشريعية، السلطة التنفيذية، والسلطة القضائية". الباحث إسلام عوض عبدالمجيد، يشير إلي أن الدستور يتيح للرئيس سلطات تشريعية استثنائية واسعة تتمثل في لوائح الضرورة واللوائح التفويضية وإصدار لقرارات لها قوة القوانين في حالة العمل بالمادة 74 من الدستور ، ويضيف أنه الرئيس وعلي الرغم من أن له الحق في تعيين رئيس الوزراء والوزراء والمحافظين ونوابهم , ويعزلهم والإشراف علي وضع السياسات العامة للدولة وهو الرئيس الفعلي الوحيد للسلطة التنفيذية إلآ أنه غير مسئول سياسيا أمام البرلمان. تقليص ولذلك يجب ان لا تتمحور مطالب التغيير السياسي الجذري في مصر فقط حول وضع شروط تنافسية للترشح للمنصب - تعديل المادة 76 - وقَصر الترشح لهذا المنصب علي دورتين متتاليتين فقط - تعديل المادة 77 - وإنما أيضا حول تقليص سلطات الرئيس لصالح إتاحة سلطات أوسع لرئيس وزراء منتخب من البرلمان يكون مسئولا سياسيا أمام نواب الشعب.. وعن مستقبل التغيير في ظل كل هذه السلطات قال عصام شيحة إن مستقبل التغيير في أيدي المصريين أنفسهم مؤكدا أن التغيير سيحدث عندما تتوافر إرادة سياسية لدي الحاكم، وإرادة مجتمعية لدي الشعب.