وصول قيادات الجامعات لافتتاح معرض التعليم العالي بمكتبة الإسكندرية |صور    بعد بلاغ وزارة النقل.. البلشي: مواجهة الصحافة بالتقاضي تهديد لحرية تداول المعلومات    كامل الوزير يتفقد المجمع المتكامل لإدارة المخلفات بالعاشر من رمضان    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الخميس 21 أغسطس 2025    رئيس الوزراء يلتقي محافظ بنك اليابان للتعاون الدولي    مساء الجمعة.. قطع المياه لمدة 6 ساعات عن بعض مناطق الجيزة    سعر الريال القطرى اليوم الخميس 21 أغسطس 2025 فى البنوك الرئيسية    جهاز تنمية المشروعات يبدأ تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للحرف اليدوية «2025 – 2030»    مصر تنتهي من إنزال الكابل البحري «كورال بريدج» للربط الرقمي مع الأردن    الرئيس السيسى يتوجه إلى السعودية لبحث سبل تعزيز الشراكة بين مصر والمملكة    القاهرة الإخبارية: مصر ترسل قافلة المساعدات الإنسانية العشرين إلى قطاع غزة    مدبولي لوزير السياحة والنقل الياباني: نتطلع لجذب صناعات السيارات وكل ما يتعلق بتحلية مياه البحر    المقاولون يستضيف حرس الحدود في مواجهة مثيرة بالجبل الأخضر    رضا عبد العال: أحمد عبد القادر أفضل من تريزيجيه وزيزو والشحات.. وانتقاله إلى الزمالك وارد    الأرصاد تحذر من حالة طقس يومي السبت والأحد    طلاب الدور الثاني بالثانوية العامة يؤدون امتحان مادة الكيمياء    بتهمة شيكات بدون رصيد.. القبض على البرلمانى السابق رجب هلال حميدة    ننشر نص اعترافات مروة المعروفة ب "بنت مبارك" في قضية تجارة الأعضاء    غدا.. ويجز يشعل مسرح «يو ارينا» بمهرجان العلمين    وزير الصحة يتفقد مشروع إنشاء المخازن الاستراتيجية للمنتجات والأجهزة الطبية بالعاصمة الإدارية    زعيم كوريا الشمالية يلتقي قادة القوات البرية التي ساعدت في تحرير كورسك الروسية    اشتباه إصابة محمود نبيل بتمزق في العضلة الخلفية.. وبسام وليد يواصل التأهيل لعلاج التهاب أوتار الساق اليمنى    في المباراة رقم 247 له.. علي ماهر يصل ل 100 انتصار في الدوري المصري    بعد تصدره التريند.. طريقة عمل العيش البلدي المصري    وداعا القاضى الأمريكى الرحيم فرانك كابريو فى كاريكاتير اليوم السابع    فصل رأس عن جسده.. تنفيذ حكم الإعدام بحق "سفاح الإسماعيلية" في قضية قتل صديقه    عاجل.. مايكروسوفت تراجع استخدام الجيش الإسرائيلي لتقنياتها بسبب حرب غزة    محافظ المنيا يشهد احتفالية ختام الأنشطة الصيفية ويفتتح ملعبين    دعاء الفجر| اللهم اجعل هذا الفجر فرجًا لكل صابر وشفاءً لكل مريض    أذكار الصباح اليوم الخميس.. حصن يومك بالذكر والدعاء    رجل الدولة ورجل السياسة    فلكيًا.. موعد المولد النبوي الشريف 2025 رسميًا في مصر وعدد أيام الإجازة    للرجال فقط.. اكتشف شخصيتك من شكل أصابعك    توقعات الأبراج حظك اليوم الخميس 21-8-2025.. «الثور» أمام أرباح تتجاوز التوقعات    سامح الصريطي عن انضمامه للجبهة الوطنية: المرحلة الجديدة تفتح ذراعيها لكل الأفكار والآراء    Avatr تطلق سياراتها ببطاريات جديدة وقدرات محسّنة للقيادة الذاتية    «ظهر من أول لمسة.. وعنده ثقة في نفسه».. علاء ميهوب يشيد بنجم الزمالك    نجم الزمالك السابق يكشف رؤيته لمباراة الفريق الأبيض أمام مودرن سبورت    تعاون علمي بين جامعة العريش والجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا    الآن.. شروط القبول في أقسام كلية الآداب جامعة القاهرة 2025-2026 (انتظام)    لماذا لا يستطيع برج العقرب النوم ليلاً؟    الجنائية الدولية: العقوبات الأمريكية هجوم صارخ على استقلالنا    استخدم أسد في ترويع عامل مصري.. النيابة العامة الليبية تٌقرر حبس ليبي على ذمة التحقيقات    بعد التحقيق معها.. "المهن التمثيلية" تحيل بدرية طلبة لمجلس تأديب    بعد معاناة مع السرطان.. وفاة القاضي الأمريكي "الرحيم" فرانك كابريو    ناصر أطلقها والسيسي يقود ثورتها الرقمية| إذاعة القرآن الكريم.. صوت مصر الروحي    جيش الاحتلال يستهدف بلدة فى جنوب لبنان بصاروخ أرض أرض.. وسقوط 7 مصابين    لبنان: ارتفاع عدد ضحايا الغارة الإسرائيلية على بلدة "الحوش" إلى 7 جرحى    "أخطأ في رسم خط التسلل".. الإسماعيلي يقدم احتجاجا رسميا ضد حكم لقاء الاتحاد    شراكة جديدة بين "المتحدة" و"تيك توك" لتعزيز الحضور الإعلامي وتوسيع نطاق الانتشار    ضربها ب ملة السرير.. مصرع ربة منزل على يد زوجها بسبب خلافات أسرية بسوهاج    محافظ كفر الشيخ يقدم واجب العزاء في وفاة والد الكابتن محمد الشناوي    نيويورك تايمز: هجوم غزة يستهدف منع حماس من إعادة تنظيم صفوفها    جمال شعبان: سرعة تناول الأدوية التي توضع تحت اللسان لخفض الضغط خطر    كلب ضال جديد يعقر 12 شخصا جديدا في بيانكي وارتفاع العدد إلى 21 حالة خلال 24 ساعة    ما الفرق بين التبديل والتزوير في القرآن الكريم؟.. خالد الجندي يوضح    أمين الفتوى يوضح الفرق بين الاكتئاب والفتور في العبادة (فيديو)    طلقها وبعد 4 أشهر تريد العودة لزوجها فكيف تكون الرجعة؟.. أمين الفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نضال جماهيري متواصل من أجل الاشتراكية
نشر في الأهالي يوم 10 - 12 - 2010


أخذوا الأطفال من اللعب إلي العمل والكدح
هذا جزء من فصل من كتاب «التاريخ الشعبي للولايات المتحدة الأمريكية» لواحد من أهم المؤرخين اليساريين الأمريكيين الذي رحل عن عالمنا قبل شهور بعد أن أصبح عمله مرجعا أساسيا لكل المؤرخين أيا كانت اتجاهاتهم الفكرية.
ترجم الكتاب إلي العربية باحث وأستاذ جامعي شاب وهو في بداية حياته الاكاديمية د. شعبان مكاوي الذي اختطفه الموت بسبب بلهارسيا قديمة حملها معه من الريف. لكنه قبل أن يرحل كان سعيدا بانجاز عمله فقدم للمكتبة العربية كتابا تأسيسيا في التاريخ الشعبي ليسدي خدمة كبري لكل من الثقافة والسياسة في بلادنا.
والفصل الذي اخترنا يضيء جانبا آخر اضافة لسلسلة مقالات سمير كرم عن اليسار الأمريكي.
قد تقوم الحرب أو الوطنية المفرطة بتأجيل الغضب الطبقي النابع من حقائق الحياة اليومية، ولكن هذه أو تلك لا يمكن أن تخمده تماما، فمع بداية القرن العشرين، ظهر هذا الغضب من جديد، ففي اجتماع تم بعد بضع سنوات من الحرب الإسبانية الأمريكية، وقفت «إيما جولدمان» (الثورية والمنادية بالمساواة بين الرجل والمرأة والتي تشكل إدراكها السياسي من العمل في المصانع والمشاركة في الإضرابات ومدة السجن الطويلة لرفيق دربها ألكسندر بيركمان وسجنها في جزيرة بلاك ويل»، وقالت: كم تحترق قلوبنا بالسخط ضد السفاحين الإسبان! لكن عندما خمدت الحرب ودفن الموتي وارتدت تكاليف الحرب علي الأفراد في زيادة لأسعار المنتجات والإيجارات - وعندما همدت ثورتنا الوطنية - فجأة أفقنا علي أن السبب في الحرب الأمريكية الإسبانية كان سعر السكر.. إن حياة ودماء ونقود الشعب الأمريكي استخدمت لحماية مصالح الرأسماليين الأمريكيين.
لم يكن مارك توين Mark Twain الذي كان من أبرز كتاب القصص الهزلية والجدية ذات الروح الأمريكية، ثوريا أو فوضويا، ولكنه في سنة 1900 - أي وهو في الخامسة والستين - رأي الولايات المتحدة ودولا غربية أخري تتوسع في أرجاء العالم، فكتب في صحيفة «نيويورك هيرالد»: «إني أنبهكم - وأنا عائد من رحلتي رث الثياب وملطخا بالعار من جراء غارات القراصنة في كياوشو ومانشيوريا وجنوب أفريقيا والفليبين - إلي أن القيمة المسماة بالمسيحية قد أصبحت روحها مليئة بالخسة وجيوبها بالرشاوي وفمها بالنفاق».
وكان هناك كتاب في بدايات القرن العشرين دافعوا عن الاشتراكية وانتقدوا النظام الرأسمالي بقسوة، ومن بين أبرز هؤلاء الأدباء الأمريكيين أبتون سنكلير Upton Sinclair وجاك لندن Jack London وتيودور دريزر Theodore Dreiser وفرانك نوريس Frank Norris.
في عام 1906 نشرت رواية الغابة The Jungle لأبتون سنكلير حيث تستحضر أحوال مصانع تعليب اللحوم في شيكاغو، وقد جذبت هذه الرواية انتباه المدينة كلها، بحثها علي المطالبة بوجود قوانين تنظم هذه الصناعة، وذلك من خلال قصة عامل مهاجر يتحدث عن الاشتراكية وعن جمال الحياة لو أن جميع الناس تعاونوا وامتلكوا وعملوا واشتركوا في مكاسب الأرض، ونشر سنكلير روايته أول مرة في الجريدة الاشتراكية «أبييل توريزون» وبعد ذلك نشرها ككتاب منفرد وقرأه الملايين وترجم إلي سبع عشرة لغة.
بعد البيان الشيوعي
ومن بين العوالم التي أثرت علي تفكير أبتون سنكلير كتاب ناس من جهنم People of the Abyss لجاك لندن الذي كان عضوا في الحزب الاشتراكي وجاء من أحياء الفقراء في سان فرانسيسكو طفلا لأم لم تتزوج، عمل في البداية كموزع جرائد ثم عاملا في معمل تعليب ثم ملاحا وصيادا وعاملا في مغسلة، وبلغ من سوء حاله أنه كان يتسول في خطوط السكك الحديدية وقبض عليه في شوارع نيويورك وقبض عليه أيضا بتهمة التشرد عند شلالات نياجرا وتم تعذيبه داخل السجن ورأي كيف يعذب الناس داخل السجون، وقام بالقرصنة في خليج سان فرانسيسكو وقرأ لفلوبير وتوليستوي وميلفيل، وقام بعد قراءته البيان الشيوعي The Communist Manifesto بالدعوة إلي الاشتراكية في معسكرات الذهب بألاسكا في شتاء عام 1896 وأصبح من أشهر كتاب المغامرات، وفي سنة 1906 كتب روايته الكعب الحديدية The Iron Heel التي تحذر من الفاشية الأمريكية وتنادي بالاشتراكية المثالية بين جميع البشر ومن خلال شخصيات الرواية كان ينتقد النظام، ومن أقواله:
إن الإنسان المعاصر يعيش في بؤس وشقاء أكثر من إنسان الكهف مع أن طاقته الإنتاجية تزيد ألف مرة علي طاقة إنسان الكهف ولا يمكن أن نقول غير أن الطبقة الرأسمالية أساءت الإدارة.. في أنانية وإجرام، دعونا لا ندمر هذه الآلات التي تنتج بكفاءة أعلي وتكلفة أقل، دعونا نتحكم فيها، دعونا نتربح من وراء كفاءتها ورخصها، دعونا نشغلها لمصلحتنا نحن، وهذه أيها السادة هي الاشتراكية.
كان ذلك في وقت قال فيه الروائي هنري جيمس Henry James الأديب المنفي المقيم في أوروبا والذي لم يكن مباليا بالأوضاع السياسية، عندما قام بزيارة الولايات المتحدة في عام 1904 إنه - بلد - يبدو «كحديقة كبيرة ولكن نباته مسموم بحب المال»، وحتي «جامعي الروث» فقد ساهموا في خلق الأجواء المنشقة بكلامهم عما يرونه وقامت بعض المجالات الواسعة الانتشار في الولايات المتحدة بالحديث عن فساد النظام السائد بشيء من السخرية للوصول إلي الربح.
الاحتكار الجديد
وبحلول عام 1900 لم تستطع الوطنية الحماسية للحرب ولا الطاقات المهدرة في الانتخابات إنكار مشاكل النظام، وظهر بشكل واضح التركيز علي دور البنوك، ومع تطور التكنولوجيا والمؤسسات، وجدوا أنهم في حاجة إلي رءوس أموال، وأصحاب البنوك هم من يملكون رءوس الأموال، وفي عام 1904 اندمج أكثر من ألف خط للسكك الحديدية في ستة تكتلات، ودخلوا جميعا في تحالف إما مع مورجان وإما روكفيللر.
وحسب ما قال كوشران Cochran وميللر Miller:
إن إمبراطور الاحتكار الجديد هو مؤسسة مورجان، حيث استطاعت من خلال عملياتها أن تحصل علي مساعدة من البنك الوطني الجديد في نيويورك ورئيسه جورج بيكر وبنك سيتي الوطني ومديره جيمس ستيلمن وكيل مصالح روكفيللر ويملك هؤلاء الثلاثة وشركاتهم المالية 341 شركة داخل 112 مؤسسة كبري، وقد بلغت موارد هذه المؤسسات في عام 1912 ما يقارب ثلاثة وعشرين مليونا من الدولارات، وهو ما يزيد علي قيمة الممتلكات في الولايات الاثنتين والعشرين والضواحي الواقعة غرب المسيسيبي.
كان مورجان يعشق الانضباط والاستقرار والقدرة علي التنبؤ، قال عنه أحد مساعديه في عام 1901 مع رجل مثل مورجان كرئيس لصناعة كبيرة بالمقارنة بالخطة القديمة المبنية علي مصالح متنوعة، سيصبح الإنتاج أكثر انتظاما والعمال أكثر استقرارا في عملهم بأجور ثابتة وستصبح المشاكل الناتجة عن زيادة الإنتاج أمرا من أمور الماضي.
ولكن حتي مورجان وشركائه لم يستطيعوا التحكم الكامل في النظام، ففي عام 1907 حدث انهيار مالي وأزمة كبيرة، صحيح أن الشركات العملاقة لم يصبها أذي ولكن الأرباح بعد عام 1907 لم تكن كما أرادها الرأسماليون، وبدأ رجال الصناعة في التفكير في أساليب جديدة لخفض التكاليف أحد هذه الأساليب هو «التيلوريزم» الذي سمي بهذا الاسم نسبة إلي فريدريك تيلور الذي كان ملاحظ عمال في شركة لتصنيع الحديد والذي كان يحلل بدقة كل وظيفة في المصنع وتوصل لنظام جديد لتقسيم العمل بين العمال، الأمر الذي أدي إلي زيادة عمل الآلات ومن ثم زيادة الإنتاج والأرباح، وفي عام 1911 أصدر كتابه «الإدارة العلمية» The Scientific Management والذي أصبح ذا تأثير كبير في عالم البيزنس وهو يرتكز علي أن الإدارة الجديدة تستطيع التحكم في أدق التفاصيل الخاصة بجهد ووقت العامل في المصنع، كما قال هاري بريفمان في كتابه «العمل واحتكار رأس المال» Labor and Monopoly of Capital إن الهدف من نظام تيلور هو جعل العمال قابلين للتغيير وأن يصبحوا أكثر دقة في أداء المهام البسيطة التي يتطلبها التقسيم الجديد للعمل أي أن يصبحوا أجزاء يشبه بعضها بعضا، لا فرادة فيهم ولا إنسانية، ويباعون ويشترون كالسلع، وكانت نظرية تيلور مناسبة تماما لمجال صناعة السيارات، ففي عام 1909 باعت شركة فورد حوالي 60710 سيارة وبلغ العدد بعد أربع سنوات 000.168 سيارة ووصل إلي 000.248 في العام التالي (45% من عدد السيارات التي تم إنتاجه)، وبلغت الأرباح 30 مليونا من الدولارات، ومع زيادة أعداد المهاجرين القادمين من أوروبا الشرقية في عام 1907، أصبحت التيلوريزم بوظائفها البسيطة غير المعقدة أكثر فاعلية وملاءمة.
اطفال وعمالة أرخص
وفي نيويورك ذهب المهاجرون الجدد للعمل في محلات الحلوي، وكتب الشاعر إدوين ماركهام Edwin Markham في مجلة «كوزموبوليتان» في يناير 1907:
في غرف عديمة الهواء، يحيك الآباء والأمهات الملابس ليل نهار، لابد من ذلك حتي يكونوا أرخص ممن يعملون في مصانع الحلوي وبالنسبة للأطفال فهم يأخذون من اللعب إلي العمل والكدح مع أهاليهم، وعلي مدار العام، سواء كان ذلك في نيويورك أو في المدن الأخري، يمكنك أن تجد أطفالا يعملون بجانب عائلاتهم الفقيرة، فإن شاهدتهم، ستجدهم شاحبين ضعافا، بائسي الوجوه، ومحنيي الظهور من حمل الأثواب علي الرءوس والأكتاف، أليست هذه حضارة قاسية تلك التي تجعل هذه الأفئدة الصغيرة والأكتاف الضعيفة ترزح تحت حمل مسئوليات الكبار وفي ذات الوقت والمدينة تجد حيوانات أليفة مدللة ومزينة بالمجوهرات تتمشي في الحدائق والطرق خلف سيدة غنية؟
وفي أغسطس عام 1905 أصبحت المدينة ساحة قتال كما جاء في جريدة التربيون التي نشرت أن إضرابا في مخبز فديرمان في الجانب الشرقي أدي إلي وقوع عنف عندما حاول فيدرمان استخدام عمال الماشية للاستمرار في الإنتاج.
قام المضربون والمتعاطفون معهم بتكسير محل الخبز المملوك لفيدرمان الكائن في 183 شارع أوركيد في المساء وسط مشاعر غضب عنيف، وقام البوليس بضربهم بالعصي علي رءوسهم بعد اعتداء بعضهم علي اثنين من رجاله.
وأما الحال بالنسبة لمصانع الملابس التي كانت تبلغ حوالي 500 مصنع في نيويورك، فقد قالت سيدة في وقت لاحق وهي تتحدث عن أوضاع العمل:
... سلالم مكسورة.. سلالم لم تمسح سوي مرة في العام.. شبابيك قليلة وغير نظيفة، لا يكاد يكون هناك مصدر آخر للإضاءة غير لمبات الجاز صباحا أو مساء.. مراحيض قذرة وكريهة الرائحة ومظلمة، ليس هناك ماء نظيف للشرب.. فئران وصراصير.. في الشتاء معاناة في البرد الشديد وفي الصيف معاناة من شدة الحر، في هذه الجحور الممرضة نكدح نحن صغار السن مع الرجال والنساء من سبعين إلي ثمانين ساعة في الأسبوع بما في ذلك أيام الأحد والسبت ولافتة تعلق يوم السبت ظهرا «إن لم تحضر يوم الأحد لا داعي للحضور يوم الاثنين».. وتتلاشي أحلامنا بيوم إجازة، فلا نجد شيئا نفعله غير البكاء، إذ كنا لانزال أطفالا.
أنتم كثيرون
وأما في شركة تراينجل للملابس النسائية، ففي شتاء عام 1909 اجتمعت النساء وقررن الإضراب ووجدن أنهن لن ينجحن طالما تعمل بقية المصانع، لذلك طالبن بقية المصانع بالاشتراك في الإضراب ووقفت متحدثة فصيحة تدعي كلارا ليمليتش وقالت «أنا أعرض عليكن الحال وهو القيام بالإضراب الآن»، وصوتت كل الحاضرات لصالح المشاركة في الإضراب، تتذكر واحدة من المضربات، وهي بولين نيومان ما حدث في ذلك الإضراب:
ترك الآلاف من كل مكان مصانعهم واتجهوا جميعا إلي ميدان يونيان، كان ذلك في نوفمبر والشتاء قارس وليس لدينا معاطف فرو تدفئنا ولكن كانت هناك روح تدفعنا جميعا إلي مكان معين، لقد شاهدت شبابا أغلبهم من الفتيات يسيرون في الإضراب غير مبالين بما سوف يحدث.. من تعرض للجوع والبرد والوحدة، لم يبالوا بأي شيء، فقد كان ذلك اليوم يومهم المشهود.
ومرة أخري تقول بولين نيومان:
حاولنا أن نعلم أنفسنا، كنت أستضيف الفتيات في غرفتي ونبدأ بالتناوب في قراءة الشعر الإنجليزي لكي نقوي لغتنا، وكان من أكثر القصائد التي نحبها قصيدة «أغنية القميص» لتوماس هود وقصيدة «قناع الثورة» للشاعر الرومانتيكي الإنجليزي شيلي والتي يقول فيها:
انهضوا كالأسود بعد السبات
بأعداد لا يمكن هزيمتها!
وكسروا قيودكم التي ذهبت بحريتكم
في غفلة من الزمن
وتذكروا أنكم كثيرون
وأنهم قليلون.
لم تتغير الأحوال في المصانع كلية، ففي ظهر يوم 25 مارس سنة 1911، حدث حريق في مخزن بشركة تراينجل في الدور الثامن والتاسع والعاشر بارتفاع لم يمكن سلالم الإطفاء من الوصول إليه، رئيس الإطفاء في نيويورك قال إن السلالم تستطيع أن تصل إلي الدور السابع فقط، ولكن 500 ألف من العمال أمضوا حوالي 12 ساعة فوق الطابق السابع، ومع أن القوانين تنص علي أن أبواب المصانع يجب أن تفتح للخارج، فإن الأبواب في شركة تراينجل كانت تفتح للداخل، والقوانين تنص علي أن الأبواب لا تغلق خلال ساعات العمل ولكن في تراينجل الأبواب موصدة حتي تتمكن الشركة من مراقبة العمل ولذلك ماتت العاملات حرقا وهن جالسات علي مكاتبهن أو حشرن في الأبواب أو قفزن من فتحات المصاعد، كتبت جريدة نيويورك ورلد:
.. تجمع الرجال والنساء والأولاد والبنات وهم يصرخون عند أفاريز النوافذ وألقوا بأنفسهم في الشوارع، كانوا يقفزون وملابسهم مشتعلة وشعور الفتيات مشتعلة وهم يقفزون كومة تلو كومة علي الرصيف، وفي منظر فظيع أصبح شارعا جرين ستريت وواشنطن بليس ممتلئين بالموتي أو بمن في طريقهم إلي الموت، ومن الشبابيك المقابلة رأي شهود عيان مناظر قاسية لأكثر من فتاتين تتعلق الواحدة بالأخري وهما تقفزان.
وعندما انتهي كل شيء وجد أن 146 عاملا أغلبهم من النساء ماتوا محترقين، وشيع جنازتهم أكثر من مائة ألف شخص.
وفي عام 1904 كان هناك حرائق أخري وحوادث وأمراض، ولقي سبعة وعشرون ألف عامل حتفهم وهم يعملون في المصانع والنقل والزراعة، وفي عام واحد وقعت خمسون ألف حادثة في مصانع نيويورك فقط، حيث كان العاملون في مصانع القبعات يعانون من مشاكل في التنفس، وعمال الحجارة يستنشقون كيماويات مميتة، والعاملون بالمطابع الحرارية يستنشقون الزرنيخ.
كتب مكتب التحقيق لولاية نيويورك تقريرا عام 1912 عن إحدي العاملات جاء فيه:
كانت سادي فتاة ذكية، مهندمة ونظيفة، وفي مصنع التطريز حيث عملها، كانت تستخدم مسحوقا أبيض «طباشير أو ما شابه» يدهن علي التصميمات ثم ينقل للملابس، كانت التصميمات تُرفض إذا كانت مصنوعة من هذه المادة البيضاء، فقام صاحب العمل باستحضار نوع آخر من المساحيق وهو مسحوق الرصاص، الأمر الذي أدي إلي تقليل النفقات، لم تعلم الفتيات عن هذا التغير في المسحوق ولا عن خطر استخدامه، سادي كانت قوية وتتمتع بصحة جيدة ولون بشرة جميل وشهية جيدة للطعام، بدأت تعاني عدم رغبة في الطعام وبدأ ظهور تورم في يدها وقدمها وفقدت استعمال إحدي يديها، تحولت أسنانها ولثتها إلي اللون الأزرق إلي أن اضطرت إلي ترك العمل بعد أن عولجت لشهور من مشاكل بالمعدة، ونصحها طبيبها بدخول مستشفي، حيث أثبتت الفحوصات أنها تعاني من تسمم الرصاص.
وحسب ما جاء في تقرير لجنة العلاقات الصناعية في عام 1914، فإن حوالي خمسة وثلاثين ألف عامل لقوا حتفهم من حوادث صناعية وجرح سبعمائة ألف في تلك السنة، ووجدت هذه اللجنة أن دخل 44 أسرة فقط كان يصل إلي مليون دولار، أي ما يوازي دخل مائة ألف عائلة دخلها 500 دولار في السنة، وفي مقابلة بين عضو من لجنة العلاقات الصناعية ومدير إحدي شركات الفحم التابعة لروكفيللر، دار هذا الحديث:
عضو اللجنة: إذا فقد أحد الموظفين حياته، هل يحصل من يعولهم علي تعويض؟
صاحب المصنع: ليس بالضرورة.
عضو اللجنة: لو حدث عجز، هل يتم تعويضه؟
صاحب المصنع: لا يا سيدي.
عضو اللجنة: إذا الحمل كله يقع علي كواهلهم!
صاحب المصنع: نعم.
عضو اللجنة: المصنع لا يتحمل أي شيء؟
صاحب المصنع: لا! المصنع لا يتحمل أي شيء.
وفي هذه الأثناء أخذت النقابات في النمو، باختصار بعد نهاية القرن أصبح هناك أكثر من 2 مليون عضو في اتحادات العمال (واحد في كل 14 عاملا) 80% منهم في اتحاد العمال الأمريكي، الذي كان عبارة عن اتحاد أغلبه من الرجال كلهم تقريبا من البيض وأصحاب مهارات، وبالرغم من أن عدد النساء العاملات أصبح في تزايد وتضاعف من 4 ملايين في عام 1890 إلي 8 ملايين في عام 1910 والعاملات أصبحن 1/5 من القوي العاملة، فإن واحدة فقط من بين كل 100 كانت عضوة في هذه النقابات.
وقد كان ما يحصل عليه العمال السود في عام 1910 يمثل 1/3 مما يكسبه العمال البيض، وعلي الرغم من أن صامويل جومبرز رئيس اتحاد العمال الأمريكي كان يلقي خطبا عن الفرص المتكافئة لجميع العمال، كان السود خارج جميع تشكيلات اتحاد العمال الأمريكي وقد قال في حديث له إنه لا يريد التدخل في العلاقات الداخلية وأن المشكلة العرقية لابد أن تحل من قبل الجنوب من غير تدخل الوسطاء.
في نيو أورلينز عام 1907 قام إضراب ضم 000.10 من عمال شحن وتفريغ السفن وسائقي الشاحنات من السود والبيض استمر 20 يوما، وقد قال رئيس العمال السود:
لم يقف السود والبيض من قبل في قوة وتلاحم وفي رباط مشترك كما هم اليوم، وعلي مدار خبرتي البالغة تسعة وثلاثين عاما، لم أر مثل هذا التضامن، ففي كل الإضرابات السابقة، كان يتم استخدام الرجل الأسود ضد الأبيض، ولكن هذا زمان ولي، فالآن يقف البيض والسود معا في سبيل تحقيق مصالحهم المشتركة.
كان هذا استثناء لأن السود كانوا دائما خارج أي حركات نقابية، وقد كتب دي بوا Du Bois في عام 1913 «ما يمكن أن يقال بعد كل هذا هو أن السود لابد أن يقتنعوا أن العدو الأكبر هو صاحب العمل الذي يقوم بسرقتهم وليس زميلهم الأبيض».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.