للتعاون الوثيق بين الولاياتالمتحدةالأمريكية وجماعة الإخوان الإرهابية تاريخ طويل. فقد ارتبط التوسع الإمبريالى الذى اجتاح القارات الثلاث آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية بتصدير البضائع ورأس المال من بلدان المراكز إلى بلدان المستعمرات، وكان طبيعيا أن يتواكب تصدير الأفكار والقيم مع تصدير البضائع ورأس المال، مع الترويج المخطط لرؤية خاصة للعالم طابعها العام عنصرى يتعالى على الشعوب إذ لا يسهل إخضاع الشعوب لعملية النهب المنظم التى تقوم بها الإمبريالية لثرواتها دون أن تغلفها منظومة من الأفكار والقيم التى تجمل الغزو الإمبريالى فى محاولة لجعله مقبولا من الشعوب ووضعه فى إطار وسياق. وعلى سبيل المثال طرحت البلدان الإمبريالية مفهوم نقل الحضارة إلى البلدان «المتوحشة» التى تعيش حياة بدائية، وتعليم شعوبها أسس العيش الحديث ونظم الإدارة ويدلنا التحليل الموضوعى التاريخي على أن بعض هذه الادعاءات صحيح، لكن تندرج صحته فى إطار تحقيق مصالح الغزاة، ونتذكر فى هذا الصدد أن الحملة الفرنسية على مصر فى نهاية القرن الثامن عشر حملت إليها المطبعة التى شكلت نقلة مهمة فى مشروع تطور البلاد، فلم يكن «نابليون» وجيشه يستطيع أن يقصر استخدام المطبعة على خدمة أهداف الحملة فقط، وكأن لابد أن يستفيد منها قطاع من المصريين، وحين هزم الشعب المصرى الحملة وخرج «نابليون» مدحورا من بلادنا فكك المطبعة ونقلها إلى فرنسا. فهل كانت الحملة الفرنسية تشكل نقلة «حضارية» فى حياة المصريين؟ يرد الباحث الأمريكى «بيتر جران» على هذا السؤال قائلا إن مصر خلال القرن الثامن عشر كانت تشهد تطورا ملموسا فى اتجاه نشوء رأسمالية حديثة ومنتجة قطع عليها الفرنسيون الطريق لتحويل الشعب المصرى إلى «زبون» للمنتجات الفرنسية وإغلاق الباب أمام تطور الرأسمالية المحلية التى رصد الباحث بعض معالمها فى الصوت الرومانسى الذاتى فى شعر «إسماعيل الخشاب»، وفى بعض الدراسات الفقهية، وفى أعمال الشيخ «حسن العطار» شيخ الأزهر وأستاذ «رفاعة الطهطاوي». أما قصة محمد على باشا ومشروعه الطموح للنهوض بالصناعة المصرية وتحطيم هذا المشروع من قبل الدول الاستعمارية فى ذلك الحين فهى أشهر من أن نعيد حكايتها، فلم يكن مسموحا أبدا أن تنهض دولة من دول «الجنوب» كما يطلق عليه علماء الاقتصاد الآن لتنافس الدول «الكبري» بل لابد أن يبقى الجنوب فى مكانه مستهلكا وسوقا للبضائع، وحطمت أوروبا الاستعمارية مشروع الخديو «إسماعيل» للنهوض بمصر حتى تقف على قدم المساواة مع أوروبا فأغرقته فى الديون وصولا إلى الإفلاس وانتهاء بالاحتلال الإنجليزى لمصر. وتواجه الإمبريالية الآن أزمة عميقة تتجدد بين الحين والآخر، وتفشل كل الحلول التى تلجأ إليها طالما بقيت هذه الحلول تدور فى الإطار الرأسمالى وحرية السوق، ولعل ما يمد فى عمر هذه النظم الإمبريالية المأزومة أن يكون حجم النهب الهائل لدول الجنوب التى يستنزف الشمال مواردها وعقولها ويحاصرها عبر أدوات تقنن عملية النهب هذه مثل صندوق النقد الدولى والبنك الدولى وهيئة المعونة الأمريكية ومنظمة التجارة العالمية. فماذا أنتجت هذه الأزمة العميقة على صعيد الأفكار والقيم التى تتفنن الأذرع الجبارة للإمبريالية فى تصديرها إلى بلدان الجنوب؟ تدلنا المتابعة المدققة لانبثاق وتطور الجماعات الإرهابية التكفيرية عبر العالم على الدور الموثق الذى تلعبه الإمبريالية العالمية فى تأسيس وترويج هذه الجماعات عبر العالم لتصدير النفايات الروحية إلى الشعوب الناهضة وكبح تطورها فى اتجاه استقلال الإرادة الوطنية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية لإبقائها تابعة وخاضعة تحت لافتات مزورة. وتتبع نمو منظمة القاعدة على نحو خاص يؤكد الدور الأمريكى البارز فى تأسيسها لمواجهة الشيوعية ومحاربة الجيش السوفيتى فى أفغانستان الذى جرى استنزافه وصولا إلى إسقاط التجربة الاشتراكية الأولى فى العالم وتفكيك الاتحاد السوفيتى وحلفائه من دول شرق أوروبا فى محاولة لإخضاعها جميعا للهيمنة الإمبريالية ومنطقها الثقافى القائم على الأدنى والأعلى وعلى الافتراض القائل بأن هناك شعوبا وأجناسا هى بطبيعتها دونية ومتخلفة، وهى البيئة التى ولدت فيها الفكرة الصهيونية القائمة على منطق التفوق العرقى التوراتى المزيف الذى يمنح لليهود مكانة أعلى من الآخرين باعتبارهم شعب الله المختار الذى يحق له أن يقهر الفلسطينيين ويستولى على بلادهم ويطردهم منها تحت لافتة دينية. ونلاحظ أن هذا هو نفس المنطق الداخلى للجماعات التكفيرية التى ترفع رايات إسلامية بأفكارها غير القابلة للحياة على حد تعبير المشير «عبدالفتاح السيسي». وتلعب هذه النفايات الروحية التى تنتجها مراكز متخصصة فى الدول الإمبريالية دورا رئيسيا فى استنزاف الشعوب وكبح تطورها الديمقراطي، ومع ذلك فإن الزمن تغير بعد كفاح ممتد لقرون وصراع خاضته الشعوب من أجل حريتها وتقدمها وهى ستكون قادرة على التخلص من هذه النفايات – ولو بثمن باهظ – ودفنها فى مزبلة التاريخ.