ما إن تأسست المنابر واستطاع منبر اليسار أن يتخطي عقبة الحصول علي التوقيعات العشرة من أعضاء اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي أو أعضاء مجلس الأمة. حتي بدأ سؤال مهم عن علاقة الصحف القومية بهذه المنابر. ولعل الذي فجر هذا السؤال مبكرا بل ومبكراً جدا هو الهجوم المتواصل الذي شنه موسي صبري في مجلة آخر ساعة والذي استخدم فيه مفردات استفزازية. وهنا بدأ التساؤل كيف ترد وأين؟ وبدأ حوار حثيث مع وزير الإعلام آنذاك جمال العطيفي الذي كان صديقا بحكم عمله في الأهرام كمدير للشئون القانونية وكمشرف غير معلن علي ما تنشره مجلة الطليعة. وتوالت الاقتراحات. ولم يكن لدي الحكومة أي مشروع وإنما كان مجرد تفكير بصوت عال.. وفي النقاش ورد اقتراح بتوزيع الصحف اليومية الثلاث علي المنابر التي كانت هي أيضا ثلاثة. وقيل يومها الأهرام لمنبر الوسط والأخبار لمنبر الأحرار والجمهورية لمنبر اليسار. لكن هذا الاقتراح ما لبث أن رفض سواء من الرئيس السادات أو حتي من العاملين في جريدتي الأخبار والجمهورية.. وتصاعدت أسئلة من كبار محرري الجمهورية كيف يطلب منا أن ندافع عن اليسار ونحن ضده؟ ويقال إن إبراهيم الورداني وكان مقربا من السادات قابل الرئيس وأقنعه برفض هذا الاقتراح. ثم نوقش اقتراح آخر أكثر تواضعا وهو تخصيص صفحة أسبوعية لكل منبر في كل من الصحف الثلاث. ثم رؤي أن هكذا كثير علي منبر اليسار بالذات وذلك بعد بدأ خلاف حاد بين الرئاسة ومنبر اليسار، وقد أثار هذا الخلاف موسي صبري الذي ربما كان الوحيد من المقربين من السلطة ومن السلطة ذاتها الذي قرأ برنامجنا فوجد فيه عبارة تطالب بضمان حق الإضراب للعمل وفجر موسي صبري هذا الاكتشاف في مقالات بالأخبار اتهم فيها منبر اليسار بالتحريض علي الفوضي وركز علي سؤال هل توافقون علي حق الإضراب في الاتحاد السوفيتي؟ وغضب السادات مرة أخري والتقي خالد محيي الدين طالبا منه شطب هذه العبارة من البرنامج. وكعادته لجأ الأستاذ خالد إلي حيلته الماكرة المعتادة فقال للسادات سأعرض الأمر علي القيادة. فلما ألح السادات أكد الأستاذ خالد أنا شخصيا لاأستطيع تغيير البرنامج لكن القيادة تستطيع. وبالفعل عرض الأمر علي السكرتارية العامة (أصبحت الآن الأمانة العامة) وتردد من أعضاء السكرتارية العامة (د. محمد خلف الله، ومحمد ادريس، نيازي عبد العزيز) خوفا من صدام مبكر مع النظام لكن الغالبية العظمي للسكرتارية العامة قررت عدم الموافقة علي شطب هذه العبارة. وبدأ الصدام مع السادات. وأخيرا تقرر أن تصدر صحف حزبية واجتمعت لجنة المتابعة (الأمانة ا لمركزية) لتحدد اسم الجريدة ورئيس التحرير. وبدا الخلاف واضحا، كان هناك اتجاه واسع لتسمية الجريدة «اليسار» اعترض د. خلف الله وأعلن صراحة أن سيستقيل إذا قبلنا هذا الاسم. وبدأنا في طرح اسماء عديدة «الجماهير» . لكن د. فؤادي مرسي. وأبو سيف يوسف رفضا هذا الاسم لأنه كان اسم جريدة خاصة بمنظمة حدتو. واقترح اسم الشعب ثم اقترح اسم الأهالي (وهم اسم لجريدة كانت تصدر عام 1919 ورأس تحريرها المفكر التقدمي فرح انطون. ثم كلف خالد محيي الدين باختيار رئيس تحرير. واتجه تفكيره أولا إلي صلاح حافظ وزرنا خالد محيي الدين أنا صلاح حافظ في منزله كانت ابتسامته تسبقه وقال معتذرا عبارة لم أزل أذكرها: «كنت سأغضب جدا إذا لم تقترحوا اسمي» ومع ذلك اعتذر واستقر الرأي علي محمد عودة. والبداية بسيطة جدا مقر الجريدة هو غرفة الأمانة العامة ولا تستخدم إلا إذا لم تكن هناك اجتماعات، المسئول المالي والإداري ود. علي مختار يودع الأورق الخاصة بالجريدة في منزله ويحمل ما هو مهم في حقيبة يد صغيرة. ومع تصاعد غضبة السادات اتجه عديد من الكتاب إلي اسماء سرية فسعد الدين وهبة كان يوقع أبو شادوف وصلاح حافظ استعار اسمه الحركي عندما كان هاربا عام1954 فوقع باسم «دبوس». وبعد وفاته استعار فيليب جلاب ذات الاسم. بدأت «الأهالي» بالتعاقد مع دار الأخبار لطبعها. والمثير للاهتمام أن مسئول المطبعة ارسل البروفات إلي موسي صبري لمراجعتها لكنه رفض فتح المظروف وكتب عليه هذه جريدة حزبية ولا يحق لأحد أن يراجعها وينبه علي المسئولين عن المطبعة بعدم عرضها علي أي شخصي. وهذه مفارقة تستحق التسجيل.