خطوة للأمام وخطوات للوراء أظهرت القراءة الأولية لقوائم المرشحين للحزب الوطني الحاكم عدة ظواهر، بينها، ان الحزب ينافس نفسه في اكثر من دائرة للمرة الاولي منذ تأسيسه عام 1978، ففي عدد من الدوائر يتنافس ثلاثة عمال علي نفس المقعد ، وفي بعضها الآخر يتنافس اربعة مرشحين علي مقعد الفئات فيما سمي بالدوائر المفتوحة التي بلغ عددها 40 دائرة، واستثني من ذلك المرشحات علي مقعد الكوتة النسائية، كما ضمت القوائم عددا ضئيلا من الاقباط هو خمسة مرشحين معظمهم ينافس في الدوائر المفتوحة ، من بين 780 مرشحا ، وبهذه المناسبة فان مرشحي حزب التجمع من الاقباط وصل عددهم الي احد عشر مرشحا!. والمبرر الذي ساقه قادة الحزب الوطني الحاكم، لمبدأ الدائرة المفتوحة هو ان كل المتنافسين عليها يحظون بجماهرية في تلك الدوائر فسمح لهم بالتنافس ليحسم الناخب أيهم الاكثر قبولا من الآخر، لكن الارجح ان وراء ذلك ايضا السعي لارضاء اكبر عدد من الراغبين في الترشيح، املا في الحد من ظاهرة الانشقاق علي قراره، والتقدم للترشيح بشكل مستقل، والتي برزت في معظم الانتخابات البرلمانية ، خلال العقود الماضية. ولعل الاجراءات التي اتخذتها امانة التنظيم في الحزب الوطني، وتمثلت في اخذ توكيلات من كل الراغبين في الترشيح، والتقدم باوراق من تم الاتفاق علي اسمائهم في اللحظة الاخيرة الي مديريات الامن ، يكون من بين اهدافها مواجهة نفس تلك الظاهرة، وهي الانشقاق علي ارادة الحزب، والترشح بشكل مستقل، ولا اوافق علي من يعتبرون ذلك ظاهرة سلبية، اذا ما كنا نسعي جميعا في الحياة السياسية والحزبية الي ترسيخ ثقافة الالتزام الحزبي. علينا بالاعتراف اذن ان الحزب الوطني قد جدد هذه المرة من ادواته الانتخابية، بمبادئ جديدة تقوم علي فكرة التجمع الانتخابي التي جري استعارتها من التجربة الامريكية، التي تعتمد علي استقصاءات الرأي وانشاء مركز للحزب في بناء العينات، باختيار عينات عشوائية واستخلاص نتائج من بينها، فضلا عن التقارير التي تجمعها اجهزة الامن عن الراغبين في الترشيح، واستطلاع اراء المحافظات والمجالس المحلية، والحزب يسعي بذلك الي تجديد هياكله التنظيمية وتحديثها، وهي خطوة للأمام اذا ما كانت سوف تنتهي بالفصل التام بينه وبين سلطات الدولة التنفيذية التي استمد عبر عقود نفوذه من الاندماج التام معها. وكانت المفارقة مع هذا النزوع الي التحديث ان اعتمدت قائمة مرشحي الوطني في تحديد أسس الاختيار علي العوامل التقليدية غير السياسية التي تسود المجتمع المصري وغيره من البلدان غير المتقدمة علي الصعيد الديمقراطي، وبينها الاعتماد علي العصبيات والاسر الكبيرة ، والنفوذ القبلي، والثراء المادي. لكن يظل العدد القليل من الاقباط بين مرشحي الوطني يحمل معني سلبيا يتمثل في وضع المزاج الطائفي السائد في المجتمع ضمن اسس الاختيار، بدلا من مواجهته برسالة مغايرة. ومن بين العوامل السلبية التي كشفت عنها قائمة الوطني ، خوضه الانتخابات في كل الدوائر، وهو ما يعكس غياب الرغبة السياسية في التوصل الي برلمان متوازن، يحظي فيه الحزب الوطني باغلبية مريحة، وتمثل فيه المعارضة بأقلية معقولة ، وهو ما كان يتطلب ان يخلي الحزب الوطني الحاكم عددا من الدوائر لاحزاب المعارضة. ، لكن يبدو ان هناك تصورا في امكانية تحديث الهياكل التنظيمية للحزب الوطني، دون تحديث النظام السياسي، بما يضمن التوازن في الحياة السياسية، الذي يستحيل حدوثه باستمرار النزعات الاحتكارية والتسلطية للحزب الوطني، وبتواصل حصار احزاب المعارضة بقبضة أمنية ثقيلة، وبمنع انشطتها الجماهيرية ثم معايرتها بعد ذلك بضعفها . ليس هناك ديمقراطية بدون احزاب قوية قادرة علي التنافس الحر بلا قيود، وسوف تظل الانتخابات تجري وكل شيء باق علي حاله، ما لم يعدل نظام الانتخاب الفردي الذي يرسخ لدي الناخبين العوامل التقليدية السلبية وغير السياسية، والطريق الوحيد للتغلب علي ذلك هو القبول بمطلب «التجمع» بتعديل النظام الانتخابي الي نظام القائمة النسبية المفتوحة وغير المشروطة، التي من شأنها ان تخرج الحياة السياسية والحزبية من ركودها، والا فكل شيء يبقي علي ما هو عليه وكل سنة وانتم طيبون!