على عكس الهدف الذى أعلنته الحكومة عند إصدارها القرار بقانون رقم 107 لسنة 2013 «بتنظيم الحق فى الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية»، وهو تنظيم حق التظاهر ومنع حالة الفوضى الحالية الناتجة عن غياب هذا التنظيم، وما تؤدى إليه هذه الفوضى من اضطراب المرور فى القاهرة والمدن الرئيسية، وتعطيل للعمل، وصراعات بين المواطنين.. فقد تزايدت المظاهرات وانضمت إليها القوى والتيارات الرافضة لهذا القانون، ولم تعد مقصورة على مظاهرات يوم الجمعة التى تدعو لها جماعة الإخوان «الإرهابية»، وتوالت الاشتباكات بين المتظاهرين «السلميين» والشرطة وسقوط الجرحى والقبض على العشرات من المتظاهرين، وسقوط قتيل بين طلاب كلية الهندسة بالجامعة وإضراب طلاب وأساتذة الكلية. وعجزت وزارة الداخلية والحكومة عامة عن إقناع الرأى العام – الراغب بشدة فى تحقيق الاستقرار ووقف حالة الفوضى العامة فى الشوارع – بالحجج التى قدمتها لتبرير إصدار هذا القرار بقانون فى هذا التوقيت، وبنصوصه التى تنتهك الحق فى التظاهر وتقيده. * فالقول بعدم وجود قانون يتعامل مع التظاهر ادعاء كاذب فالقرار بقانون الذى أصدره رئيس الجمهورية المؤقت فى 24 نوفمبر الماضى يشير إلى الاطلاع على «القانون رقم 10 لسنة 1914 بشأن التجمهر، والقانون رقم 14 لسنة 1923 بتقرير الأحكام الخاصة بالاجتماعات العامة وبالمظاهرات فى الطرق العمومية» والغريب أن القرار بقانون قد ألغى فى مادته (23) قانون 1923، ولم يتعرض لقانون 1914 الصادر فى ظل الاحتلال والحماية البريطانية الذى ظل قائما ومشهرا ضد ممارسة المواطنين لحق التظاهر السلمي! * ويفرض القانون على منظمى المظاهرة إخطار قسم أو مركز الشرطة الذى يقع بدائرته مكان الاجتماع أو مكان بدء سير الموكب أو التظاهرة قبل بدء المظاهرة بثلاثة أيام عمل على الأقل وبحد أقصى 15 يوما! * وبعد أن كان مشروع القانون الذى ناقشه مجلس الوزراء فى 10 أكتوبر قد أعطى الحق لوزير الداخلية أو مدير الأمن المختص أن يطلب من قاضى الأمور الوقتية إلغاء المظاهرة «فى حال حصول جهات الأمن على معلومات جدية أو دلائل عن وجود ما يهدد الأمن والسلم»، نص القرار بقانون فى مادته العاشرة على حق وزير الداخلية أو مدير الأمن المختص إصدار قرار مسبب بمنع التظاهرة أو الاجتماع العام، وعلى «المتضرر» أن يلجأ هو للقضاء! * وبعد أن كان مشروع القانون يحدد حرما آمنا فى حدود 100 متر أمام «المواقع الحيوية كالمقار الرئاسية والمجالس النيابية ومقار المنظمات الدولية والبعثات الدبلوماسية الأجنبية والمنشآت الحكومية والعسكرية والأمنية والرقابية ومقار المحاكم والنيابات والمستشفيات والمطارات والمنشآت البترولية والمؤسسات التعليمية «المدارس والجامعات» والمتاحف والأماكن الأثرية وغيرها من المرافق العامة» يمنع التظاهر فيه، أو بعد القرار بقانون حق وزير الداخلية بالتنسيق مع المحافظ فى تحديد نطاق هذا الحرم بلا قيود، مما يعنى عمليا إمكانية منع التظاهر أمام هذه المقار أو بالقرب منها، ولتصبح جميع شوارع القاهرة تقريبا «حرما آمنا» يمنع التظاهر فيها، فلا يوجد شارع تقريبا لا توجد به مؤسسة تعليمية أو منشأة حكومية!! * ويفرض القانون عقوبات مغلظة على مخالفة مواد هذا القانون تتراوح بين الحبس والسجن المشدد 7 سنوات، وغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تتجاوز 300 ألف جنيه «أى أكثر من ربع مليون جنيه» وهى عقوبات تتجاوز حد المعقولية. ومرة أخرى يعترض الأمين العام للأمم المتحدة على هذا القرار بقانون ويطالب بتعديله ويصفه «مارتن نسيركي» المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ب «القانون المعيب الذى يقيد حق التظاهر ويؤدى إلى انتهاكات جسيمة للحق فى التجمع السلمي». ويؤكد «نافى بيليه» المتحدث باسم المفوضية العليا لحقوق الإنسان اعتراض المفوضية على القانون لأنه «يفرض قيودا واسعة النطاق على أماكن التظاهر، ويفرض حظرا شاملا على الاجتماعات العامة». ولا أحد يرفض إصدار قانون لتنظيم التظاهر، ولكن المسافة واسعة بين قانون ينظم حق التظاهر وهذا القرار بقانون الذى يقهر هذا الحق ويكاد يصادره.