عندما تاسست المملكة العربية السعودية – وكان ذلك في عقد الثلاثينيات من القرن العشرين – كانت الولاياتالمتحدة اول دولة اجنبية على الاطلاق تقيم علاقات دبلوماسية معها. من وقتها سارت العلاقات بين الدولتين في مسار شمل النواحي السياسية والاقتصادية وكذلك الاستراتيجية. وعلى الرغم من اختلاف واسع وعميق بين الدولتين من الناحية الثقافية فان السنوات منذ تأسيس العلاقات شهدت تزايد اعداد الطلاب السعوديين من كل المستويات التعليمية الذين يسافرون الى الولاياتالمتحدة لاستكمال دراساتهم بما في ذلك الدراسات العليا. وأصبح تأثير الولاياتالمتحدة الثقافي على السعودية قويا وواسع النطاق مع مرور السنوات منذ تأسيس العلاقات بينهما. ويمكن القول ان علاقات المملكة السعودية بالولاياتالمتحدة شبيه من أوجه كثيرة بعلاقات المملكة مع مصر فيما عدا السنوات التي شهدت خلافات في التوجه السياسي لمصر وخاصة سنوات حكم الزعيم جمال عبد الناصر لمصر وتوجهها التقدمي وعلاقاتها الخارجية التي ابتعدت بمصر كثيرا في ذلك الوقت عن النفوذ الأمريكي. وهو وضع استمر على حاله الى ان بدأت مصر تحت حكم انور السادات تتجه نحو تصالح وسلام مع اسرائيل وبالتالي بدأت علاقات أكثر اعتمادا على الولاياتالمتحدة سياسيا واستراتيجيا واقتصاديا. وهو وضع استمر منذ توقيع اتفاقات كامب ديفيد باشراف الولاياتالمتحدة بين مصر واسرائيل في اواخر سبعينيات القرن الماضي حتى الوقت الحاضر، على الرغم من ان ثورة 25 يناير 2011 هدفت بين ما هدفت اليه الى تخليص مصر من النفوذ الأمريكي الذي ساعد بالتأكيد على تثبيت حكم حسني مبارك لنحو ثلاثين عاما. مع ذلك فان العلاقات الأمريكية-المصرية شهدت اضطرابا ملحوظا بسبب تأييد الولاياتالمتحدة لحكم الاخوان ومعارضة أمريكية قوية للاتجاه الشعبي المصري نحو التخلص من حكم الاخوان. بعد ذلك مباشرة بدا ان الولاياتالمتحدة وجدت نفسها مضطرة لان توقف دعمها العلني والمباشر للاخوان. ولهذا الغرض اساسا كانت رحلة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الى القاهرة لتأكيد هذا الاتجاه وتأكيد استمرار العلاقة القوية بين المؤسستين العسكريتين في مصر وأمريكا. ولا يعرف أحد على وجه التحديد اذا كانت السعودية قد لعبت دورا في تثبيت العلاقات المصرية-الأمريكية بعد هذه الازمة الاخيرة، وذلك بحكم ما للمملكة من علاقات قوية مع كل من مصر والولاياتالمتحدة. اضطراب العلاقات مع ذلك فلابد من ملاحظة ان الفترة الاخيرة نفسها التي شهدت اضطراب العلاقات المصرية-الأمريكية شهدت اضطرابا لاسباب أخرى بين المملكة السعودية والولاياتالمتحدة. ولا تكاد توجد سابقة لهذا الاضطراب في العلاقات السعودية-الأمريكية سوى سابقة وقوف المملكة الى جانب مصر في وقت نشوب حرب اكتوبرعام 1973. فقد كانت علاقات التنسيق السعودية-الأمريكية بشأن أزمة سوريا – او بالاحرى لخلق هذه الازمة للنظام السوري – قد اصيبت باضطراب شديد عندما بدا ان الولاياتالمتحدة فقدت ثقتها بامكان حل الازمة السورية على حساب النظام السوري الحاكم حتى عندما هددت بقصف سوريا بقاذفات القنابل كوسيلة لاجبار سوريا على تدمير الاسلحة الكيماوية. ولا يزال الغموض يحيط بالاسباب التي حملت واشنطن على ابتلاع رغبتها القوية لضرب سوريا عسكريا كمساعدة بدت ضرورية للمعارضة السورية التي اخذت في الفترة الاخيرة تفقد فرصها للفوز العسكري في مواجهة الجيش السوري فقد ابدى تمسكا بالنظام الحاكم باعتباره قوة قومية ووطنية لا يمكن الاستغناء عنها الا بالانحياز للمملكة السعودية والولاياتالمتحدة. كان تراجع الجانب الأمريكي – ربما تحت ضغط دبلوماسي من جانب روسيا – عن دعم المعارضة السورية مفاجأة للسعودية التي اعتقدت ان الولاياتالمتحدة ستمضي لآخر الطريق نحو اسقاط نظام بشار الاسد. وكان معنى هذا التراجع ان السعودية انفقت كل ما انفقت على تمويل وتسليح التنظيمات الاجنبية المعادية للنظام السوري دون جدوى. وبدا ان السعودية متمسكة اشد مما تتمسك الولاياتالمتحدة بهدف اسقاط النظام السوري. وبدا ان الدولتين المتحالفتين ماضيتان في السير في اتجاهين مختلفين. وكان هذا سببا كافيا لايفاد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الى السعودية ضمن جولة خارجية واسعة في محاولة لاعادة الوئام الى النظرتين الامركية والسعودية ازاء الازمة السورية. وكان هذا ايضا سببا كافيا لاهتمام العالم من خلال مراقبيه، وخاصة صحافته، بزيارة كيري للسعودية ومحادثاته فيها حول هذه الازمة الجديدة. وعلى الرغم من ان كيري زار مصر قبل ان يزور السعودية لرأب هذا الصدع الخطير الا انه ليس معروفا ايضا اذا كان كيري بحث مع القادة المصريين، خاصة العسكريين منهم، امكان تدخل مصر لدى السعودية لاقناعها بصواب الموقف الأمريكي الجديد من الازمة السورية. محاصرة الخلاف ولقد بذل كيري جهدا كبيرا في محادثاته مع ملك السعودية عبدالله ووزير خارجيته الاميرسعود الفيصل لاقناعهما باهمية محاصرة الخلاف بين الدولتين الحليفتين بشان سوريا وبشأن ايران. فقد بدا ان الوزير الأمريكي اراد ان يفهم مستضيفيه السعوديين ان الولاياتالمتحدة تفهم ان الهدف السعودي من الدور الكبير الذي تلعبه في سوريا وانفاق الاموال فيها لتسليح المعارضة السورية يتعلق بايران والرغبة السعودية في ان تخرج ايران من الازمة السورية مهزومة. وعلى الرغم من ان محاولات كيري لاقناع القيادات السعودية بالعدول عن أخذ ايران في الاعتبار لم تجد تعبيرا صريحا عنها فيما نقل عن محادثات كيري مع القادة السعوديين، الا ان الوزير الأمريكي اوضح خلال زيارة لمقر السفارة الأمريكية في الرياض انه يدعو الى ابقاء العلاقات السعودية الأمريكية على مسارها الصحيح. كما قال بعد ان التقى بنظيره السعودي "ان لدينا في الوقت الحاضر كثيرا من الامور ذات الاهمية الكبيرة التي يتعين علينا بحثها لنبرهن على ان العلاقات السعودية-الأمريكية تسير على الطريق الصحيح، والمضي قدما نحو القيام بما يترتب علينا انجازه". ووصف كيري السعودية بانها "اللاعب الابرز في العالم العربي". ولعل ما كان اهم ما قاله كيري وهو في القاهرة قبل ان يصل الى السعودية ان واشنطن "ربما تكون اختارت تكتيكا مختلفا عن حلفائها بالنسبة لسوريا ولكن الهدف يبقى واحدا". وقد اصبح من المؤكد ان كيري بحث في السعودية – الى جانب العلاقات السعودية-الاميريكية في ضوء ازمة سوريا والموقف الأمريكي الاخير – الوضع في مصر والتأييد الذي تبديه المملكة السعودية للنظام القائم في مصر، وتناول بشكل خاص المساعدات المالية السعودية لمصر في الظروف الراهنة، مؤكدا تأييد واشنطن لهذا المسار في السياسة السعودية. الا انه لم يعرف – كما لم تتناول الصحافة الأمريكية – اذا كان كيري قد ربط بين الازمة السورية والوضع الراهن في مصر او اذا كان اعتبر ان من الضروري التأكيد على ضرورة اتخاذ مصر موقفا من سوريا اقرب الى الموقف الأمريكي أو الى الموقف السعودي. لكن الامر المؤكد ان الولاياتالمتحدة تتمسك بشدة بان يتخذ حلفاؤها مواقف مماثلة لمواقفها ازاء الازمات والقضايا الخارجية. وقد كان هذا هو هدف كيري من اجراء محادثاته في الرياض، اي اقناع قادة المملكة بضرورة اتخاذ موقف لا يختلف عن موقف واشنطن سواء ازاء ازمة سوريا او الوضع الراهن في مصر او ازاء بروز دور ايران الاقليمي. الموقف من سوريا وليس من المستبعد باي حال ان تكون السعودية قد تناولت مع وزير الخارجية الأمريكي ملامح الموقف السعودي من الازمة السورية خاصة في ضوء التباين والخلافات القوية بين التنظيمات العربية وكذلك التنظيمات الاجنبية التي تخوض حرب سوريا، خاصة بين التنظيمات التي تدعمها المملكة السعودية بالاموال والاسلحة. فالامر المؤكد ان السعودية تواجه مع هذه التنظيمات ازمة كبيرة تربك حسابات السعودية على الرغم من حرص المملكة على ان تبدو متماسكة في سياستها ازاء الازمة السورية. وعلى اي الأحوال فان الموقف السعودي بعد محادثات كيري في الرياض لن يستغرق طويلا ليكشف عن تأثير الولاياتالمتحدة على المملكة، وذلك على الرغم من التأكيدات الصحيحة بان السعودية لا تتميز بالسرعة في تغيير سياساتها أو بصفة خاصة في الاعلان عن هذا التغيير. ان المملكة لا تستطيع ان تقف طويلا في موقع ينأى بها عن الولاياتالمتحدة. خاصة اذا كان الخلاف بينهما – وخاصة بشأن أزمة سوريا – يتناول جوانب تكتيكية لا استراتيجية بشأن ما يجري في سوريا.