في غمرة أفراح الشعب المصري بنجاح الموجة الثورية الثانية و انقشاع كابوس جثم علي صدره خلال عام-ينيف علي ألف عام مما تعدون-بدأت دعوات تتري علي استحياء,ثم أخذت تتعاظم و تتردد علي ألسنة الكثيرين من أفراد النخبة؛باسم الدين حيناً,و باسم الوطنية حيناً آخر للمصالحة مع النظام الاستبدادي المتسلط الذي دالت دولته الأولي و الأخيرة؛فيما أري. من أسف أن بعض هؤلاء الدعاة من الأكاديميين المشتغلين بالعلوم السياسية الذين أظهروا تعاطفهم مع الموجة الثورية الأولي بهدف ركوب موجتها,و شكل البعض منهم أحزاباً سياسية"مراهقة"قفزت بهم إلي عضوية البرلمان"الفضيحة"-الذي كان غالبية أعضائه من التيارات الإسلاموية-في تاريخ الحياة النيابية في مصر.فكانوا لذلك بمثابة رديف مؤازر لقوي الظلام. و قد تعرت تلك النخبة و افتضح أمرها؛ليس فقط بالنسبة لشباب الثورة؛بل لجماهير الشعب التي أفادت من أخطاء الموجة الثورية الأولي في إذكاء الوعي بتبديد ضباب"الوعي الزائف".ليس أدل علي ذلك؛من رفضها القاطع لدعاوي المصالحة الخادعة,و دحض تبريرات و ذرائع أصحابها الجوفاء,و أصرت علي القصاص تحت شعار"لا مصالحة في الدم". ثمة دعاة آخرون-بل أدعياء-للمصالحة من أفراد بعض زعامات التيارات الإسلاموية-المناورة في غباء-سواء من قيادات "حزب النور"السلفي,أو من قيادات حزب "مصر القوية"؛بل من بعض قيادات"الجماعة الإسلامية"المتطرفة.لقد أدرك هؤلاء جميعاً أن مصيرهم إلي زوال؛بعد أن كشف الثوار المظفرون نواياهم الخبيثة في إعاقة المسار الثوري,و تلاعبهم -بإسم الدين – بعبارة"عفي الله عما سلف"للحفاظ ليس فقط علي وجودهم في ظل"النظام الجديد"؛بل في استئصال شأفتهم؛كمصير محتوم ينتظر جميع فصائل التيارات الإسلاموية..هذا المصير المحتوم؛هو ما حكم به الثوار؛بما ينم عن وعي ثوري بلغ ذروته.و قد تمثله أحد الشعراء القدامي؛حين قال:لا تقطعن ذنب الأفعي و تتركها إن كنت شهماً فأتبع رأسها الذنب .!! علم الثورة يقول لكنها الحقيقة الصادعة التي ينطق بها"علم الثورة"في مواجهة خصومها؛خصوصاً إذا ما كانوا إرهابيين و تكفيريين و سفاكي دماء يرون في خصومهم أعداء للدين يجب جهادهم.بل إن هذا الجهاد-في نظرهم-أفضل من"جهاد أهل الشرك"!! .ولا غرو؛فقد عبروا عن ذلك خلال أحداث 30 يونية؛بما يغني عن البيان.و حسبي الإشارة إلي ما جري من قتل بعض أطفال الثوار برميهم من فوق أسطح المنازل,و التمثيل بجثثهم مهللين مكبرين باسم الدين!!.و نحن في غني عن اجترار ما تعرض له عشرات من شباب الثوار من القتل,و الزج بالآلاف منهم في غياهب السجون و المعتقلات؛حيث جري شفاء غليل معذبيهم-من أصحاب اللحي السوداء و العيون الحمراء و السحن الصفراء-بما يفوق بشاعة التتار.الأنكي؛هو تبرير ذلك بآيات قرآنية-يحرفونها عن مواضعها-مثل:"…ليذهب غيظ قلوبهم,و يشفي صدور قوم مؤمنين"..!! و ما تاريخ"جماعة الإخوان"إلا تاريخا لسفك دماء الأبرياء؛لا عن طريق المواجهة العلنية؛بل عن طريق الاغتيال السياسي. أما عن حلفائهم"الجهاديين"- القتلة-و"الجماعة الدينية"و غيرها؛فتشهد عليه أحداث الثمانينيات و التسعينيات من القرن الماضي؛حيث شملت اغتيالاتهم السياسيين و المواطنين الودعاء المسلمين,و المسيحيين الأبرياء من المصريين و الأجانب علي السواء.ناهيك عن حماقات"السلفيين"الذين استباحوا دماء الجميع بزعم"الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر". و حسبنا الإشارة إلي المجزرة التي نصبوها للشيعة في إحدي قري الجيزة. لذلك؛نتساءل-بل نسائل كل من يدعو إلي المصالحة-هل يمكن مصالحة هؤلاء و أولئك؟ ثمة أسئلة أخري:إذا جاز عقد تلك المصالحة؛فهل يقبلوها؟ و إذا جاز قبولها-و كل ذلك لا يجوز-هل سيوفون عهودها و يلتزمون بشروطها؟ لا وألف لا المؤكد أن الإجابة عن كل تلك الأسئلة هي:لا..لا..و ألف لا.!! و السؤال الأخير هو:لماذا؟ أما الإجابة عنه؛فهي ما يلي: أولاً – أن كافة الجماعات الإسلاموية المعاصرة ولدت من رحم جماعة"الإخوان المسلمين"التي تنصلت من مهامها"الدعوية"و تفرغت للسياسة؛حيث دخلتها من بابها"المكيافيللي"؛فالغاية عندهم تبرر الوسيلة.علي أن فكر مكيافيللي-للإنصاف-كان تقدمياُ"هيومانياً"-أي إنسانياً-إذ ألف كتابه"الأمير"لنصح و إرشاد أمراء المدينة الدولة-فلورنسا"المستنيرين في الحفاظ علي حكومتهم العلمانية-المؤسسة علي الحرية و العقلانية و العدالة الاجتماعية و الاقتصاد" المركنتالي"الحر-في مواجهة البابوية الثيوقراطية و مناصريها من أمراء الإقطاع"الفيودالي".علي العكس من ذلك؛نجد الإسلامويين المعاصرين-في الغالب الأعم-يعتنقون الفكر"القطبي"المتطرف؛القائل بالحاكمية الثيوقراطية و معاداة"الأغيار"-ممن ليسوا علي مذهبهم-باعتبارهم"أهل جاهلية"و كفرة يجب-شرعاً- استعراضهم بالسيف لتحقيق هدف أسمي هو"سيادة العالم"كله عن طريق"الغلبة". لذلك -و غيره كثير-لن يقبل الإسلامويون"المصالحة"؛إنطلاقاً من"دوجما"دينية-في منظورهم لا علاقة لها بالإسلام-تعادي الخصوم؛خصوصاً إذا ما كانوا من الثوار الذين شيعوا نعشهم إلي مثواهم الأخير؛حيث جهنم و سوء المصير.!! ثاني )- لن يقبل"الإخوان"المصالحة إلا بعد تنفيذ حلمهم "الطوبوي" بعودة "البلغمي" المعزول إلي الحكم؛ و هو أمر مستحيل.مرد ذلك إلي عقولهم الخاوية و خيالهم المريض الذي يصور لهم أن"النصر من عند الله"؛باعتبارهم"الفئة القليلة المؤمنة"في مواجهة"الكثرة من أهل الضلالة".و لعل ذلك يفسر ما يشاع بين أعوانهم المعتصمين ب"رابعة العدوية"من خرافات أسطورية,و أحلام وردية,و رؤي منامية؛كتلك التي تصور الرسول(ص)يطلب من رئيسهم"المغيب"أن يؤمه و جماعته للصلاة..!! و الأنكي؛ما ترتب علي تلك الأوهام الخرافية من إلهاب مشاعر شبابهم"المغرر به"من إعلان الجهاد حتي النصر أو الشهادة..!! و حسبنا الإشارة إلي ما وقع من مذبحة أطاحت برقاب خمسين منهم-فضلاً عن مئات الجرحي"حين تجاسروا لتحرير رئيسهم من الاعتقال؛بمهاجمة مقر"الحرس الجمهوري".هذا فضلاً عما يشاع عن"البلغمي المغيب"من دخوله في نوبات صرع تجمع بين الضحك الهستيري و النشيج الباكي؛كدلالة علي رفض التسليم بحقائق"الأمر الواقع"؛فينكره بالتهام"الفتة و الجاتوه"..!! ثالثاً- إصرارهم علي التجمهر و الاعتصام-الذي يروج لقياداتهم المروعة من سوء المنقلب متوهمين النجاة بالتخفي بين الجموع-بحشد الأعوان و غيرهم عن طريق بذل الأموال في كرم و سخاء.و في هذا الصدد لم يتورعوا عن تجنيد بعض العناصر العربية من اللاجئين الفلسطينيين و العراقيين و السوريين بمصر,و استخدامهم كجنود"مرتزقة"للدفاع عن أرواحهم..!! و الأنكي؛إغراءهم بالجنس"الشرعي"حسب قولهم البائس عن"جهاد النكاح". تلك الوقائع-و غيرها كثير-بالغة الدلالة علي إقدام"جماعة الإخوان"علي"الانتحار الجماعي".غير أن"حلاوة الروح"دفعت تنظيمهم العالمي إلي محاولة"الإنقاذ"الأخيرة.فقد اجتمع قادته في تركيا للتخطيط لمعركة حشد المسلحين من"حماس"و"السلفية الجهادية"و تنظيم"القاعدة"و طالبان و غيرهم من شذاذ الأرض لخوض غمارها.و لا بأس من الاستنجاد بالأصدقاء من الأمريكان و الصهاينة-في هذا الصدد-ما استطاعوا إلي ذلك سبيلا,و هو ما سنعرض له في المقال التالي.