رئيس مجلس الشيوخ في ضيافة نادي قضاة مصر (صور)    رئيس الوزراء يؤكد أهمية اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمار بين مصر والسعودية    البيت الأبيض: ترامب يريد دخول المساعدات إلى غزة بطريقة آمنة    الزمالك يعلن التعاقد مع فرانك موريس لتولي القيادة الفنية لفريق اليد    الأهلي يكتسح الملعب التونسي برباعية وديا    عاجل- مصدر بالتعليم: اعتماد نتيجة الثانوية العامة غدًا وإعلان الأوائل رسميًا    مع الظرفاء، ندوة ضمن البرنامج الثقافي لمعرض مكتبة الإسكندرية للكتاب    طريقة عمل صوص الشوكولاتة في البيت باحترافية    فعالية ثقافية لذوى الهمم بمتحف طنطا    ولي عهد الكويت يشيد بحكمة الرئيس السيسي وبالدور المصري الداعم لمختلف القضايا العربية    كما كشف في الجول - الفرنسي فرانك موريس مدربا ليد الزمالك    كرة سلة – منتخب مصر يهزم إيران في بطولة لبنان الودية    أشرف صبحي: قانون الرياضة يحتاج للتعديل.. وتوجد بدائل للاعتراضات المتوقعة.. فيديو    نفس صيغة نيكو باز.. سكاي: كومو يتفق مع ريال مدريد على ضم رامون    رئيس هيئة الدواء المصرية يوقّع مذكرة تفاهم مع وكالة تنظيم الأدوية السنغالية    الحكم على متهم في إعادة محاكمته ب«خلية الوراق الإرهابية» 15 نوفمبر    صور| اتفاقية بين الجامعة الألمانية بالقاهرة وغرفة الصناعة العربية الألمانية لدعم التعليم    الشباب العربى فى العصر الرقمى    سياسي فلسطيني: لا نعوّل إلا على مصر.. وتجويع غزة جريمة تفوق الوصف    حكاية سلوى محمد على مع المفتقة فى كواليس مسلسل فات الميعاد    الرئيس عبد الفتاح السيسي يستقبل الفريق أول مايكل كوريلا قائد القيادة المركزية الأمريكية بحضور الفريق أول عبد المجيد صقر، القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي    أنشطة صيفية للأمهات لتعزيز مهارات الأطفال خلال الإجازة الصيفية    وزير الصحة يتفقد مشروعات تطوير مستشفيي الأورام والتل الكبير بالإسماعيلية    عاد مبكرًا فوجد زوجته وشقيقه في غرفة نومه.. قصة خيانة هزت العمرانية    بسبب القبلات.. منع راغب علامة من الغناء في مصر    مي سليم تنشر صورة مع تامر حسني وتوجه له رسالة.. ماذا قالت؟    هل النية شرط لصحة الوضوء؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    ملتقى أزهري يكشف عن مظاهر الإعجاز في حديث القرآن عن الليل والنهار    هل يجوز عمل عقيقة واحدة ل3 أطفال؟.. أمين الفتوى يجيب    هل أرباح السوشيال ميديا حلال أم حرام؟.. الدكتور أسامة قابيل يجيب    رمضان عبدالمعز: اللسان مفتاح النجاة أو الهلاك يوم القيامة    لابيد: مستعد للتوافق مع نتنياهو لإبرام صفقة تبادل أسرى بين حماس وإسرائيل ثم عقد انتخابات مبكرة    قرار عاجل من محكمة الاستئناف في قضية طفل البحيرة    حريق داخل مخزن قطع غيار سيارات بالمرج    افتتاح كنيسة جديدة ورسامة شمامسة في بوخوم بألمانيا    أول ولادة لطفل شمعي من الدرجة المتوسطة بمستشفى سنورس المركزي بالفيوم    10 انفصالات هزت الوسط الفني في 2025 (تقرير)    تقارير.. تكشف موقف تشيلسي من التعاقد مع جارناتشو    تغطية مصرف عزبة أبو الجدايل بكفر الشيخ تمهيدًا لرصف الطريق    سعر الدولار اليوم الإثنين 21-7-2025 أمام الجنيه المصرى فى ختام التعاملات    أمجد الشوا: العالم بات يتعامل بلامبالاة خطيرة مع ما يحدث في غزة    المعارضة ليس لها مكان…انتخابات مجلس شيوخ السيسي "متفصلة بالمقاس" لعصابة العسكر    رئيس الوزراء يستعرض موقف توافر الأسمدة الزراعية ومنظومة حوكمة تداولها    "الدراسات العليا" بجامعة قناة السويس يفتح باب القبول والتسجيل لبرامجه "دبلوم - ماجستير - دكتوراه"    تفاصيل اختطاف قوة إسرائيلية لمدير المستشفيات الميدانية في غزة    فريق طبي بمستشفى كفر الشيخ الجامعي ينجح في إنقاذ مريضة تعاني من ورم    قيادي بحزب مستقبل وطن: محاولات الإخوان لضرب الاستحقاق الانتخابي مصيرها الفشل    المؤبد لطالب وشقيقه بتهمة قتل سيدة بمركز البلينا فى سوهاج    النفط والضرائب والسوق السوداء.. ثلاثية الحوثيين لإدارة اقتصاد الظل    سوداني يوجه رسالة شكر للمصريين على متن «قطار العودة»: «لن ننسى وقفتكم معنا» (فيديو)    شواطئ مرسى علم تحتفل مع السائح البلجيكي بيوم بلاده الوطني    الشركة الوطنية للطباعة تعلن بدء إجراءات الطرح فى البورصة المصرية    «مدبولي» يهنئ الرئيس السيسي بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو    الجامعة الألمانية تفتتح نموذجاً مصغراً للمتحف المصري الكبير في برلين    أوكرانيا: مقتل شخص وإصابة اثنين آخرين في أحدث الهجمات الروسية    تعرف على حالة الطقس اليوم الإثنين فى الإسماعيلية.. فيديو    الجيش الإسرائيلي يحرق منازل بمخيم نور شمس ويواصل عمليات الهدم في مخيم طولكرم    الشناوي يتحدث عن صعوبة المنافسة على الدوري.. وتأثير السوشيال ميديا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. محمود إسماعيل يكتب : مفهوم الدولة بين العلمانيين والثيوقراطيين (1)
نشر في الأهالي يوم 08 - 01 - 2013

أحسنت مجلة «عالم الفكر» الكويتية صنعا حين عقدت ندوة حوارية حول «الدولة المدنية والدولة الدينية» – شاركت فيها ضمن نخبة من المفكرين العرب المرموقين – من حيث المفهوم، والفكر السياسي النظري، والواقع التاريخي، والبعد الأيديولوجي، والموقف من الديمقراطية، والأهم توجيه الحوار نحو ما جري ويجري بين أفراد النخبة العربية المفكرة بصدد مستقبل الدولة العربية المنشودة علي إثر اندلاع ما عرف ب «ثورات الربيع العربي»، خصوصا بعد وصول «الإسلامويين» إلي الحكم.
لقد كتبت سلسلة مقالات مهمة قبل المشاركة في هذا الحوار، من باب تنشيط الذاكرة من ناحية، وكشف زيف ومخاتلة الخطاب الإسلاموي الآني بصدد التعهد بإقامة دولة مدنية ديمقراطية حديثة، من ناحية أخري، فبدون «المصادرة علي المطلوب» – كما يقول المناطقة – أجزم بأنهم سيضربون بالعهود والوعود عرض الحائط، لا لشيء إلا لأنهم دخلوا باب السياسة من المفهوم «الميكافيللي» المعروف والمؤسس علي مقولة «الغاية تبرر الوسيلة»، أما عن الغاية التي تؤكدها أدبياتهم كافة، فهي إحياء الخلافة الإسلامية، ولأنها غاية نبيلة وممكنة التحقق – في منظورهم المضبب – تصبح آفات الكذب ونقض العهود والانتهازية.. ونحوها، أمرا مشروعا طالما يقود إلي «مرحلة التمكين» التي تشكل حجر الزاوية في فكرهم السياسي ونشاطهم الحركي، ولم لا؟ ف «الحرب خدعة»، والخصوم الوطنيون «كفرة»، والزمن الآني «جاهلية ثانية»، وتحقيق الحلم «اليوتوبي» بات وشيكا!! ولم لا؟ والصديق الأمريكي – الذي أوصلهم إلي السلطة – لم ولن يمانع في العودة بالعالم العربي المعاصر إلي «ظلاميات» العصور الوسطي، طالما وجد الفرصة في تحقيق مصالحه بالتعامل مع «خليفة» واحد يغنيه عن اللجاج مع زعماء «ثوريين» يتشدقون بشعارات «الدولة الوطنية»، و«الحرية»، و«الندية»، و«العدالة الاجتماعية»، و«التنمية المستقلة».. ونحوها، ولم لا يفيد – والرأسمالية آيلة إلي السقوط – من تجربة «أنطوني إيدن» في تأسيس «الجامعة العربية» حين أفل نجم الإمبراطورية البريطانية التي غابت عنها الشمس؟.. لتحل الخلافة الإسلامية محل الجامعة العربية، وليهنأ العرب المسلمون بسبات «أهل الكهف» لعدة قرون!!
فضح الخديعة
لفضح تلك «الخديعة»، يقول كاتب هذه المقالات كلمته كمؤرخ يتصدي لمخطط المؤرخ الصهيوني «برنارد لويس» عراب المشروع الصهيوني – الأمريكي الإسلاموي الجديد.
يستلزم ذلك – بداهة – العودة إلي تاريخ الفكر السياسي، وتاريخ قيام الدولة – ولو في عجالة – لتعرية مفهوم الدولة الثيوقراطية من ناحية، وتزكية الدولة المدنية الديمقراطية من ناحية أخري، وإثبات أن الدولة الدينية محض خرافة، بل مجرد «يوتوبيا» حالمة لم تتحقق ألبتة طوال عصور التاريخ، من ناحية ثالثة.
يقول الصديق د. إمام عبدالفتاح إمام – في كتابه الفذ «الطاغية» – «من الخطأ أن نتحدث عن دولة دينية، بل من الأفضل أن نستخدم تعبير: «الحكم الثيروقراطي» المستبد المتعسف الذي يأخذ برقاب الناس باسم الإرادة الإلهية».
ويضيف: «إن النظم الثيوقراطية التي عرفها التاريخ تستخدم أحط السبل، كالدسائس والقتل والرشوة، واستمالة الأفراد بالمال، والنفاق، والكذب علي الله»، وقد سبقه «الكواكبي» – في كتابه طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد – إلي ذلك، حين قال: «ما من مستبد سياسي إلا ويتخذ له صفة قدسية يشارك بها الله، أو تعطيه مقاما ذا علاقة بالله»، ولم نعول علي أحكام البشر عامة والقرآن الكريم يذكر «وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري..».
طغيان باسم الدين
وعندنا أن ظاهرة الطغيان – باسم الدين – عرفتها المجتمعات الشرقية – منذ فجر التاريخ وإلي الآن – ثم تسربت إلي أوروبا التي ما لبثت أن لفظتها لتقيم الدولة المدنية الحديثة، بينما عانقتها المجتمعات الشرقية – لأسباب تاريخية – جغرافية – حتي أواخر القرن التاسع عشر، لتتجدد حاليا علي يد «الإسلامويين» الجدد.
ففي مصر الفرعونية، كان الفرعون «ابن الإله» – سواء أكان رع أم حورس أم خنوم أم غيرهم – فهو الذي يأمر النيل بالفيضان، وهو الذي يقوم بتأمين القمح والشعير من بذره إلي حصاده، وهو مستودع العلوم والمعارف التي يهبها لكهنته، وإرادته هي القانون، فهو «الناموس الأعلي» والكاهن الأكبر.
وفي بابل، كان الملك هو نائب الآلهة، لأنهم هم الذين وهبوه الحكم، لذلك كان يجمع الضرائب باسم الإله «بعل» أو «مردوخ»، وحتي الملك حمورابي الذي استن «القانون» ذكر أنه تلقاه من الإله.
وفي بلاد الفرس، جري تأليه «الأكاسرة» من قبل الرعية، فكانوا لذلك أول من أبدعوا نظرية «التفويض الإلهي»، التي أخذ بها بعض الخلفاء المسلمين، وأباطرة أوروبا العصور الوسطي، وكانت قد تسربت قبل ذلك إلي بلاد اليونان، ومن بعدهم الرومان، فمعلوم أن الإسكندر المقدوني بعد احتلال مصر، جري تتويجه من قبل كهنتها في معبد الإله آمون بواحة سيوه، كابن له، وبعد غزوه بلاد الفرس أعجب بنظرية «التفويض الإلهي» ومزج بينها وبين التقاليد المصرية في تأليه الحاكم، وهو أمر أنكره شعبه المقدوني.
درج حكام روما علي محاكاة «الثيوقراطية» الشرقية ذاتها، فاعتبر أنطونيوس نفسه هو «ديونيسيوس – أوزوريس» بعد زواجه من كليوباترا، كما تقمص الأباطرة الرومان – كاليجولا ونيرون ودوميتيان – روح آلهة الشرق، الأمر الذي أفضي إلي اتهامهم بالجنون من قبل الشعب الروماني، علي الرغم من تقديسه من قبل للإمبراطور أوكتافيانوس الذي اكتفي بأن يطلق علي نفسه لقب «الكاهن الأعظم».
لذلك، كان اضطهاد أباطرة الرومان – من أمثال دقلديانوس ونيرون للمسيحيين لا لكونهم يعتنقون دينا جديدا، بقدر رفضهم الاعتراف بتقديس الإمبراطور، ومعلوم أن الديانة المسيحية حضت أتباعها علي طاعة الحكام – وليس تقديسهم – «فما لقيصر لقيصر، وما لله لله»، لا لشيء إلا للعزوف كلية عن مباهج الحياة الدنيوية، باعتبارها حياة «الخطيئة»، خطيئة آدم، ومن بعدها خطيئة صلب السيد المسيح، وحسبنا قوله «مملكتي ليست في هذا العالم»، وهو أمر أكد عليه القديس أوغسطين في كتابه «مدينة الله» الذي اعتبر حكام الدنيا يدخلون في إطار ما أطلق عليه «مملكة الشيطان».
وإذ اعترف الإمبراطور قسطنطين بالمسيحية، فقد أضفي علي حكمه مسحة ثيوقراطية، وحسبنا أنه هو الذي كان يعقد المجامع «المسكونية» – العالمية – ويملي علي أساقفة كنائس القسطنطينية وروما وأنطاكيا والإسكندرية «العقيدة الصحيحة»، ويعتبر ما عداها هرطقة وإلحادا.
أما عن كنيسة روما الكاثوليكية، فقد اعتبر باباواتها أنفسهم ورثة القديس بطرس، لا لشيء إلا لاكتساب سلطة دنيوية – فضلا عن السلطة الروحية – مارسوها علي ملوك أوروبا، فالبابا هو الذي يقرر سلطتهم الزمنية، فيقوم بتتويجهم في كنيسة روما، وله الحق في عزلهم بإصدار قانون «الحرمان» الذي بمقتضاه يهدر دماءهم.
بابوات وملوك
وشهدت أوروبا العصور الوسطي صراعا طويلا بين الباباوات والملوك من أجل السيادة، كان يجري لصالح الباباوات في معظم جولاته، ولم ينته هذا الصراع إلا بعد تحول عميق في بنية المجتمعات الأوروبية نتيجة القضاء علي الإقطاع الفيودالي وظهور ثم انتصار البورجوازية.
وعندنا أن سطوة النظم الثيوقراطية كانت انعكاسا لنمط الإنتاج السائد في العالم القديم والعصور الوسطي، فقد ساد النمط العبودي العالم القديم في الشرق والغرب علي السواء.
وإذ وجدت – أحيانا – بعض إرهاصات بورجوازية نتيجة النشاط التجاري، فقد أفرزت بعض النظم المدنية الهشة، كما هو حال نمط «المدينة – الدولة» في بلاد اليونان، كذا في المدن الجمهورية بإيطاليا إبان العصور الوسطي التي سادها نمط الإقطاع الفيودالي، لذلك كان وجودها عابرا قصير العمر.
بديهي أن تختفي الدولة الثيوقراطية رويدا رويدا في ظل تنامي الطبقة البورجوازية، ويقضي عليها تماما – لصالح الدولة المدنية – بعد تحول البورجوازية المظفرة إلي النظام الرأسمالي.
وإذ لم تحدث في الشرق ثورة رأسمالية – إلي الآن – ظلت الشعوب تعاني ويلات «الطغيان الشرقي» المدعم ب «الثيوقراطية»، وهو ما عبر عنه ماركس وإنجلز في مقولتهما عن «نمط الإنتاج الآسيوي».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.