كان لابد أن تؤدي ممارسات الإخوان في حكم مصر خلال عام إلي النتائج التي وصلنا إليها بعد ثورة 30 يونيو والتي أكدت رؤيتنا الاستشرافية المؤسسة علي استقراء الواقع المصري والإقليمي والعالمي خلال عام كئيب من حكم «الإسلامويين» الذين صورت لهم «أحلام اليقظة»، وسياسة «التمكين»، والمراهنة علي التأييد الأمريكي بأن مصر «المغلوبة علي أمرها» – في خيالهم البائس – أصبحت في قبضتهم تماما، ومن ثم شرعوا في الإعداد لتحقيق الحلم «اليوتوبي» الأكبر، وهو إحياء الخلافة الإسلامية..!! ولم لا؟ وقد غدت تونس في قبضة حزب النهضة «الغنوشية»، وليبيا تعارك «الفوضي الخلاقة» التي ستسفر حالا عن سقوطها بالمثل في قبضة «إخوانهم»، أما سوريا «المنكوبة»، فلا مناص من انتزاعها بعد توجيه «المجاهدين» من مصر لدحر المخطط الشيعي!! من أجل ذلك أعلن «الفرعون» في مؤتمر حاشد فريضة «الجهاد» علي «خراف» الأهل والعشيرة، ومن لف لفهم من قطيع إرهابيي «الجهاديين» وسفاكي الدماء من فلول «الجماعة الدينية»، وحمقي «الإسلام البدوي» المتربصين بالشقراوات الشاميات اللائي سيصبحن إماء وسبايا «علي سنة الله ورسوله»!! بديهي أن تسفر تلك «الأحلام الوردية» عن العماء الممزوج بالغباء الفطري والجهل السياسي الذي سيفضي حتما – حسب ابن خلدون – إلي «التهلكة»، وبشاعة المنقلب، وسوء المصير هذا هو ما أثبته التاريخ الإسلامي، وتاريخ العالم العربي الحديث والمعاصر. لقد تناسي – أو تغابي – الفرعون وجماعته وأحلافه ما جري ويجري في مصر – خلال العام المنصرم – من كوارث حلت بمصر والمصريين – علي يديه – وأصابعه العشرة – فجرت الغضب الشعبي بصورة غير مسبوقة، بما ينذر باندلاع الموجة الثانية من ثورة 25 يناير، تلك التي جري الإعداد لها من قبل شبابها وطليعتها الثورية التي لم تدخر وسعا – مفيدة من أخطاء الموجة الأولي – في إبداع طرائق وأساليب ثورية لم تخطر علي البال، وهو ما حدث في 30 يونية وما بعدها، والأهم، احتضان كل القوي الوطنية – التي يعزي الفضل إلي الفرعون في اتحادها – لطليعتها الثورية الشبابية، والعمل المشترك الرشيد لتأجيج نيران الغضب بين كل المصريين علي اختلاف مشاربهم. وإذ جرت مناوشات – هنا وهناك – بين شباب الثورة وجحافل الإسلامويين، آفاق «الفرعون وجنوده» علي هول الخطر الكارثي حين يحل هذا «اليوم الموعود»، فماذا كان رد الفعل؟ غباء سياسي كان تعبيرا عن الغباء السياسي «المعهود»، والخوف الملفوف بالشجاعة المصطنعة والمعدومة، تفتقت عقولهم الخاوية عن أسلوبين «مكرورين» سبق فشلهما.. الأول: محاولة إحداث الفرقة بين القوي الوطنية الواعية، كما حدث في لقاء الإرهابي الأول للجماعة بالسياسي الأول المحنك بجبهة الإنقاذ، دون جدوي، والثاني: طرح آلية «الحوار» الممجوجة – عن طريق الفرعون وبعض قيادات السلفيين وحزب الوسط «الانتهازي» – دون طائل، عندئذ، أطلقوا إعلامهم «المسعور» ينذر بالويل والثبور وعظائم الأمور التي تنتظر الخصوم المارقين الكفرة!!، في ذات الوقت الذي بعثوا بدبلوماسييهم «الخرس» إلي «كعبتهم» في «البيت الأبيض» يتعهدون بتقديم المزيد من الخدمات والتنازلات، أهمها – للأسف – إعلان «الجهاد» ضد الشيعة «الروافض» في دمشق وجنوب لبنان!! غير عابئين بجر دول الشرق الأوسط إلي حرب ضروس، توطئة لتحقيق المشروع الصهيوني – الأمريكي عن «الشرق الأوسط الكبير». يبقي السؤال المهم.. ماذا عن مصير «الجمهورية الإخوانية الأولي والأخيرة»؟ التضحية بالفرعون تختلف التصورات والرؤي بين المراقبين لسيرورة وصيرورة الأحداث المتتالية السريعة، منهم من ذهب إلي أن جماعة الإخوان لا تعدم وجود أفراد علي شيء من الحكمة والتعقل، لا شك في أنهم يدركون بشاعة الخطر المهدد لوجود الجماعة نفسها، تأسيسا علي ذلك، فلا مناص من التضحية ب «الفرعون» كمخرج وحيد من المنزلق، والاستجابة للثوار في مطلبهم بإجراء انتخابات رئاسية قد تسفر عن إحلال «الإرهابي الأول» محل الفرعون «الاستبن»، حيث لا يعدمون من أساليب ووسائل التزوير الكثير، وإذ لم يتحقق ذلك – لسبب أو لآخر – فعلي الأقل يمكن ضمان تحاشي «الكارثة» – إلي حين – بعده يتاح للجماعة التقاط الأنفاس والإعداد لجولة أخري. ثمة تصور آخر، مفاده التعويل علي «المواجهة»، تأسيسا علي تعضيد الولاياتالمتحدةالأمريكية – ومن ثم إسرائيل – التي لن تدخر وسعا عن طريق الدبلوماسية – أو الضغط علي قيادة الجيش المصري – لإخراج الحليف «العميل» من مأزقه. يري آخرون – من المتشائمين – أن خطة الجماعة هي الرهان علي عدم الاحتكاك بالثوار «المسالمين» أثناء تظاهراتهم، وبث الأذناب لتحويل الجماهير الغاضبة إلي العنف والاعتداء علي مقرات الحزب والجماعة، بما يشيع الفوضي، فيتدخل رجال الأمن – وربما القوات المسلحة – لقمع الثوار حماية للشرعية، بما يكفل تكريس «الأمر الواقع» starus quo والاحتفاظ بالحكم، عندئذ يمكن عن طريق تقديم بعض الإصلاحات والتنازلات «الجزئية» إرضاء الثوار «المنهكين» أو اللجوء إلي سياسات «صارمة» كإعلان الأحكام العرفية، والاعتقالات، ومحاكمة قيادات قوي المعارضة، باعتبارهم خارجين علي القانون، حسب سياسة «العصا والجزرة» أو سياسة «ذهب المعز وسيفه». وعندنا أن تلك الخيارات الثلاثة أصبحت «غير ذات موضوع»، لعدة أسباب نوجزها في الآتي: دون جدوي أولا: أن الغضب الجماهيري وصل إلي ذروته، بحيث تجاوز جميع الحلول السياسية فتفاقم المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وحتي الثقافة، وعجز النظام الحاكم عن حلحلتها، يجعل من سياسة الإصلاح – حتي لو كانت راديكالية – غير مجدية ناهيك عن تفاقمها بصورة مفزعة بحيث ليس ثمة من بديل إلا الثورة، واستئصال شأفة النظام القائم من جذوره. ثانيا: أن تلك المعطيات قطعت حبال الثقة بين الشعب والنظام الحاكم، خصوصا بعد تعاظم الوعي الثوري ليشمل كل القوي الوطنية المعارضة، سواء علي مستوي النخب أو الجماهير، إذ جري – خلال العام المنصرم – تعرية الإيديولوجيا الدينية وافتضاح «الإسلاموية» التي لم تعد تعني عند العوام إلا الإتجار بالإسلام لخدمة «الإسلامويين» – لا الشعب ولا حتي الوطن – ليس إلا. ثالثا: أن غباء النظام الإخواني في اتباع سياسة «التمكين» والهيمنة، أفضي إلي حنق وغضب جميع العاملين في مؤسسات الدولة، فضلا عن مفاصلها الأساسية التي تتمثل في القضاء والإعلام ومؤسسة الأزهر والكنيسة والمثقفين فضلا عن مؤسستي الشرطة والجيش، بما يعني عدم مساندتها للنظام الحاكم وجماعته في معركته «الأخيرة» مع الشعب الثائر، أو علي الأقل اتخاذ بعضها موقف «الحياد اليقظ»، بحيث يمكن أن تتخلي عنه وتنحاز إلي الثوار وهو ما حدث، وننوه بأن كل ما يقال عن «سلمية» الثورة محض خيال، فالجماهير الغاضبة لن تستطيع أية قوة كبح جماحها، حتي لو تمثلت في طليعتها الشبابية. يبقي السؤال: ما هو الاستشراف المأمول لما ستسفر عنه أحداث «اليوم الموعود»؟ أتصور أن الصراع بين النظام الحاكم والثوار قدر محتوم، فالنظام وجماعته وحلفاؤه من الإسلامويين يدركون أن نجاح الموجة الثانية من الثورة يعني القضاء علي «وجودهم» بجرة قلم، وأن ذكريات حياة السجون والمعتقلات والمطاردات استيقظت في مخيلاتهم، بل ستكون «المحنة» هذه المرة مصحوبة بالتشفي والانتقام للآلاف من الشهداء والمصابين، لذلك لم يدخر الإخوان وسعا في خوض معركة «الحياة أو الموت»، ومن ثم الاستعانة بكل القوي الإسلاموية التكفيرية والإرهابية في كل بلاد العالم – عن طريق التنظيم الدولي للجماعة – لخوض وهو ما يحدث الآن لكنها ستبقي صحوة الموت لهم.