يبدو لي أننا لن نستطيع مواجهة هذه المعضلة.. قبل أن نحل لغز.. الجلابيب البيضاء التي تضيق عند المؤخرة! بعد أيام من الخطاب الذي ألقاه المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد بديع.. بميدان رابعة العدوية.. بما حمله من تهديد ووعيد.. بدأ الهجوم المسلح من ميليشيات جماعة الإخوان علي دار الحرس الجمهوري في الساعات المبكرة من صباح أمس الأول «الاثنين»، وأسفر عن قتلي وجرحي وحرائق.. وتدمير.. وقبل ذلك كله العبث بأهم رموز الكرامة الوطنية.. وهو قواتنا المسلحة. لا أحد يعرف السر وراء تواجد قيادات جماعة الإخوان وفي مقدمتهم محمد البلتاجي وصفوت حجازي أمام دار الحرس الجمهوري.. في هذه الساعات المبكرة من الصباح.. وسط حشود من ميليشيات الجماعة التي احتلت أسطح العمارات المطلة علي دار الحرس الجمهوري.. وهي تحمل كل ألوان الأسلحة التي تحرم قوانين الحرب استخدامها في القتال بين الجيوش المتحاربة.. ووسط مقاتلين في جماعة حماس.. ومقاتلين من تنظيم القاعدة. لا أحد يعرف! بيد أن الأحداث في تلك الساعات المبكرة من الصباح جرت علي الهواء مباشرة.. ولم تكن هناك أية أسرار.. ولا كواليس.. ولا غرف مغلقة.. وبالتالي فإن كل ما جري من حوار بين القيادي الإخواني محمد البلتاجي.. وجنود ضباط الجيش حول الطلب الإخواني بإزالة الأسلاك الشائكة التي تحمي حدود المؤسسة العسكرية.. تم نقله علي الهواء مباشرة.. وشاهده كل مواطن يعيش علي وجه الكرة الأرضية. كان الضباط يحاولون إقناع البلتاجي وصفوت حجازي بالابتعاد عن أسوار الأسلاك الشائكة.. في الوقت الذي تصر فيه جماعة الإخوان علي إزالة الأسلاك التي تعوق اقتحام ميليشياتهم المسلحة لدار الحرس الجمهوري.. وتحرير رئيسهم المخلوع محمد مرسي.. والعودة به إلي الشقق المفروشة التي استأجروها بالمئات في مدينة نصر. نصف البشرية التي تعيش علي وجه الكرة الأرضية.. شاهدت أرباب اللحي الكثيفة التي تتحدث باسم الإسلام.. وهم يمارسون أقصي درجات العنف والقتل وسفك الدماء وإلقاء الخصوم من فوق أسطح المنازل التي سيطروا عليها في الليلة السابقة. لم تكن أحداث تلك الليلة.. للدفاع عن الإسلام وفق تعليمات محمد بديع وشعار: ثوار.. ثوار.. حنكمل المشوار! ولا حتي شعار: خيبر.. خيبر يا يهود.. جيش محمد سوف يعود! ولكنها كانت في واقعها حربا ضد الإسلام.. وضد صورة الإسلام والمسلمين في كل أطراف الدنيا.. لسبب بسيط هو أن كل ما جري.. تم باسم الإسلام.. والزعم بأن الدين الإسلامي يأمرنا.. بإلقاء خصومنا من فوق أسطح المنازل والتمثيل بجثثهم وشق بطونهم بطريقة تأنف منها الحيوانات المتوحشة.. ناهيك عن البشر. وانتشرت مقاطع الفيديو المرعبة في أطراف الدنيا، مصحوبة بالتهليل والتكبير علي أساس أن من قاموا بهذه الأعمال الوحشية أفضل من غيرهم من المسلمين الذين لم يرتكبوا هذه الجرائم! وتروي لنا الأنباء التي تنشرها الصحف.. عن المسلمين الأجانب الذين جاءوا القاهرة.. للوقوف إلي جانب أخوتهم في الإسلام.. وهم ثمانية من الفرنسيين واثنين بريطانيين.. «رجل وسيدة منتقبة».. ثم عادوا لبلادهم.. بعد أن صدمتهم أعمال العنف والسلوكيات الجامحة ومعها كل ألوان الأسلحة.. التي شاهدوها في رابعة العدوية.. في أيدي أرباب اللحي.. والجلابيب! وقالوا إنهم قطعوا الزيارة.. وتراجعوا عن الاشتراك في الاعتصام.. بعد أن لاحظوا أن جماعة الإخوان تميل إلي العنف.. والتحريض علي البلطجة. وعادوا إلي بلادهم.. وهم يحملون آخر الصور عن الإسلام السياسي.. الذي يتاجر بالإسلام! والمشهد في رابعة العدوية.. كان كاشفا منذ لحظاته الأولي.. عندما دخل المرشد العام الدكتور بديع الميدان واضعا علي رأسه النقاب.. من باب التوقي والتخفي.. والتحرش.. وحوله خمسة من جماعة حماس.. كانوا قد وصلوا القاهرة يوم الخميس بناء علي طلبه.. ورصدت طائرات الهليكوبتر التي التقطت صورا للمنصة وقوف الرجال الخمسة حوله من باب التأمين. وأعلن بديع فور وقوفه فوق المنصة.. أنه لم يتم القبض عليه.. ولم يعتقل صائحا في عصبية تهز القلوب: ثوار أحرار.. حنكمل المشوار! وقال إنه علي استعداد للتوصل إلي تفاهم مع الجيش.. إذا أعيد مرسي لمنصبه رئيسا للجمهورية (!!) وأضاف بديع: إن المظاهرات أقوي من الدبابات! وإن الإخوان يكثرون عند الفزع.. ويقلون عند الطمع! وإنني لفخور أن مرسي رئيسي.. ورئيس كل المصريين! وهو كلام ينطوي علي التحريض الفاضح.. الذي يخضع للعقوبات في جميع دول العالم المتحضر.. ومع ذلك فقد مر.. مرور الكرام.. وغادر بديع المنصة وسط رجاله من جماعة حماس.. في الطريق إلي مقره المجهول الذي أثار سلسلة من التكهنات.. أشارت بعضها إلي مواقع خارج البلاد. وكان خطاب بديع بين أنصاره في رابعة العدوية.. هو صورة كاشفة.. لأهم سلبيات الفكر الإخواني الذي يتدثر بعباءة الإسلام.. ويتلخص ببساطة شديدة في أن هذه الجماعة لا تسعي للسلطة من أجل الخدمة العامة.. وتحقيق إنجازات اقتصادية واجتماعية للنهوض بأمة الإسلام.. وإنما من أجل البقاء في السلطة لعشرات السنين.. بلا برامج.. وبلا خبرات.. ولا خبراء.. سوي الادعاء بالدفاع عن الإسلام الذي تتهدده المخاطر الوهمية من كل جانب.. وإصدار الفتاوي الدينية وفق كل كارثة تتعرض لها البلاد.. والقضاء علي مسيرة الديمقراطية وفق الفتوي التي تقول إن الانتخابات حرام شرعا.. وأن من يذهب إليها مشرك بالله.. وأن الإسلام يحض علي تشكيل هيئة من العلماء في الفقه والدين هي «هيئة أهل الحل والعقد».. كبديل عن مجلسي الشعب والشوري! ولذلك فإن ما نشهده هذه الأيام من حشود وقتال وسفك دماء.. لا يتم للدفاع عن الإسلام.. وإنما للدفاع عن مواقع السلطة الدنيوية.. والبقاء الأبدي فوق مصاطب السلطة.. والدفاع عن هذه السلطة لحد الاقتتال وسفك الدماء وتشويه صورة الإسلام في ربوع الكرة الأرضية. وهي العقيدة التي اعتمدت عليها قيادات الإخوان المسلمين في تشكيل الميليشيات المسلحة والتنظيمات السرية.. وعبادة كبار القادة.. ووضعهم في مكان القديسين الذين خصهم الله.. دون عباده في تلقي الوحي من السماء. وهي العقيدة نفسها التي تسمح لقيادات الإخوان باستئجار جيوش المرتزقة من الأجانب.. في القيام بمهام ومعارك علي أرض الوطن يروح ضحيتها المئات من أبناء الوطن.. وأغلبهم من المسلمين. وقد كشفت الأحداث الأخيرة.. أن جميع القناصة الذين استعانت بهم جماعة الإخوان.. خلال الأحداث الأخيرة.. في كل ربوع مصر.. والهجوم علي مبني الحرس الجمهوري.. فجر يوم الاثنين.. كانوا من جماعة حماس الفلسطينية.. ومن أتباع تنظيم القاعدة الذين تواجدوا بكثافة طوال السنة التي تمدد فيها محمد مرسي فوق سرير السلطة متخفيا وراء الناموسية! والسخيف في الموضوع أن جماعة الإخوان اعتمدت منذ نشأتها الأولي علي الأفكار الماسونية.. التي قربت بينها وبين فكرة الصهيونية العالمية.. ولذلك لم يكن من المدهش أن تكون أبواق الصهيونية.. هي أول الأصوات التي خرجت تدافع عن محمد مرسي.. وهي التي قامت بالحملة المنظمة لشن الهجوم علي الجيش المصري وقواتنا المسلحة.. تحت دعاوي الانقلاب علي الديمقراطية. ومن حقنا أن نتساءل: منذ متي تدافع الصهيونية عن الديمقراطية.. منذ متي تعارض الصهيونية العالمية.. الانقلابات العسكرية في العالم الثالث؟ القضية هنا ليست قضية الديمقراطية.. ولا قضية الدفاع عن الشرعية.. وإنما القضية.. «كما جاء علي لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو».. هي قضية أنه لأول مرة في تاريخ إسرائيل.. يأتي إلي الحكم في مصر نظام يوفر الأرض للدولة الفلسطينية الوليدة.. بعيدا عن الأرض الفلسطينية! هكذا قال نتنياهو للرئيس الأمريكي أوباما.. الذين وجه انتقادا عابرا للنظام الإسلامي في مصر. ولذلك يبدو من المثير للدهشة.. أن تصدر ردود الفعل حول ما جري في مصر.. من المراكز الصهيونية.. والجماعات الماسونية بعد أقل من ساعة من صدور البيان الذي أعلنته القوات المسلحة لحماية مصر من الوقوع بين براثن الميليشيات الإخوانية التي تسعي بالدرجة الأولي للإطاحة بالقوات المسلحة المصرية الباسلة.. التي تشن عليها الصهيونية العالمية الحرب منذ سنوات طويلة.. وتشويه صورتها لدي الرأي العام العالمي. ولذلك فعندما يعلن صفوت حجازي أمام مبني قوات الحرس الجمهوري أنه بصدد اقتحام المبني للإفراج عن محمد مرسي وأنه بصدد مهاجمة عدد من المقار والوحدات العسكرية بحثا عن مرسي.. ويحرض أنصاره علي اقتحام المنشآت العسكرية.. فإنه لا يفعل ذلك من أجل الإفراج عن مرسي.. وإنما يفعل ذلك في إطار مخطط صهيوني معلوم ومعروف.. ولم يعد سرا.. وهو إخلاء الدول العربية من جيوشها.. كخطوة أولي نحو تفتيتها وتفكيكها وفق المذاهب الدينية والمعتقدات الطائفية. وقد بدأ المشروع الصهيوني بالقضاء علي الجيش العراقي وتلاه الجيش السوري.. وبعده الجيش الليبي.. والآن جاء الدور للقضاء علي الجيش المصري «لا قدر الله» علي يد.. بديع.. ومحمد البلتاجي.. وصفوت حجازي.. وغيرهم في عملاء الصهيونية في أطراف العالم العربي! نحن إذن أمام مخطط كوني له أبعاده المترامية الأطراف.. وهو استخدام تيار الإسلام السياسي.. في إخلاء المنطقة العربية من جيوشها.. كي تصبح قابلة للتقسيم والتمزيق علي أيدي جماعة تطلق لحاها من باب النصب والاحتيال.. وترتدي الجلابيب البيضاء التي تضيق عند المؤخرة.. لأسباب أخري لا يعلمها إلا الله. ويبدو لي أننا لن نستطيع مواجهة هذه المعضلة قبل أن نحل لغز.. الجلابيب البيضاء التي تضيق عند المؤخرة!