«من أنجب لم يمت»، هكذا يقول المثل العربي وتقول الحكمة العربية، ومحيي اللباد ترك لحياتنا المصرية والعربية أثرين كبيرين: الأول هو فنه الجميل، والثاني هو ابنه الفنان أحمد محيي اللباد. ومحيي اللباد (1940 -2010) الذي رحل عنا منذ أيام قليلة عن عمر يناهز السبعين عاما، هو واحد من كبار فناني الكاريكاتير في مصر والوطن العربي، كما أنه واحد من أبرز مصممي الكتب والمجلات والجرائد والمطبوعات، وواحد من أميز رسامي كتب الأطفال المعاصرين. «إن عشقنا فعذرنا أن في وجهنا نظر» بجملة بشارة الخوري هذه، التي غناها محمد عبدالوهاب، صدر اللباد كتابه الأساسي «نظر»، الذي أخرجه في أربعة أجزاء، وهو يحتوي علي رسوم كاريكاتورية وتعليقات فكرية وسياسية، وآراء في الفن والفنانين، تتسم بدقة الملاحظة وعمق الرأي وسداد التأمل. يتحدث اللباد عن الكاريكاتير الجزائري فيري أنه تميز بخصوصية وبحداثة وألمعية وبمهارات حرفية وبمعرفة متينة بأصول المهنة، وعن بهجت عثمان قال إنه كان يرسم رسومه ببساطة آسرة وبخطوط اقتصادية أقرب إلي التقشف، وعن حجازي فيري أنه يتبني مشاكل الفقراء والمهمشين والمتعطلين، أما عبدالسميع فريشته كرباجية قوية تزدحم بالتحريض وتعبئة النفوس بالغضب. يقول الروائي خيري شلبي إن مشروع اللباد عن «صحافة بصرية» هو مشروع رفيع وغير مسبوق، ويقول مصطفي نبيل إن رسالة اللباد هي إنعاش بصر المصريين، ويقول أحمد عزالعرب إن اللباد أثبت أن الرسام لابد أن يكون طفلا عند يضع كتابا للطفل. «كتب الأطفال هي التي جعلت من نجيب محفوظ كاتبا كبيرا، ومني فنانا تشكيليا» هكذا تكلم اللباد، ولذلك ساهم في تأسيس أكثر من دار نشر للأطفال، أهمها دار «الفتي العربي». ولأن ثقافة اللباد كانت ثقافة واسعة ومتنوعة وعميقة، فإن خطوطه جمعت السخرية المرة والثقافة الثرية والفلسفة المتأملة والارتباط بالواقع الاجتماعي والسياسي، في تركيبة واحدة، ولذلك فإن عالم الكاريكاتير العميق سيفقد برحيل اللباد ركنا أساسيا من أركانه، نأمل أن نعوضه بابنه أحمد وبتلاميذه الذين ينتشرون في الصحافة العربية، أولئك الذين هم - كأستاذهم - «في وجههم نظر».