قال العلامة الفرنسي (مسمر) في رده علي محاضرة الفيلسوف (أرنست رينان): «إن الإسلام لا ينتعش ويزدهر إلا بانتشار العلوم وتقدمها، لأن بين الإسلام والعلوم رابطة أكيدة وهو كلام وجيه يؤيده الكتاب والسنة أبلغ تأييد، قال الله تعالي في مقام الدلالة علي قيمة العلم: (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) (سورة الزمر الآية 9) وهو استفهام انكاري كبير التأثير في النفس. وقال تعالي: (وقل رب زدني علما) (سورة طه 814) وهو أمر صريح بوجوب طلب العلم. وقال تعالي: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) (المجادلة 11) قال ابن عباس: بينهما سبعمائة درجة. وقال تعالي (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون) (سورة العنكبوت الآية 43) علق فهم تلك الامثال علي العلم وفي هذا من الحض علي طلب العلم - علي وجه 0 مافيه. أما السنة فقد شحنت بالأحاديث الحاثة علي طلب العلم والدؤب علي تحصيله ولو من أقصي مظانه، فروي عن النبي صلي الله عليه وسلم «اطلب العلم ولو بالصين»، وما بين بلاد العرب والصين آلاف من الاميال، والسفر اليها في عصر النبوة كان من أشق الامور، وفي هذا من استنهاض الهمم، وبعث النفوس ما لا مزيد عليه وروي عنه عليه الصلاة والسلام: «الناس عالم ومتعلم، وسائرهم همج» فانظر - رعاك الله - كيف حَصَرَ الناس في دائرة العلم وعَدِّ من عداهم همجا، وهذا أبلغ ما يعرف في باب الحث علي العلم والترغيب فيه، وروي عنه عليه الصلاة والسلام «إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يطلب ولمداد ما جرت به اقلام العلماء خير من دماء الشهداء في سبيل الله وإنا لنشهد أن هذا تشويق لطلب العلم لا يدانيه سواه، فإن وضع الملائكة اجنحتها إكبارا لطالب العلم يدفع بالانسان إلي طلبه لنيل هذه المكانة العلوية والتصريح بأن مداد اقلام العلماء خير من دماء الشهداء في سبيل الله، يشعر بأن اثر العلم في بناء الشعوب واقامة صروح عظمتها ابلغ من اثر بذل الارواح في الدفاع عن حوزتها وتوسيع دائرة سلطانها وهذه الحكمة العليا تكشف عن ادراك بعيد المدي باسباب الارتقاء والبقاء للامم فانه قد ثبت في جميع ادوار التاريخ ان اعتماد الامم علي مجرد القوة للدفاع عن وجودها ولضمان بقائها عاملة في مجموعة الامم، لا ينيلها هذه الأمنية الا اذا ضمت إلي قوتها المادية قوة ادبية توجب لها التفوق العقلي، فقد انحلت امم كانت من القوة الحربية علي أوفر الحظوظ ولم تخلف وراءها اثرا يذكر خلافا للامم التي جمعت بين الفضيلتين فقد امتدت حياتها قرونا طويلة ولو كانت استمرت حريصة علي مكانتها منهما لبقيت قوية تغلب الحوادث وتتغلب عليها. من كتاب الإسلام وتحرير الفكر الانساني - الدار المصرية اللبنانية