حار أصحاب العقول في تفسير سلوكياتهم الغريبة وخطابهم المراوغ في «سر المعبد» لثروت الخرباوي استفهام حول علاقة الإخوان بالماسونية عديدة هي المناهج التي يعتمدها المؤرخون في دراسة التاريخ لتحقيق الوقائع وتحليل الأحداث وإعادة تركيبها، بهدف تعليلها وتأويلها وفق رؤية علمية متسقة ومتجانسة، دونما تزييف أو اعتساف، وفي هذا الصدد، أنجز المؤرخون المسلمون الأوائل أطروحات معتبرة علي المستويين المنهجي والمعرفي، أو بالأحري علي الصعيدين النظري والتطبيقي، فيعزو الفضل إلي الطبري في إثبات جميع الروايات عن الحدث تاركا للقارئ الفطن مهمة المقارنة والفرز واستقراء الحقيقة استنادا إلي «العقل النقدي»، أما المسعودي، فقد أنجز ما عرف باسم «التاريخ الشامل» الذي يتخذ موضوعه من كل الفعاليات البشرية في مختلف جوانب الماضي المادية والعقلية والروحية والأخلاقية والجمالية، تأسيسا علي حقيقة وحدتها وتكاملها، وذلك قبل أن يبشر بذلك المؤرخ الأشهر «ميشيليه» بعدة قرون، وإلي البيروني يعزو فضل الكشف عن منحنيات «الثبات والتحول» في صيرورة التاريخ وسيرورته، قبل «أدونيس» في مشروعه الذي استمد عنوانه من تلك الأطروحة. أما مسكويه فقد اكتشف قوانين المادية التاريخية وطبقها عمليا حين أنجز رائعته «تجارب الأمم»، قبل ماركس وأنجلز، كما اكتشف «إخوان الصفا» – الذين نقل عنهم ابن خلدون – أساس المنهج التاريخي المركب والجامع بين العقل والنقل والحس والحدس.. إلخ، ودعوا إلي توظيف كل منها «حسب طبيعة الموجودات»، قبل أن يدهشنا «ميشيل فوكو» بقوله: «إن طبيعة الموضوع هي التي تفرز وتحدد منهج دراسته»، كما نجد عند ابن أبي زرع – ومن بعده ابن خلدون الذي نقل عنه أيضا – بدايات «الديالكتيك» الهيجلي – ثم الماركسي – في تعليل قيام الدول وسقوطها، أما المناهج الحداثية – كالبنيوية، والألسنية، والسيموطيقا، والهرمونيطيقا والظاهراتية وغيرها – فيعلم مؤرخو الأدب أن أصولها تكمن في طوايا مؤلفات الجاحظ والجرجاني والقرطاجني والمتصوفة العرفانيين، علي التوالي. في طور الستر أسوق تلك الفذلكة «المزعجة»، لا لشيء إلا لإثبات عجزي عن فهم وتفسير ظاهرة «الإسلامويين المعاصرين» التي لا تجدي جميع تلك المناهج في مقاربتها، صحيح أنني سبق وأصدرت عنها ثلاثة كتب – الإسلام السياسي – الفكر الإسلامي الحديث – الخطاب الأصولي المعاصر – حين كان الإسلامويون في طور «الستر» يعانون هلع المطاردة في السراديب والدهاليز السرية، ويتجشمون الصبر علي عذاب المعتقلات والزنازين، أما وقد تنسموا نعيم الحرية بعد قيام ثورة 25 يناير، بل تحقق حلمهم «الطوبوي» في تسنم السلطة واحتكارها، فكان من الطبيعي والمنطقي أن تتيسر إمكانية الفهم ليس فقط للمؤرخ النابه، بل للمثقف العادي، وهو ما لم يتحقق البتة!! هؤلاء المشوهون حار أصحاب العقول في تفسير سلوكياتهم الغريبة، وخطابهم المراوغ، ووعودهم الكاذبة، وعهودهم المنقوضة، بل في تعليل ابتساماتهم الصفراء، وتبريراتهم الذرائعية للوقائع العيانية الصادعة والصادمة في آن، ومن الغريب أن تلك المثالب – وغيرها كثير يند عن الحصر – تمثل قاسما مشتركا بين كل أفراد نخبتهم، دونما استثناء، فسر البعض ذلك بأنهم يلتزمون الطاعة العمياء لمرشد الجماعة الذي «يحركهم بالريموت كنترول»!!، والتمس البعض الآخر لهم العذر، لأن حياتهم في ظلام الزنازين أعمت أبصارهم حين استقبلوا ضوء الشمس المبهر بعد التحرير، وتباري علماء النفس – من أمثال أحمد عكاشة ومحمد المهدي وغيرهما – في تفسير الإشكالية المعقدة من خلال «علم النفس الباثولوجي – المرضي – وانتهوا إلي ضرورة علاجهم في المصحات النفسية، وحتي العقلية!! وإذا كان ذلك كذلك، فياللويل ل «المحروسة» من حظ تعس، ومصير مشئوم، وقد أصبح هؤلاء المشوهون «أولي أمرها»!! وليسمح لي القارئ – الذي يعرفني كمؤرخ عقلاني – أن أتخلي – طائعا أو مرغما – عن العقلانية، هاربا إلي الميثولوجيا عسي أن أجد في ضبابها ما يفسر خطابهم الملغز، ويرد لي ولو «برجا» من الأبراج الأربعة والعشرين المفقودة، ليسامحني القارئ أيضا حين أملي عليه – في هذا الصدد – ما يبرر مسلكي «الكافر» بالعلم والعقل والمنهج، محاولا إقناعه بحقيقة أن «طبيعة الموضوع تفرض نوعية منهج دراسته» – حسب فوكو – ولأن الموضوع – سلوك الإسلامويين المعاصرين – لا عقلاني، فمن العبث ومضيعة الوقت أن أعول في فهمه علي منهج عقلاني، فلا يفل الحديد إلا الحديد، والتماس «النظام» في «الفوضي» فوضي، ومن ثم تكتسي محاولاتي للفهم مشروعيتها ومنطقها!! من أجل ذلك، رحت أنقب وأحفر في الذاكرة عن ضالتي المنشودة، كمؤرخ يجيد حلحلة إشكاليات التاريخ بالميثولوجيا، ولم لا؟ وقد نظّرت وقعّدت لذلك في كتاب «الأسطغرافيا والميثولوجيا»، وطبقت منهجي «الخاص» عمليا، بنجاح وتوفيق. خطر بالبال أن أجد ضالتي فيما ذكره الأستاذ ثروت الخرباوي – في كتابه: «سر المعبد.. عن صلة الإخوان المسلمين بالماسونية» لكنني جفلت أمام حقيقة الاختلاف البين بين عقليتهم الساذجة وسلوكياتهم المرضية، والعقل «العبراني» الجبار الذي يتحكم في إدارة العالم، وسلوكياتهم المدروسة والمخططة وفق هندسة «إقليدس»!! الدين والجنس عدت إلي التاريخ مرة أخري، أستعرض معلوماتي بصدد العلاقة الوثيقة بين الدين والجنس، سواء في المعتقدات الوثنية أو في الديانة الموسوية، فعلي سبيل المثال، نعلم أن عبادة الإله «باخوس» عند اليونان و«ديونيسوس» عند الرومان كانت تؤاخي في طقوسها بين الشعائر الدينية والسكر والعربدة الجنسية، والحديث عن عبادة «فرج» الأنثي كانت ومازالت موجودة في بعض المجتمعات الوثنية، كما كانت «داعرات المعابد» أمرا مباحا في حضارات الشرق الأدني القديم. ولم نذهب بعيدا متجاهلين اعتراف «تسيبي ليفني» – التي تنافس علي منصب رئيس الوزراء – بعلاقتها الجنسية مع بعض حكام العرب المعاصرين، بحافز خدمة المشروع الصهيوني المؤسس علي الدين والتفوق العرقي. لكن الأمر التبس علي هذا التصور، رغم حرص بعض شيوخ السلفيين المعاصرين علي الدعوة للزواج من صغيرات السن، شريطة قدرتهن علي احتمال فحولتهم الطاغية، بل منهم من عاد إلي زمن الجواري والإماء فعقد علي نكاح «ملك اليمين» بالفعل، ناهيك عن «وقائع» عديدة تثبت نزعة الشذوذ الجنسي عند هؤلاء تصدرت أخبارها مانشيتات الصحف اليومية. وسحلتهم الجماهير عدت إلي كتاب “sexual life inancient romeس لأجد ثمة قاسما مشتركا بين الجماعات الإسلاموية المعاصرة وجماعة «الأورفيين» التي كانت ديانة سرية لها نظمها وطقوسها الشبيهة – حتي في المظهر واللباس وما شاكل – ببعض الجماعات الأصولية المتطرفة، لكن يتضي الإنصاف التنويه بأن الأورفيين كانوا عازفين بل منكرين الاشتغال بالسياسة، ومن ثم تبخر هذا الخاطر، وإن تأكد ظني بأن مصيرهم هو نفس مصير إخواننا المنتظر، حيث سحلتهم الجماهير في شوارع روما علي الرغم مما عرف عن الرومان من التسامح الديني. باستبعاد تلك الخواطر والسوانح جميعا يبقي تصور أخير، يتمثل في أساطير عن نهاية العالم، لها وجود عند فرق ومذاهب يهودية – مسيحية – مثل الميثودولوجية – وآخر عند بعض الفرق الإسلامية القائلة بظهور «المهدي المنتظر»، ولا غرو، فقد تواترت تلك الأساطير في الأعوام الأخيرة، خصوصا فيما يتعلق ب «المسيح الدجال» الذي تتعاظم دعوته باسم الدين – وكل الأديان السماوية منه براء – وتنتشر غوايته، وعندئذ يظهر السيد المسيح – عيسي بن مريم – لخلاص العالم، أو يظهر «المهدي المنتظر» ليملأ الأرض عدلا، بعد أن ملئت جورا. فماذا عن مفارقة «الإرهابيين في الدعوة إلي الحوار ونبذ العنف؟»، أوليست من علامات الساعة؟ ذلك ما سنعرض له في المقال التالي..