سأختار شعبي.. سأختاركم واحدا واحدا من سلالة أمي ومن ذهبي، سأختاركم كي تكونوا جديرين بي إذن أوقفوا الآن تصفيقكم كي تكونوا جديرين بي وبحبي سأختار من يستحق المرور أمام حدائق قصري، قفوا أيها الناس حولي خاتم، لنصلح سيرة حواء.. نصلح احفاد آدم سأختار شعبا محبا وصلبا وعذبا.. سأختار أصلحكم للبقاء واتحكم في الدعاء لطول جلوسي فتيا». كلمات محمود درويش من قصيدته الرائعة «خطب الديكتاتور الموزونة» كانت هي افضل تعليق علي خطاب الرئيس مرسي، ليس لأنها فقط تحمل بين سطورها واقع حياة المصريين الآن إنما لأنها تنظر لواقع يعيشه العرب جميعا، واقع مرتبط بخطبة رئيس وكلمات ملك وشعب لا يفعل شيئا سوي أن يستمع. ولأننا نستمع الآن لكثير من الخطب ونتحدث عن الخطابة جئناكم بالفكرة من أساسها- يمكن تفهم حاجة وانت بتسمع الخطبة- لو ربنا فتح عليك يعني وفهمت، الخطابة «بقي يا سيدي» في الاصطلاح هي مجموع قوانين يقتدر بها علي الاقناع الممكن في أي موضوع يراد والخطابة هي فن مشافهة الجمهور واقناعه واستمالته وفي اللغة الخطابة هي الكلام المنثور يخاطب به متكلم فصيح جمعا من الناس لاقناعهم- لاحظ تكرار كلمة الاقناع والجمع من الناس والفن- واركان الخطبة تحت عنوان فن مخاطبة الجماهير للتأثير عليهم كما يلي: فن أي خبرة و معرفة وملكة ومخاطبة أي مشافهة ومواجهة وخطيب وجمهور وتأثير أي اثارة العواطف وتبنيه الشعور وإذا ما انعدم عنصر أو ركن من الخمسة افتقدت الخطابة جزءا مهما منها، أما فوائد الخطابة ، فهي كما جيء في كتب لسان العرب لمحمد بن مكرم وجمال الدين ابن منظور الانصاري وغيرهما، الحث علي الاعمال التي تعود بالنفع علي المستمعين – النفع مش الضر- واثارة حماس الناس تجاه اقناع المستمعين، والتعليم والتثقيف – بعيدا عن منحدر الصعود الكلمة التي غيرت هوية اللغة العربية وجنت الناس- هل تعلم أن أشهر من كتب في الخطابة هو الجاحظ في كتابه «البيان والتبيين» إلا أن خطبا يبليغة وصلتنا من العصر الجاهلي واشهرها خطب قس بن ساعدة الايادي عندما قال : «أيها الناس اسمعوا وعوا من عاش مات ومن مات فات وكل ما هوآت آت» وبعد أن تعرفنا علي الخطابة وأهم عناصرها نعود إلي خطابات رؤساء مصر السابقين- ما تقلقوش هانجيب الحاليين- أهم الخطابات وكانت الأكثر تعلقا في أذهان المصريين كانت خطابات الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حتي أنهم يؤرخونها وفقا للحدث الخاص بالخطاب مثل خطاب التأميم 1956 وخطاب المنشية مساء 26 اكتوبر من لعام 1954 والذي حاول فيه الاخوان المسلمون اغتيال عبد الناصر بعد دقائق من بداية الخطاب ، وكان بمناسبة ذكري الجلاء ودوت صوت ثماني طلقات نارية متتالية وسادت الفوضي واعتقد البعض أنه تم اغتيال الرئيس . لكنه لم يحدث وعاد عبد الناصر وامسك بالميكروفون وقال : أيها الرجا ل.. فليبق كل في مكانه.. ايها الاحرار فليبق كل في مكانه.. دمي فداء لكم.. حياتي فداء لكم». كما كانت خطب الرئيس السادات لها كاريزما واحداث مميزة علقت في أذهان الكثيرين منها خطاباته الأولي وخطاب ثورة التصحيح كما اسماها وحادث الفتنة في الزاوية الحمراء وخطبة القدس الشهيرة ، كما يتذكر البعض الخطابات الأولي للرئيس المخلوع مبارك خاصة التي تحدث فيها علي أن «الكفن ليس له جيوب». أما الآن فالأمر اختلف تماما، الخطابات الرئاسية بنكهة مختلفة فهي تمزج بين العاطفة والحنان والشخط والنطر والتهديد وطرح التساؤلات والأجدر أن هناك فواصل مميزة منها اجابة الحضور علي الاسئلة بما يليق بالحدث منتخب بقي!! فالخطاب الأخير للرئيس يوم الأحد الماضي ظل يتساءل خلاله عمن يقول ويردد اشاعات بأن الاقتصاد المصري سينهار، وقال : ايه اللي هاينهار.. ينهار ازاي يعني؟ فنستمع إلي احد الحضور يقول «مفيش حاجة»، ثم يتساءل مرة أخري عمن يعتقد أن صخرة الوطن أنها ستقع علي البعض، والبعض الآخر لا فرد أحد الحضور ايضا: هاتقع علي الكل.. وهكذا كل خطاب يكون مميزا عن الخطاب السابق وهو ما نطلق عليه «التطور الطبيعي للحاجة الساقعة»، لتظل كلمات درويش وحبنا الابدي في خطب الديكتاتور الموزونة : حين يقول : سأقضي علي الذكريات وسألغي احتفالات يوم الشهيد لننسي.. سأحرث مقبرة الشهداء الحزينة ورفع منها العظام لتدفن في غير هذا المكان فرادي فرادي، فلاحق في دولتي للتجمع، حيا وميتا لئلا يثير الفساد!.» «الله يرحمك يا عم درويش ويرحمنا معاك»