أستأذن اليوم في العودة إلي مقال كتبته في 24 أبريل الماضي تحت عنوان (خطبة الجمعة ومكانتها)، ولقد تذكرت هذا المقال بمناسبة ما حدث مؤخراً في أسوان من إلقاء القبض علي بعض (المفطرين) في نهار رمضان الكريم. ولأنني لا أزال أعتقد أن الدور الرئيسي للعودة إلي صحيح الدين الإسلامي.. تتوقف عند (الخطيب) ومهاراته في مواجهة التجاوزات التي تحدث من البعض مثلما حدث في أسوان مؤخراً. (خطبة الجمعة ومكانتها) هو عنوان الكتاب الذي كتبه الصديق العزيز د.سالم عبدالجليل (وكيل وزارة الأوقاف لشئون الدعوة وعضو المجلس الأعلي للشئون الإسلامية). وهو كتاب قيم ومهم لما يرسيه من قواعد كثيراً ما تختفي عند البعض ممن يعتلون المنبر دون أن يكون لهم حق في هذه المسئولية العظمي. يشرح د. سالم عبد الجليل تعريف "الخطبة" علي اعتبار أنها القدرة علي النظر في كل ما يوصل الناس إلي الإقناع في أي مسألة من المسائل. وهي قوة تتكلف الإقناع الممكن في كل واحد من الأشياء المفردة.. وهي نوع من فنون الكلام غايته إقناع السامعين واستمالتهم والتأثير فيهم بصواب قضية أو خطأ أخري. وهي علم يقتدر بقواعده علي مشافهة الجماهير بفنون القول المختلفة لإقناعهم واستمالتهم. وهي فن مخاطبة الجماهير بطريقة إلقائية تشتمل علي الإقناع والاستمالة. كما يتناول الكتاب أيضاً تعريف الجمعة وبيان مكانتها، وحكم خطبة الجمعة، وشروط الخطبة، وأركان خطبة الجمعة، وسننها. وأتوقف هنا عند صفات الخطيب، والتي حددها في صفات فطرية وصفات مكتسبة. الصفات الفطرية هي: طلاقة اللسان. ورباطة الجأش.. بمعني أن يكون واثقاً من نفسه غير مضطرب. وجهارة الصوت وحسنه.. أي عدم الصراخ الذي يسبب نفور المستمعين. وسرعة البديهة.. إذا تعرض لموقف محرج أسعفته بديهته بالخروج من محنته. ورجاحة العقل. وقوة العاطفة.. في المشاعر ورقة القلب ورهافة الإحساس. والنفوذ وقوة الشخصية.. لتصل كلماته ونظراته وصوته إلي العقل والقلب. أما الصفات المكتسبة فهي العلوم الضرورية: علوم القرآن الكريم، والسنة النبوية، وعلم العقيدة، والأحكام الشرعية (الفقه)، وعلم الأخلاق والقيم، وعلم التاريخ، واللغة والأدب، والعلوم الإنسانية، وأصول الثقافة المعاصرة. بالإضافة إلي التدريب والتمرين علي ما سبق، وتجنب الخوض فيما لا يعلم، ومخاطبة الناس بما يعرفون، ومراعاة أحوال السامعين ومراعاة عادات الناس وأعرافهم. يختتم الكتاب بتحديد الآداب التي يجب أن يتحلي بها الخطيب، وعلي سبيل المثال: الإخلاص، والقدوة، والحلم وسعة الصدر، والتواضع، وضبط النفس واحتمال المكارة، والقناعة والعفة، والورع واتقاء الشبهات والبعد عن مواضع الريبة ومسالك التهم، وعلو الهمة، وحسن الهيئة، والوقار والرزانة، والمحافظة علي السنة يتسم كتاب (خطبة الجمعة ومكانتها) بعمقه ومرجعيته الدينية، وبساطته في العرض وتسلسل الأفكار.. بتركيز.. يجعله سهل القراءة والفهم، وبالتبعية التأثير فيمن يقرؤه. كما يزداد أهمية في كونه من إصدار وزارة الأوقاف المصرية. أؤكد مرة أخري: أن رجال الدين والمستنيرين والمعتدلين قد أصبحوا (أقلية) في مواجهة (أغلبية) من المتشددين والسطحيين وشيوخ الحسبة.