استعير عنواني هذا من اسم كتاب وضعه المفكر الشهيد الراحل «فرج فودة» قبل أكثر من ربع قرن. وكان السقوط كما رآه هو تزايد نفوذ الجماعات الدينية المتطرفة التي كان فريق منها قد دبر اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، رأي فودة الظلام زاحفا علي البلاد عن طريق التكفير والقتل ودعا إلي وحدة كل القوي الديمقراطية لقطع الطريق علي هذا الظلام الذي تربص به ليقتله هو نفسه بعد سنوات لإسكات صوته المدوي بالحقيقة الغائبة التي كشفت أن عصور الخلافة لم تكن وردية بل امتلأت بالصراعات والقتل والقمع سعيا وراء السلطة والثروة. والآن وبعد أن تمكنت القوي الظلامية من الحكم وأخذت تنفذ برنامجها الممنهج لأخونة الدولة وتكوين الميليشيات، وتفكيك المؤسسات وإعادة تركيبها علي مقاس جماعة الإخوان، وحتي دون حلفائهم الآخرين، فإن السقوط يعني انهيار الدولة الحديثة بأجهزتها ومؤسساتها ومنظماتها لتأسيس الدولة الدينية وكأنها حيث يصبح المرشد العام لا القانون هو مصدر الشرعية ، كما هو الحال مع ولاية الفقيه في إيران. وتحل ميليشيات الشرطة بعد اضعافها وتفكيكها. وينشئ الحكم الجديد حرسه الثوري الذي يعود ولاؤه للمرشد لا للشعب والدولة، ويعيش الفقراء علي الصدقات والزكاة بديلا عن العدالة الاجتماعية ومجتمع الحقوق، وتعود مصر القهقري إلي عصور الظلام. وفي ظل الانهيار الاقتصادي الاجتماعي والأمني تبرز أنياب الفاشية الدينية العاجزة عن حل أي من المشكلات الكبري المعلقة وينفتح الباب لثورة الجياع التي أخذت تدق الأبواب، كما ينفتح أيضا لقمعها بكل شراسة وباسم الدين. لكن هناك خيارات لاتزال ممكنة أمام القوي الحديثة كافة ومعها قوي الثورة من الشباب والأحزاب والنقابات والحركات الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني ومؤسسات الإعلام الخاص وهي جميعا قوي انضجتها سنوات الثورة بخبراتها وتضحياتها فبلورت أهدافها وشعاراتها التي لم يتحقق منها شيء، وهي تدرك الآن أن الثورة قد جري الانقضاض عليها. وأن الثورة المضادة تحكم البلاد ومواجهتها غير ممكنة في حالة التشتت ولا بديل والوضع كذلك إلا وحدة صلبة بين كل القوي الديمقراطية التي لاتزال جبهة الإنقاذ بايقاعها البطئ وعملها البيروقراطي عاجزة عن استيعابها، وعاجزة أيضا عن توظيف القوة التي تملكها بصورة فعالة للتصدي لحكم الإخوان الذي أثبت فشلا ذريعا علي كل الأصعدة. لاتزال استراتيجية الانقاذ دفاعية تعتمد ردود الأفعال وقد آن الأوان لوضع استراتيجية هجومية لا تتعامل بالقطعة مع جرائم النظام، وإنما تتأسس علي رؤية شاملة لإزاحته سلميا ومصارحة الشعب بهذا الهدف المشروع، خاصة أن جماهير واسعة في عدد من المدن والمحافظات شرعت من تلقاء ذاتها بالعصيان المدني مدفوعة بديناميكية الثورة وبالإخفاق الكامل للحكم الجديد، والمطلوب من الإنقاذ في صيغتها الجديدة الموسعة بعد استكمالها أن تتقدم حركة الجماهير لا أن تتلكأ خلفها حتي تستطيع قوي الثورة أن تحقق بعض أهدافها بأن تفوز في السباق الجاري قبل السقوط الكامل للدولة في أيدي تتار العصر الحديث الذين يجرون البلاد إلي الخلف جريا وراء وهم إعادة تأسيس الخلافة الإسلامية ولو علي جثث الشعب وهوانه.