خلال الأسبوع الماضي - أعلنت الحكومة مؤشرات الأداء الاقتصادي عن العام المالي الماضي.. ورغم ارتفاع تلك المعدلات خلال الربع الأخير (مايو - يوليو) إلي 9.5% مقارنة ب 8.5% في الربع السابق (يناير - مارس) فإن المسئولين في الحكومة قد نسوا أو تناسوا - أن الزيادة في تلك المعدلات التي وصلت إلي 3.5% بصفة عامة خلال العام الماضي - تحدث في ظل العديد من الأزمات التي يشهدها جمهور المستهلكين علي مستوي السلع الغذائية والاستهلاكية.. وإذا كانت الحكومة تتباهي الآن بتحقيق زيادة في معدلات أداء القطاعات الاقتصادية بصفة عامة.. لكن تلك الزيادة لم يشعر بها المواطنون حتي الآن.. سواء في تحسين مستويات المعيشة أو انخفاض اسعار السلع والخدمات. وهذا هو السؤال الذي مازال يسبب حرجا شديدا للمسئولين في الحكومة أو حتي علي مستوي النخبة الحاكمة. لماذا لا يشعر المواطنون بثمار ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي.. مثلما يشعر المسئولون في الحكومة به؟! يبدو أن احساس المواطنين بنتائج هذه المعدلات.. لن يحدث إلا إذا تحقق الشرط الذي وضعته الحكومة وهو أن شعور المواطنين بالرضا وتحسين أحوالهم المعيشية لن يحدث إلا إذا وصلت المعدلات إلي أعلي من 8% وهو شرط كشفه أحد وزراء المجموعة الاقتصادية ل «الأهالي» عندما قال: نحن دولة نامية.. ولا يمكن أن نشعر بنتائج مؤشرات الأداء الاقتصادي إلا إذا حققنا بعض المعادلات الصعبة من جودة المنتج المحلي وزيادة المعروض عن الطلب.. وطالما بقيت الفجوة ستظل ارتفاعات الاسعار عاملا مؤثرا في احساس المواطنين بمعدلات النمو والأداء الاقتصادي. لكن في المقابل - ومن خلال المؤشرات الخاصة بالأداء الاقتصادي - نجد أن هناك فارقا كبيرا بين اهتمامات المسئولين في الحكومة.. وما يهم المواطنين.. فالحكومة كل همها هو مدي رضاء المؤسسات الدولية عن مسيرة الأداء الاقتصادي المصري. بدليل انها في التقديم لهذه المؤشرات تعمد المسئولون في الوزارات الاقتصادية التأكيد علي بعض المسائل ذات العلاقة بالمؤسسات الدولية مثل عجز الموازنة العامة وانه تحت السيطرة وميزان المدفوعات قوي. لكن بالنسبة لما يهم الناس قالت علي استحياء إن هناك تراجعا طفيفا في معدلات البطالة ومستوي اسعار السلع والخدمات وربما ينعكس ذلك علي التحسن في مستويات المعيشة. وقد تلاحظ أيضا في تقارير مؤشرات الأداء الاقتصادي للعام المالي الماضي - رغم كونه التقرير النهائي - أن المسئولين في الحكومة لم يعدوا يركزون علي معظم القطاعات الاقتصادية علي خلاف ما كان يتم في التقارير السابقة.. مثل تحويلات المصريين من الخارج والقطاعات التي ساهمت في زيادة معدلات النمو مثل الصادرات وكذلك قطاع البترول ولكن اكتفت الحكومة بإعلان مؤشرات عامة.. مثل مؤشرات التشييد والبناء والتي قال عنها التقرير إن نسبة نموها قد ارتفعت من 4.11% عام 2008 - 2009 إلي 2.13% خلال العام المالي الماضي. وان كان خبراء الاقتصاد يعتبرون أن هذه الزيادة في قطاع البناء والتشييد لا تعني نموا في هذا القطاع داخل المجتمع ولكنه نمو تحقق بسبب مشروعات البنية الاساسية التي انشأتها الحكومة وبالتالي يعبر عن عن استهلاك حكومي وليس استهلاك المواطنين. نفس الحال بالنسبة للمرافق العامة التي ارتفعت من 4.5% إلي 4.6% بدليل أن قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والذي كان من أوائل القطاعات الاقتصادية التي تحقق أعلي معدلات نمو قد تراجع من 14% إلي 12% وهو قطاع يعتمد علي المواطنين وليس الحكومة باعتبارهم المستهلك الأول. وفي تحليل دقيق لعدد من الخبراء الاقتصاديين - فإن النمو الحقيقي لمؤشرات الاداء الاقتصادي غالبا ما تعكسه قطاعات مثل تجارة الجملة والتجزئة وقطاع الصناعات التحويلية ولذلك إذا نظرنا إلي هذه القطاعات.. سنجد أن معدل النمو فيها مازال بطيئاً.. فتجارة الجملة والتجزئة مازالت عند حد 1.6% والصناعات التحويلية غير البترولية مازالت عند حد 3.5% مقارنة بحوالي 2.4% خلال عام 2008 - 2009. لكن الأخطر من ذلك - في وسط هذه المؤشرات - هو أن نسبة الفقراء الذين استمروا في حالة الفقر قد ارتفعت من 9.5% إلي 6.8% اما الجدد الذين سقطوا في الفقر فقد زاد عددهم من 9.7% من جملة السكان إلي 2.8% والاهم أن من خرجوا من الفقر والذين وصل عددهم إلي 6.9% من الشعب - قد انخفض عددهم إلي 2.5% أي أن هناك 4.4% من جملة السكان - كانوا قد خرجوا من دائرة الفقر ولكن الأزمات الاخيرة اعادتهم مرة أخري إلي دائرة الفقر. لكن بعيدا عن مؤشرات الأداء الاقتصادي وفي الوقت الذي أصبح فيه تحسين أحوال المواطنين مرهونا بمعدلات نمو تفوق ال 8% أي بعد عدة سنوات قادمة إلا أن كل المؤشرات تؤكد ان المصريين قد لا ينعمون أو يشعرون بثمار معدلات النمو خلال السنوات القادمة إذا أخذنا في الاعتبار التقارير التي اعدتها مجموعة الخبراء حول التداعيات الجديدة للازمة اليونانية وأزمة الديون الأوروبية التي تتوقع تأثير عدد كبير من القطاعات الاقتصادية الحيوية في مصر مثل السياحة والاستثمارات والصادرات وقد تتسبب في زيادة عجز الموازنة وخلل في الميزان التجاري.