في 1953 صدرت الطبعة الثانية من «مذكرات عرابي» والتي كتبها زعيم الثورة العرابية «أحمد عرابي» ساردا فيها قصة حياته منذ مولده بمحافظة الشرقية مرورا بقيامه مع مجموعة من زملائه في الجيش المصري بثورة ضد الخديوي توفيق في 9 سبتمبر 1881، ثم دخول الإنجليز إلي مصر عام 1882 واحتلالهم لها، ومحاكمة عرابي وزملائه ونفيهم خارج البلاد. وكتب عرابي هذه المذكرات خلال فترة نفيه وانتهي من كتابتها في 26 يوليو سنة 1910. صدرت الطبعة الثاني بمقدمة كتبها الرئيس محمد نجيب أول رئيس مصري بعد ثورة 1952، أشار فيها إلي الدور الوطني الذي قام به «عرابي»، وأهمية مثل هذه المذكرات للجيل الذي شهد ثورة يوليو 1952 لتكون لهم عبرة ومثالا علي التضحية. يقول نجيب: «تصفحت هذه المذكرات التي كتبها القائد المصري الوطني والسياسي والعسكري البطل أحمد عرابي «ليبين للناس حقيقة النهضة المصرية المشهورة بالثورة العرابية تمحيصا للتاريخ من درن الأهواء الفاسدة والمفتريات الباطلة، وما أن سرت في قراءتها قليلا، حتي استوقفني أهمية البيانات الخطيرة الدقيقة التي سجلها وفصلها، فأعدت ما قرأت، مثني وثلاث ورباع، شاعرا في كل مرة من هذه المرات بلذة الاستذكار، ولذة الوقوف علي تلك المفاخر المصرية الوطنية الحقة من بطولة وشهامة وتضحية وإيثار. وهكذا كان شأني حتي أتيت علي آخر هذه المذكرات القيمة، التي جمعت فأوعت، وألقت الضوء علي حقائق تلك الحقبة الخطيرة من تاريخنا الحديث، فأظهرتها في صدق ويقين، وكان فيها لذلك هدي للمهتدين، وعبرة للمعتبرين. ويضيف نجيب قائلا: «وإني إذا اترحم علي الزعيم البطل صاحب هذه المذكرات، مشيدا بما أفاد به التاريخ المصري، بالكشف عن أسرار لم تكن معروفة فيه، وبمواقفه هو وصحبه الذين رفعوا رأس الكرامة الوطنية، لأرجو أن تتجدد بها دائما ذكري ذلك الجهاد الوطني المجيد، لينتفع بها الجيل الحاضر والأجيال المقبلة، ولتتأكد في نفوس المواطنين جميعا تلك المثل العليا التي ضربها عرابي في حركته الوطنية التاريخية العظيمة، للرجولة الحقة والشهامة الموروثة ، وإباء الظلم والقيم، والاعتزاز بمصريته وقوميته، مما جعله منارا يهتدي به، ورائدا يقتفي أثره ويتمثل بقول الشاعر العربي القديم: إذا ما الملك سام الناس خسفا أبينا أن يقر الظلم فينا كما دعا الرئيس «نجيب» المواطنين إلي قراءة هذه المذكرات لأنها إذا كانت درسا تاريخيا مهما إلا أنها تحتوي علي رؤية مستقبلية وهذا ما أكده بقوله: «علي أن مذكرات عرابي هذه ليست درسا من دروس الوطنية الخالدة فحسب، وليست فائدتها مقصورة علي ما فيها من كشف لحقائق التاريخ التي كانت مجهولة، وإماطة اللثام عن أسرار كانت خافية، فالواقع أنها إلي هذا كله قد سجلت فيما سجلته حادثا تاريخيا جليلا من أجل وأهم حوادث الكفاح والتضحية والبذل والفداء في سبيل حرية الوطن وكرامة وسعادته، وهي لذلك يجب أن يستوعبها المواطنون عامة، والشبان خاصة، ليترسموا خطاه في خدمة البلاد، ولينسحبوا علي منواله في الإقدام والإباء والإخلاص، وبذلك يؤتي كفاحهم أبرك الثمرات وأينعها بإذن الله». ويثني نجيب علي شخصية عرابي معتبرا إياه أحد مؤسسي وباعثي النهضة الحديثة في مصر: «إن عرابي زعيم تلك الثورة أو النهضة المصرية، يمثل بسيرته وأعماله التي تفصلها هذه المذكرات مرحلة مجيدة من أهم المراحل التي مرت بها بلادنا في العصر الحديث، فهو وطن كامل الوطنية، وهو مناضل لا تنقصه الجرأة ولا الشجاعة، ثم هو إلي هذا وذاك جندي باسل يعرف حق بلاده عليه، ويعرف متي وكيف يؤدي واجبه كاملا غير منقوص، لكي يرفع لواء الكرامة الوطنية، ولكي يدافع عن الوطن وأهليه عادية المستعمرين ومن يلوذ بهم من الطغاة المستبدين ومن النفعيين الفاسدين.