عندما تقرأ هذا الكتاب تكتشف أن ما كنت تعرفه عن شخصية وطنية بقيمة وقامة أحمد عرابي هو مجرد شذرات من هنا وهناك ضاع معظمها بين صفحات كتب التاريخ التي زيفه البعض أحيانا كثيرة لتشويه بعض الشخصيات الوطنية. وكان عرابي أحد هؤلاء, حتي جاء الأديب والمؤرخ الراحل محمود الخفيف بكتابه أحمد عرابي.. الزعيم المفتري عليه ليكشف جوانب خفية حول شخصية عرابي وحياته والثورة التي كان وقودها فلاحي مصر والتي تعرضت لانتقادات ومحاولات للتشويه والتقليل من شأنها في بعض كتب التاريخ. يقدم الكتاب رصدا علميا لكافة الحقائق والأحداث التي وقعت في تلك الفترة التي شهدت اندلاع الثورة العرابية للرد علي محاولات تشويه الثورة ومن قادها والتقليل من شأنهما, والتي لم تكن قاصرة في تلك الفترة علي أنصار الملك وحلفاء الإنجليز فقط, بل أيضا امتدت لبعض الوطنيين الذين قللوا من شأن هذا الحدث, حيث وجهت تهم وشائعات واتهامات إلي عرابي استطاعت أن تسيطر علي رجل الشارع وقتها, ولقد استطاع محمود الخفيف في كتابه الرائع أن يفند ما وجه إلي عرابي ليقدم التاريخ كما كان وليس كما أراده البعض أن يكون. وقد بدأ الخفيف في كتابة هذا العمل خلال عمله في مجلة الرسالة بداية من العدد299 بتاريخ27 مارس1939 وتحدي بهذا الكتاب القصر والإنجليز اللذين تدخلا بقوة في إيقاف مجلة الرسالة وتعرض الخفيف للاضطهاد والمطاردة نتيجة فضحه الخديو توفيق الذي خان الثورة وتحالف مع الإنجليز ولكن الخفيف أتم فصول الكتاب وأصدره عام1947 لتصدر طبعته الأولي عن دار الوحدة ثم طبع مرتين علي الأقل بعد ذلك خلال عامي1971 و2004, و يشاء القدر بعد أكثر من قرن علي رحيل عرابي و نصف قرن علي رحيل الخفيف أن يلتقي حفيد عرابي الأستاذ مصطفي فهمي بالدكتور محمود الخفيف الذي حمل نفس اسم مؤلف الكتاب الذي كان عم والده لتولد فكرة إعادة طبع نسخة جديدة من الكتاب لشعورهما بحاجة الجيل الجديد من شباب مصر لهذه النوعية من الكتب التي ترصد تضحيات شعب مصر في وجه حكامها المستبدين و أعوانهم في الداخل أو القوي الأجنبية المتربصة بمصر وثرواتها, فكان نتيجة هذا اللقاء تلك الطبعة الجديدة. و تم إنهاء العمل علي تلك الطبعة قبل الثورة في إبريل2010 حيث تساءل الحفيدان( حفيد عائلة عرابي وحفيد عائلة الخفيف) وهما يستعرضان حالة مصر السياسية والاجتماعية في عهد النظام السابق في الوقت الذي عزما فيه علي إصدار الكتاب عما إذا كان شعب مصر سيثور علي حاكمه المستبد مجددا مؤكدين أن مصر في حاجة إلي أحمد عرابيس ز الله أحرارا وأننا لن نورث أو نستعبد بعد اليوم. ولم يمض عام حتي ثار الشعب المصري في25 يناير2011 ضد النظام والحاكم الذي كان يسعي لتوريث مصر وشعبها وثرواتها لعائلته لينتفض بنفس الهتاف مرددا شعارات الكرامة والعدالة الاجتماعية ليثبت الشعب أنه ما أن يظن المستبدون أنه قد دان لهم حتي يفاجئهم بالثورة و يقف وراء قياداته التاريخية إلا أنه في هذه المرة لم يكن هناك قائد واحد بل ملايين القادة علي الأرض يهتفون الشعب يريد إسقاط النظام. صدر عن دار ميريت